في كل عام، ومع انتهاء الموسم الدراسي، تبدأ ملايين الأسر في المملكة العربية السعودية رحلة التعامل مع الإجازة الصيفية، تلك الفترة التي تمثل لدى الأبناء مساحة للراحة والانطلاق، لكنها في المقابل تشكّل للأهل تحديًا حقيقيًا في كيفية استثمارها بما يحقق التوازن بين الترفيه والتعليم. في المملكة، تضم منظومة التعليم العام أكثر من 6.72 مليون طالب وطالبة في مختلف المراحل، وفقًا لأحدث الإحصاءات. ومع بداية الإجازة الصيفية، تظهر تساؤلات متكررة: كيف يمكن للأسرة أن تدير هذا الوقت الطويل؟ وهل تتحول الإجازة إلى فرصة لبناء الشخصية وتعزيز الروابط الأسرية أم تنزلق لتصبح فترة فراغ وسلوكيات غير منضبطة؟ يُشير المستشار التدريبي أنس محمد الجعوان، في حديثه ل"الرياض"، إلى أن الدراسات الحديثة تحذر من التأثيرات السلبية للإجازات الطويلة على التحصيل الدراسي للأطفال. حيث بيّنت تقارير صادرة عن منظمة اليونيسف عام 2023 أن الطالب قد يفقد خلال إجازة صيفية تصل إلى شهرين ما نسبته 20% إلى 30% من المهارات الدراسية التي اكتسبها خلال العام، وهو ما أكّدته أيضًا دراسات من جامعة جونز هوبكنز التي شددت على أهمية تحفيز الطلاب على أنشطة ذهنية خلال هذه الفترة. لكن الصورة ليست سلبية بالكامل. ففي الجهة المقابلة، أشار تقرير صادر عن "مؤسسة RAND" الأميركية إلى أن الإجازات تلعب دورًا محوريًا في تحسين الصحة النفسية للأطفال، كما تتيح للأسرة فرصة ثمينة لتعزيز الروابط الأسرية والتواصل الإيجابي، بشرط أن يتم التعامل مع الإجازة بوعي وتخطيط. الديناميكية الأسرية خلال الإجازة تتغير بصورة كبيرة، وهذا ما تؤكده دراسة سعودية أجراها مركز "رؤية للدراسات الاجتماعية" في 2023. إذ أظهرت أن 67% من أولياء الأمور يشعرون بضغط إضافي أثناء تنظيم يوم الأبناء خلال الإجازات. كما تواجه 52% من الأسر تحديات مالية تتعلق بتغطية تكاليف الأنشطة الصيفية أو السفر، في حين ترى 61% من العائلات أن هذه الفترة تشكل فرصة حقيقية لقضاء وقت أطول مع الأبناء وتحسين جودة العلاقة الأسرية. ورغم أن متوسط مدة الإجازة السنوية للطلاب في المملكة يصل إلى 12 أسبوعًا، إلا أن الأرقام تعكس ضعف استثمار هذه الفترة من الناحية التعليمية؛ إذ لا يتجاوز معدل تسجيل الأبناء في البرامج الصيفية التعليمية أو التطويرية 27% فقط، بحسب بيانات هيئة الإحصاء السعودية لعام 2023. ومن جهة أخرى، يعكس السلوك اليومي للمراهقين تحديًا آخر، حيث يقضي نحو 40% منهم أكثر من خمس ساعات يوميًا أمام الشاشات خلال الإجازة، ما يرفع من احتمالية العزلة الرقمية وتأثيراتها النفسية والسلوكية. وحول كيفية تحويل هذه التحديات إلى فرص إيجابية، يؤكد الجعوان أن الأسرة بإمكانها استثمار الإجازة عبر تبني خطوات عملية مدروسة، مثل إعداد خطة أسبوعية متوازنة تجمع بين الترفيه والتعليم والأنشطة الاجتماعية، وتشجيع الأبناء على القراءة وتنمية الهوايات والمشاركة في برامج صيفية تدريبية أو تطوعية، وتقنين استخدام الأجهزة الإلكترونية مقابل تقديم بدائل جذابة تُمارس بشكل جماعي، وتنظيم جلسات حوارية عائلية لتعزيز الروابط الأسرية وإعادة بناء جسور التواصل. وفي ختام حديثه، شدد الجعوان على أن الإجازة ليست مجرد استراحة من مقاعد الدراسة، بل هي "اختبار للأسرة" في إدارة الوقت وبناء الشخصية. "حين تتحول الإجازة إلى جسر نحو نمو متوازن للطفل، وتمنح العائلة مساحة للتقارب، تصبح فعلًا فرصة ذهبية لا عبئًا خفيًا"، على حد تعبيره. كل ما تحتاجه الأسر هو قدر من التخطيط والتواصل والقدرة على خلق توازن ذكي بين الراحة والبناء.