خادم الحرمين يوجه بتسهيل كافة احتياجات الحجاج الإيرانيين حتى تتهيأ الظروف لعودتهم إلى وطنهم سالمين    ماكرون يعلن تأجيل المؤتمر الدولي لحل الدولتين في نيويورك    إسرائيل تواصل العملية العسكرية في إيران وطهران تتوعد بالرد    وزير الخارجية يناقش مع رئيس الوزراء القطري الهجوم الإسرائيلي على إيران    تفاصيل كأس السوبر السعودي    الأخضر الأولمبي إلى نهائي تولون بعد تغلّبه برباعية أمام الدنمارك    كريستيانو رونالدو سفيرًا عالميًّا لكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 في الرياض    الكشف عن الدول المضيفة لملحق التصفيات الآسيوية لكأس العالم 2026    ما هي منشأة نطنز النووية الإيرانية    ماجد الجمعان يرد في بيان بشأن رحيله عن النصر    ريال مدريد يعلن تعاقده مع ماستانتونو    مواجهات عربية محتملة ل الهلال في كأس العالم للأندية    توديع حجاج البحرين بهدية خادم الحرمين من المصحف عبر جسر الملك فهد    الدوسري في خطبة الجمعة من الحرم المكي: من حفظ حدود الله حفظه في دنياه ودينه    الذهب لأعلى مستوى في شهرين مع قوة الطلب وسط تصاعد التوترات    فوكس نيوز: أمريكا ستدافع عن إسرائيل في مواجهة رد طهران    المملكة تدين العدوان الإسرائيلي السافر على إيران    اجواء حارة الى شديدة الحرارة على اجزاء من عدة مناطق بالمملكة    ضيوف الرحمن و زوّار المسجد النبوي يمكنهم معرفة المواقع الشاغرة في المسجد    مراقبو أمانة تبوك ينفذون 1253 زيارة ميدانية خلال ذي الحجة    أكثر من 1900 حاج يستفيدون من مبادرة المواقع المتنقلة على طريق الهجرة    حرب إسرائيل وإيران.. تراجع في أسواق آسيا والمحيط الهادئ والنفط يقفز 7%    لماذا لا يريد ترمب أن تهاجم إسرائيل إيران؟    ذبح ومعالجة أكثر من 820 ألف رأس من الأضاحي خلال موسم الحج    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    أسعار النفط تنخفض    حرس الحدود يسهل إجراءات مغادرة الحجاج عبر ميناء جدة الإسلامي    «إثراء» يعايد زواره بالموسيقى والأداء المبتكر    «100 قصة من مجتمعنا» تواصل استقبال المشاركات    عائلة الحمد يشكرون المعزين في وفاة فقيدهم الشيخ حمد    المملكة تعزي الهند إثر الحادث الأليم بسقوط طائرة مدنية    سعود الطبية تُجري أول عملية لتبديل رأس عظمة العضد في مفصل الكتف    وزير الشؤون الإسلامية يوجّه خطباء الجوامع بتخصيص خطبة الجمعة لشكر الله على نعمة نجاح موسم حج 1446ه    نجاح أول عملية تصغير معدة بالمنظار لزارع كلى على مستوى المنطقة    بمتابعة وإشراف أمير منطقة تبوك مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار تودع ضيوف الرحمن بخدمات نوعية    جمعية المودة تواصل تقديم خدماتها ل352 أسرة خلال عيد الأضحى المبارك    أمانة الشرقية تختتم فعاليات عيد الأضحى بفرحة الأهالي والزوار    اختتام فعالية ( عيدنا يجمعنا) بحضور أكثر من 8 الاف زائر برأس تنورة    "قمر الفراولة" ينير سماء الحدود الشمالية في مشهد نادر حتى عام 2043    أكبر ارتفاع لأسعار النفط منذ أكتوبر نتيجة توترات الشرق الأوسط    نجاح الحج بتكامل أمني وتشغيل وطني    تعاملنا مع الأزمات جيني أم بيئي؟.. بحث جديد يجيب    الديوان الملكي: وفاة الأمير فيصل بن تركي    العقوبات