بعد أن أحدثت علاجات "CAR-T" الخلوية (نقل الخلايا التائية المُعدّلة وراثيًا) ضجةً واسعة في عالم الأورام بقدرتها على شفاء بعض الحالات والتي كانت في مرحلة متقدمة من الإصابة، يتجه الباحثون وعلماء المناعة اليوم نحو الجيل التالي والذي يتمثل في تقنية الخلايا المناعية المعدلة وراثياً حيث تهدف هذه الخطوات إلى تجاوز العقبات الكبرى التي تواجه (CAR-T) من ناحية التكلفة المالية العالية (تتجاوز المليون ريال للمريض الواحد في كثير من الأحيان)، بالإضافة إلي وقت إنتاجها الطويل (أسابيع)، وآثارها الجانبية الخطيرة أحياناً، وعدم فعاليتها في بعض الأنواع من الأورام مثل سرطان الثدي والقولون. يستهدف العلماء الخلايا القاتلة الطبيعية (NK) الموجودة في الدم بدلاً من الخلايا التائية المعقدة حيث أظهرتالدراسة الحديثة والتي نشرت دراسة حديثة نشرت في مجلة "Nature Medicine" (فبراير 2024) نتائج مبهرة ل "CAR-NK" ضد أورام الدم، مع آثار جانبية أقل بكثير من "CAR-T". حيث يمكن إنتاجها من متبرعين أصحاء وتخزينها ك "علاج جاهز" (Off-the-Shelf)، مما يقلل التكلفة والانتظار من أسابيع إلى أيام. لكن يبقي السؤال في إمكانية نقل هذه الميزة الحاسمة إلى CAR-T؟ تشير التجارب السريرية الواعدة، مثل تلك المنشورة في "Blood Journal" (نوفمبر 2023)، إلى إمكانية هندسة خلايا "CAR-T" من متبرعين لتكون "عالمية" (Universal CAR-T)، بمعنى أن تقبلها أجسام معظم المرضى دون رفض مناعي شديد مما يفتح الباب لصناعة أجيال جديدة من الخلايا المناعية قادرة على تحطيم حواجز احتكار العلاج الفردي المكلف مالياً. بالإضافة إلى هندسة الخلايا المناعية لعلاج الأورام السرطانية، تظهر العديد من الدراسات بعض الخيارات الأخرى والتي تستهدف الخلايا السرطانية بدقة فائقة وفعالية عالية مثل الناقلات الفيروسية (Viral Vectors) حيث أظهرت المراجعة البحثية الشاملة والتي نشرت مؤخراً في مجلة "Front. Immunol" (يناير 2025)، أهمية تطوير الفيروسات الناقلة والتي بدورها تستهدف الخلايا السرطانية "في الأورام الصلبة" وتقلل الضرر الذي يستهدف الخلايا السليمة. من المثير للاهتمام، يلعب الميكروبيوم (البكتيريا النافعة الموجودة بالأمعاء) دوراً أساسياً في دعم الخيارات السابقة لعلاج الأورام حيث أظهرت الدراسة التي نشرت في مجلة (Science) (نوفمبر 2017) وجود رابط قوي بين تكوين البكتريا النافعة وتعزيز فعالية هذه العلاجات من خلال تنشيط وتعزيز الخلايا المناعية والبيئة المناعية للأورام بشكل عام. على الصعيد الوطني، تشارك المراكز البحثية الرائدة في المملكة العربية السعودية في تعزيز هذا النمو والتطور في طاع العلاجات المناعية للأورام حيث يجري مستشفى الملك فيصل التخصصي (على سبيل المثال) تجارب سريرية بالشراكة مع قطاعات دولية لتقييم فعالية وأمان العلاج المناعي الخلوي مما يؤكد أن الاستثمار في هذه التقنيات الناشئة ليس ترفاً، بل ضرورة استراتيجية. فهي تمثل أملاً حقيقياً لجعل علاجات السرطان المناعية الفعّالة لتصبح في متناول المرضى في المملكة مما يساهم في خفض العبء المالي على النظام الصحي ويجعل من المملكة شريكاً فاعلاً في البحث والابتكار للوقوف على أعتاب فجر جديد في الحرب ضد السرطان ضمن مستهدفات رؤية الوطن 2030 لرفع جودة الحياة والاهتمام بصحة الإنسان. * أستاذ علم المناعة المساعد كلية العلوم - جامعة الملك سعود د. عبدالعزيز محمد العمري