ما أجمل حفظ المعروف، وردُّ الجميل، ومقابلة الإحسان بالإحسان! وهو ما نقصد به الوفاء، فهو خلقٌ عظيم من أهم الأخلاق التي حثَّ عليها ديننا الحنيف في تقديم الشكر مَنْ يقدم لنا معروفاً حتى تسود العلاقات الطيبة والخصال الحميدة في المجتمع. وأعتقد في رأيي بأن أجمل النفوس الراقية هي التي لا تنكر المعروف رغم شدّة الخلاف فأسوأ الناس خلقاً من إذا غضب منك أو كان على خلاف معك نسي مباشرة فضلك، وإحسانك ونسي عشرتك، وقال عنك ما ليس فيك، فنكران الجميل خيانة للشرف والأمانة، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ". وقد جاء في القرآن الكريم الحث على حفظ المعروف فقال الله سبحانه: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من صنَع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى تَرَوا أنكم قد كافأتموه)؛ رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقد جاء الوعيد الشديد في الغدر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغادرَ يُنصَب له لواءٌ يوم القيامة، فيقال: هذه غَدْرَةُ فلانِ بن فلانٍ)؛ البخاري. ومن طبيعة ناكر الجميل أنه إذا وجد من يسعده اليوم، نسي تماماً من أسعده بالأمس ويهجره. والمفترض إذا عجزتم عن رد الجميل على الأقل لا تنكروه وتجحدوه. لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الوفاء وحفظ الجميل ورده في مواقف كثيرة مع صحابته الكرام، ومنها ثناؤه الدائم على صاحبه أبي بكر رضي الله عنه، فقال في حقه: "وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً". وأيضاً وفاءه مع زوجته خديجة رضي الله عنها التي وقفت معه وواسته، وهدأت من روعه عند نزول الوحي عليه فقال في حقها: "قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني من مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل الأولاد منها". وفي رأيي عند تقديمك للمعروف والمساعدة للآخرين فلا تنتظر الشكر من أحد، وافعَلِ الإحسان لوجه الله تعالى طلباً للأجر والمثوبة منه سبحانه. ولا تشغل تفكيرك ووقتك وحياتك وتأخذك الهموم والغموم بمن لم يقدرك حتى تعيش في راحة وسعادة في حياتك. ومن أجمل الأمثلة للوفاء مع العلماء ورد الجميل وفاء الإمام أبي حنيفة لشيوخه، فلقد كان يدعو لشيخه حمّاد بن أبي سليمان مع أبويه في كل صلاة يصليها، وكان يحفظ له وُدّه، ويذكره دائماً بالخير ويترحّم عليه، ولا ينسى فضله، ويدعو له باستمرار، حتى قال أبو حنيفة: "ما صليت قط إلا ودعوت لشيخي حماد ولكل من تعلمت منه علماً أو علمته". وقد جاء في الحديث الصحيح: (من صنع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء). ويقول الشاعر: إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ ... وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا. وأخيراً.. ما أجمل الوفاء وما أجمل الأوفياء الذين يحملون الذكريات الطيبة في دواخلهم وإن طال الزمن، الذين يحفظون المودة وإن تباعدت المسافات، الذين لا يتنكرون لجميل، أو عطاء، أو إحسان، أو معروف، ويظلون يحفظون الجميل ويتحدثون بها للناس، ولا شك بأن هذا الوفاء ينم على خلق رفيع للإنسان الوفي، ويدل على شرف المعدن وطيب الأصل، لا يتسم به إلا الأصفياء من الناس، ولذا ضربت العرب المثل بالوفاء في القِلة، فقالوا: هو أعز من الوفاء. محمد الصالح