والتخصيب في الميزان.. عراقجي: الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران يقترب    الحبشي يحتفي بإصداره "الاستخلاف وعمارة الأرض"    الجيش السوداني يبدأ ترتيبات دفاعية لاستعادة "المثلث"    "سدايا" تؤمن سلاسة مغادر ضيوف الرحمن عبر المنافذ    مغادرة أولى رحلات ضيوف الرحمن عبر مطار المدينة    القاضي والفلاتة يحتفلان بزفاف أنس    توزيع هدية خادم الحرمين على الحجاج بمطار الطائف    التفوق ومرتبة الشرف ل غلا عاشور    بموجب اتفاق سعودي – هولندي.. 428 مليون ريال استثمارات لتوطين التقنيات البيئية    سمو ولي العهد يوجه برقية شكر جوابية لسمو وزير الداخلية بمناسبة تهنئته بعيد الأضحى المبارك ونجاح موسم حج هذا العام 1446ه    عادة بسيطة عند النوم قد تؤدي إلى الصلع    97.7 % نسبة رضا الحجاج عن العلاج ب" التجمع الصحي"    حضور عالمي متنامٍ للسياحة في المملكة    هيئة الأفلام تنضم إلى الرابطة الدولية للمحفوظات السمعية    دارة الملك عبدالعزيز تصون ذاكرة الوطن ب" التقنيات الحديثة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشاعر المقدسة.. نموذج عالمي للاستدامة البيئية
نشر في الرياض يوم 12 - 06 - 2025

رحلة روحانية تدعمها الطاقة المتجددة والتقنيات الذكية
تُعدّ المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية من أقدس الأماكن على وجه الأرض، حيث يتوافد إليها ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم لأداء مناسك الحج، في رحلة روحانية تتجسد فيها أسمى معاني الإيمان والتضحية. ومع التزايد الملحوظ في أعداد الحجاج كل عام، أصبحت الحاجة ملحة لإيجاد حلول مبتكرة تضمن إدارة هذه الأماكن المقدسة بطريقة ذكية وآمنة ومستدامة. وفي هذا السياق، تواصل المملكة العربية السعودية خطواتها الثابتة نحو تحويل المشاعر المقدسة إلى نموذج عالمي للاستدامة البيئية، متبنية أحدث التقنيات في مجالات الطاقة المتجددة والنقل والخدمات. كل هذا يأتي في إطار رؤية المملكة 2030 التي تضع الاستدامة البيئية في قلب أولوياتها التنموية. رؤية شمولية نحو حج مستدام
لم تعد الاستدامة خيارًا في موسم الحج، بل أصبحت ضرورة تُلزم الجهات كافة بتبني رؤية شمولية تتقاطع فيها القيم الدينية مع التقنيات الحديثة. وفي هذا السياق، يعبّر المستشار سطام آل سعد، مستشار التنمية المستدامة، عن هذا التوجه الشامل برؤية تجمع بين العمق الديني والبعد البيئي والتقني، قائلًا:
»يشهد موسم الحج سنويًا توافد ملايين الحجاج من مختلف دول العالم إلى المشاعر المقدسة، مما يضع تحديات كبيرة على البيئة والبنية التحتية. في ظل التحول العالمي نحو الاستدامة، برزت الحاجة إلى تطوير تجربة الحج لتكون أكثر توافقًا مع مبادئ التنمية المستدامة، دون المساس بجوهرها الروحي.
يعتبر موسم الحج نموذجًا عالميًا للتوازن بين الدين والتقنية، وبين القدسية والطاقة النظيفة، ويمكن توضيح ذلك بما يلي:
أولاً: البعد الأخلاقي للاستدامة في الحج:
لا يمكن اختزال الاستدامة في الحج بمجرد إجراءات بيئية، بل هي امتداد لمبدأ "الاستخلاف في الأرض". إذ أن الحفاظ على موارد المشاعر يُعد مسؤولية دينية، تتناغم مع تعاليم الإسلام في النهي عن التبذير، والدعوة إلى إعمار الأرض، واحترام النعمة.
وبالتالي، فالسلوك المستدام يصبح جزءًا من شعائر الحج، ويحوّل الوعي البيئي من مجرد التزام إلى عبادة مقصودة.
ثانيًا: أدوار الاستدامة في تطوير تجربة الحج:
1. الاستدامة البيئية:
- تقليل الانبعاثات والحد من تلوّث الهواء والماء.
- إدارة نفايات المشاعر الضخمة بطرق متقدمة تراعي إعادة التدوير والتحلل البيولوجي.
- حماية المناطق الطبيعية والبيئة الجيولوجية لمكة والمشاعر.
2. الاستدامة التقنية والإدارية:
- توظيف الطاقة الشمسية لتشغيل المخيمات والمرافق الصحية.
- استخدام الذكاء الاصطناعي والإنترنت في إدارة الحشود والطوارئ.
- نظام النقل المستدام لتقليل الازدحام والانبعاثات.
3. الاستدامة السلوكية والثقافية:
- خلق وعي بيئي ديني لدى الحجاج من خلال التثقيف بلغات مختلفة.
- تشجيع مشاركة الحجاج في السلوكيات الخضراء مثل فرز النفايات.
- تضمين مفاهيم الاستدامة في الخُطب والمناسك والمطبوعات.
ثالثًا: المبادرات المؤثرة نحو حج مستدام:
- مشروع مكة الذكية والمستدامة: بنية تحتية رقمية تعتمد على الطاقة المتجددة، تقلل التكاليف والانبعاثات.
- محطات الطاقة الشمسية في عرفات ومنى ومزدلفة: حلول مستدامة لتشغيل الخدمات الحيوية.
- النقل الأخضر: الحافلات الكهربائية والهيدروجينية لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- مبادرات الفرز والتدوير: من النفايات العضوية إلى البلاستيكية، تمهيدًا لاقتصاد دائري.
- التوعية البيئية الدينية: ربط الاستدامة بالمفاهيم الشرعية، لتصبح جزءًا من السلوك التعبّدي.
رابعًا: تحديات التنفيذ وفرص التوسع:
رغم وجود مبادرات قوية، ما زالت هناك تحديات تحتاج إلى حلول جذرية، مثل:
- التنسيق متعدد الجهات بين الوزارات والهيئات المختصة.
- توعية الشركات والموردين العاملين في الحج بمتطلبات ومعايير الاستدامة.
- توسيع رقعة الطاقة المتجددة لتشمل المنشآت المؤقتة والثابتة كافة.
- تحفيز الابتكار المحلي لتطوير حلول ذكية ذات طابع ديني وتقني.
الطريق إلى حج مستدام ليس رفاهية، بل ضرورة شرعية وإنسانية، ومسؤولية حضارية تقع على عاتق الأمة. وحين تصبح الكعبة مركزًا للقلوب النقية ومركزًا للطاقة النقية، نكون قد تجاوزنا ثنائية الدين والتقنية، ووصلنا إلى المعادلة الأسمى: الاستدامة عبادة... والحج طريقها النقي».
مبادرة تبريد الأسطح الأسفلتية في مكة: خطوة نحو بيئة صحية للحجاج
في ظل ما تشهده مكة والمشاعر المقدسة من درجات حرارة مرتفعة، خاصة خلال موسم الحج، برزت الحاجة إلى حلول مبتكرة للحد من ظاهرة "الجزر الحرارية" التي تنتج عن امتصاص الطرق والأرصفة لحرارة الشمس نهارًا، ثم إطلاقها ليلًا، ما يزيد من حرارة الأجواء المحيطة، ويرفع من استهلاك الطاقة للتبريد، ويؤثر على راحة الحجاج وصحتهم. لمواجهة هذه الظاهرة البيئية الضاغطة، أطلقت الجهات المختصة في المملكة مشروعًا طموحًا لتبريد الأسطح الأسفلتية للطرق في مكة والمشاعر المقدسة، وهو مشروع يُعد من الخطوات النوعية نحو بيئة أكثر استدامة وصحة.
يرتكز المشروع على استخدام تقنية "الأرصفة الباردة" أو "تبريد الإسفلت"، وهي تقنية تعتمد على طلاء خاص مصنوع من مواد محلية مبتكرة، قادرة على تقليل امتصاص حرارة الشمس بشكل كبير. تعمل هذه المواد العاكسة على خفض درجة حرارة سطح الطريق بنسب ملحوظة مقارنة بالأسفلت التقليدي، إذ إنها تعكس جزءًا كبيرًا من الإشعاع الشمسي بدلًا من امتصاصه. وبهذا، تنخفض حرارة الطرق بشكل فعلي بما يصل إلى 15 إلى 20 درجة مئوية، ما يُسهم في خلق بيئة أكثر راحة للحجاج، ويقلل من الاعتماد على وسائل التبريد الصناعية، وبالتالي يخفف من الضغط على شبكة الكهرباء.
كما أن تبريد الطرق لا يسهم فقط في راحة المشاة، بل يُحسّن من جودة الهواء، ويقلل من انبعاثات الكربون غير المباشرة الناتجة عن تشغيل أجهزة التكييف بكثافة في الأماكن القريبة من الأسطح الحارة. وقد تم تطبيق هذه التقنية في عدد من المواقع الحيوية، مثل عرفات ومنى ومزدلفة، ضمن خطة مستقبلية لتعميمها على نطاق أوسع في مناطق الحج والسير.
هذا التوجه يعكس مدى التزام المملكة بالحلول البيئية المستدامة التي لا تكتفي بمعالجة التحديات، بل تسعى لتقديم نماذج قابلة للتطبيق في مدن أخرى داخل المملكة وخارجها، بما ينسجم تمامًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، والتي وضعت الاستدامة في صميم سياساتها التنموية.
النقل المستدام في خدمة الحجيج
قطاع النقل يُعد من أكبر مصادر الانبعاثات في موسم الحج، لذا حرصت المملكة على تطوير منظومة تنقل مستدامة تواكب المعايير البيئية العالمية. أبرز ما تحقق في هذا الجانب هو تشغيل "قطار المشاعر" الذي يعمل بالكهرباء بالكامل، وينقل الحجاج بين منى، عرفات، ومزدلفة. هذا القطار لعب دورًا حيويًا في تقليل الاعتماد على الحافلات التقليدية، ما قلل من انبعاث الغازات الضارة وخفف الازدحام.
كما تم خلال موسم 1445ه إدخال حافلات كهربائية منخفضة الانبعاثات إلى الخدمة، إلى جانب توفير دراجات كهربائية داخل منى ومزدلفة لتسهيل التنقل السريع. ولم تتوقف الجهود هنا، فقد شهد الموسم تجربة أولى لتاكسي طائر كهربائي، في خطوة طموحة تستشرف مستقبلًا تتكامل فيه وسائل النقل الذكية والصديقة للبيئة لخدمة ملايين الحجاج.
آفاق مستقبلية نحو حج أكثر استدامة
تمضي المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو تحقيق نقلة نوعية في تجربة الحج، وذلك من خلال خارطة طريق طموحة تسعى إلى تحويل موسم الحج إلى نموذج عالمي متكامل في الاستدامة البيئية بحلول عام 2030. لم تعد الاستدامة خيارًا أو ترفًا، بل أصبحت مكونًا جوهريًا في إدارة الحشود وتوفير الخدمات، في واحدة من أكبر التجمعات البشرية السنوية في العالم.
من أبرز ملامح هذه الرؤية المستقبلية، تعميم ألواح الطاقة الشمسية على جميع الخيام في المشاعر المقدسة، بحيث تُستبدل مصادر الطاقة التقليدية بأخرى نظيفة، تضمن توفير الكهرباء لأنظمة التبريد والإضاءة دون الإضرار بالبيئة. كما تسعى المملكة إلى إدخال الحافلات الكهربائية ذاتية القيادة، لتقليل الاعتماد على وسائل النقل التقليدية وتقليل الانبعاثات، مع تحسين سلاسة الحركة وتقليل أوقات التنقل بين المشاعر.
وفي هذا الإطار، أوضح الخبير في مجال الطاقة المتجددة علي آل معلم في تصريح خاص للتقرير أن الطاقة الشمسية تُعد الخيار الأكثر جدوى لتوليد الطاقة في المشاعر المقدسة، نظرًا لطبيعة مناخ مكة المكرمة ووفرة أشعة الشمس على مدار العام. كما أشار إلى أن الباحث توصل إلى اختراع مبتكر يتمثل في تصميم مظلات مغطاة برقائق شمسية مرنة، تُتيح إنتاج الطاقة المتجددة مع تقديم الظل للحجاج في الوقت نفسه، وهي فكرة قابلة للتطبيق في مناطق المشاعر المقدسة.
وأضاف قائلًا: "بطبيعة الحال فالطاقة المتجددة مرتبطة بالعوامل الطبيعية، وفي تصوري أن الطاقة الشمسية هي الأوفر حظًا كون مناخ مكة المكرمة يتناسب مع إنتاج الطاقة الشمسية من عدة عوامل، منها أن الطاقة الشمسية مهيئة تمامًا لتزويد عرفة ومنى ومزدلفة بالطاقة، كونها أرضًا غير سكنية وغير مأهولة بالسكان، وفيها مساحات كبيرة جدًا تُستغل كمظلات سطحها مكوَّن من رقائق شمسية مرنة حتى لا تُسبب في زيادة الوزن، وفي نفس الوقت تُعطي مجالًا لظل للحجاج من حرارة الشمس التي تفتك بأغلب الحجاج الذين يؤدون هذه المناسك، والغالب منهم كبار السن لظروف التكاليف المالية عليهم في تأمين رحلة الحج.
وأيضًا يمكن استغلال التضاريس الجبلية والاستفادة منها كمواقع لنصب الألواح الشمسية التقليدية".
وفي سياق حديثه، كشف آل معلم عن تفاصيل ابتكاره التقني الجديد الذي يجري تطويره حاليًا على أيدي خبراء في ألمانيا، مؤكدًا على إمكانياته العالية في دعم البنية التحتية لموسم الحج وتوفير الطاقة النظيفة، حيث قال:
"بخصوص ابتكاري، فأتوقع أنه سيكون عامل حسم في تهيئة المناسك، فحاليًا طورنا النموذج في ألمانيا على يد خبراء في إنتاج طاقة.
كما أكد أن هذه الحلول المبتكرة تفتح الباب واسعًا أمام تحويل المشاعر المقدسة إلى نموذج عالمي يحتذى به في تطبيق مفهوم "الحج الأخضر"، مشيرًا إلى وجود بنية تحتية جاهزة لاستقبال هذا النوع من المشروعات. وختم بقوله:
«نعم، بالإمكان جعل الأماكن المقدسة نموذجًا عالميًا لتطبيق الطاقة الخضراء، فهناك مسارات بين عرفة ومزدلفة ومنى مهيأة لاستغلال الطاقة الشمسية لتغذية هذه المسارات بالأجهزة التي تساعد على تهيئة الأجواء، كالمراوح التي تطلق الرذاذ، أو المظلات الكهربائية، أو تزويد العربات الكهربائية بالطاقة، وما إلى ذلك من خدمات يصعب حصرها».
وفي بُعد آخر لا يقل أهمية، يأتي التوسع في رقمنة إدارة النفايات، حيث تهدف الجهات المختصة إلى استخدام تقنيات ذكية في جمع وفرز ومعالجة النفايات، بما يسهم في تقليل الهدر وتحقيق أعلى مستويات الكفاءة والشفافية. ومن المخطط أن تُستخدم تطبيقات ذكية وحاويات استشعارية متصلة بأنظمة رقمية، لتسهيل عمليات التتبع والمعالجة في الوقت الحقيقي، خصوصًا في أوقات الذروة.
وتولي المملكة أهمية خاصة للعنصر التوعوي، حيث تتجه الجهود إلى إشراك الحجاج مبكرًا في منظومة الاستدامة، بدءًا من لحظة تسجيلهم عبر المنصات الإلكترونية، من خلال مواد توعوية وإرشادية بعدة لغات تشرح أهمية الحفاظ على البيئة، وطرق المشاركة في الفرز وإعادة التدوير، وأهمية استخدام الموارد بكفاءة. إن هذه المبادرة لا تستهدف فقط رفع الوعي، بل ترسّخ مفاهيم الانتماء والمسؤولية البيئية في نفوس الزائرين، لتتحول التجربة من عبادة فردية إلى سلوك جماعي واعٍ يُعزز من جودة الحياة في أقدس بقاع الأرض.
قفزات في الاستدامة
تشهد المشاعر المقدسة تحولًا تدريجيًا نحو الاستدامة البيئية، مع تنامي المبادرات الخضراء التي تتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، حيث تبرز جهود متعددة للحد من النفايات والانبعاثات الناتجة عن موسم الحج، سواء عبر تحسين إدارة المخلفات، أو من خلال تقنيات النقل الذكي والطاقة النظيفة.
وفي هذا السياق، أوضح طارق الحسين، رئيس جمعية حياة البيئة، في تصريح خاص للتقرير، أن "جهود المملكة في الحد من النفايات خلال موسم الحج أظهرت تقدمًا ملحوظًا، خاصة من خلال مبادرات المركز الوطني لإدارة النفايات (موان)". وبيّن الحسين أن مبادرة إحرام مستدام تُعد من النماذج الرائدة في هذا المجال، حيث تمكنت من جمع 50 طنًا من الإحرامات و300 ألف وسادة خلال موسم 1445ه، ما يُعد إنجازًا بيئيًا غير مسبوق في إدارة المنسوجات. كما أشار إلى أن إزالة أمانة العاصمة المقدسة لأكثر من 87,500 طن من النفايات في موسم واحد، يعكس تكاتفًا مؤسسيًا لحماية البيئة.
ومن الابتكارات اللافتة التي ذكرها الحسين، أجهزة تحويل بقايا الطعام إلى سماد عضوي، والتي استُخدمت فيما يُعرف ب" المخيم النموذجي"، حيث تُحوّل 200 كجم من بقايا الطعام إلى 10 % سماد خلال 12 إلى 18 ساعة فقط، مما يقلل من حجم النفايات العضوية ويعزز إعادة استخدامها.
أما على مستوى خفض الانبعاثات، أشار الحسين إلى دور أنظمة النقل الذكي والحافلات منخفضة الانبعاثات في تقليص البصمة الكربونية، مؤكدًا أن "التحدي الأكبر يبقى في حجم الحجاج الكبير وكثافة الأنشطة خلال فترة زمنية قصيرة"، مما يتطلب استراتيجيات أكثر مرونة وابتكارًا.
واقترح الحسين عددًا من الخطوات التي يمكن أن تعزز من كفاءة هذه الجهود، من بينها "نشر أنظمة الطاقة الشمسية في مخيمات منى وعرفات لتشغيل الإضاءة والتبريد، وتكثيف التوعية بفرز النفايات من المصدر، وتقليل استخدام البلاستيك، وإطلاق برامج لإدارة النفايات الإلكترونية، إلى جانب رصد دقيق للبصمة الكربونية لموسم الحج".
وفيما يتعلق بفعالية الابتكارات البيئية، يرى الحسين أن التقنيات المستخدمة مثل الذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود، ومبادرات إعادة التدوير بالتعاون مع القطاع غير الربحي، تعكس وعيًا متناميًا بأهمية "الحج الأخضر". لكنه يؤكد أن "توسيع نطاق هذه المبادرات لتشمل جميع المخيمات، وربطها بالطاقة المتجددة، سيمنحها أثرًا أعمق واستدامة أكبر".
ويختم تصريحه بالتأكيد على أن "جهود المملكة في تعزيز الاستدامة خلال موسم الحج مشجعة وتتماشى مع رؤية 2030، لكن هناك حاجة إلى خطوات أكثر طموحًا لدمج الطاقة المتجددة وتعزيز التشريعات البيئية. الابتكارات فعّالة، لكنها بحاجة إلى تكثيف وتوسيع للوصول إلى بيئة حج مثالية تحفظ التوازن البيئي للأجيال القادمة".
الاستدامة في خدمات الحج: الجهود التطوعية كركيزة أساسية
ضمن إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتنظيم وتسهيل موسم الحج، أوضح المتطوع عبدالملك منصور المنصور، خريج تخصص دكتور البصريات وعضو إداري في مبادرة "لنبصر المستقبل" التابعة لجمعية البصريات السعودية، ومؤسس وقائد مبادرة "مستقبلنا في أعينهم"، بالإضافة إلى مشاركته كمتطوع ضمن فريق جامعة الملك سعود التطوعي لخدمة ضيوف الرحمن لعام 1445ه، أن الجهود التي تبذلها المملكة في موسم الحج تعد نموذجًا فريدًا في التنظيم والرعاية. وقال:
"كمتطوع في موسم الحج، أرى عن قرب الجهود الهائلة التي تبذلها المملكة لضمان راحة وسلامة الحجاج. الخدمات الطبية موجودة في كل زاوية، من المستشفيات إلى المراكز الصحية الميدانية، ونحن كمتطوعين نعمل جنبًا إلى جنب مع الفرق الطبية لتقديم الدعم الفوري. الأمن دائمًا متواجد في العديد من النقاط لتسهيل جميع الأمور للحجاج. الخدمات اللوجستية مثل الإسكان والطعام والنقل منظمة بشكل رائع، مما يضمن توفير وجبات صحية ومياه نظيفة للحجاج. كما أن البرامج التوعوية بلغات متعددة تساعد الحجاج على فهم وأداء مناسكهم بشكل صحيح. فرق الجوالة التطوعية تلعب دورًا حيويًا في هذه الجهود، حيث نقدم الدعم والمساعدة للحجاج في كل خطوة من رحلتهم. هذه الجهود تعكس مدى اهتمام المملكة بضيوف الرحمن، وتضمن لهم تجربة حج آمنة ومريحة".
وأشار إلى أهمية الالتزام بالحصول على تصريح حج، مشددًا على أن النظام الجديد، "لا حج بلا تصريح"، يسهم بشكل كبير في تنظيم عملية الحج وتسهيل الخدمات المقدمة للحجاج. وأضاف:
"يأتي العديد من الحجاج لإتمام ركنهم الخامس بلا تصريح، مما يتسبب في عدم تسجيلهم ضمن الأعداد المتوقعة بشكل دقيق، وهذا يؤدي إلى ازدحامات كبيرة. تطبيق نظام "لا حج بلا تصريح" يهدف إلى تنظيم عملية الحج وضمان سلامة وأمان الحجاج. من خلال التصاريح، يمكن للجهات المختصة تقديم خدمات أفضل وأكثر فعالية، سواء في المجال الصحي والإسعافي أو غيرها من الخدمات الأساسية. هذا التنظيم يساعد على الحفاظ على النظام العام وتسهيل إدارة الحشود، مما يضمن تجربة حج آمنة ومنظمة للجميع."
واستحضر تجربته الشخصية من قلب المشاعر، حيث قال:
"أيام لا تُمحى من الذاكرة، ومواقف ستبقى خالدة في ذهني طوال حياتي. دعوات الحجاج لنا وللمتطوعين لا تُقدر بثمن. رؤية الحجاج قادمين من بلادهم، باذلين كل ما لديهم لإتمام حجة الإسلام، تجعلني أشعر بالفخر لخدمة ضيوف الرحمن في تلك الأجواء الروحانية. وجود مضخات الرذاذ الآلية في المشاعر وأيضًا مضخات الرذاذ المحمولة مع المتطوعين كان له دور مهم في التبريد على الحجاج وتقليل درجات الحرارة المرتفعة. كنت في منى وقتها، أشارك في التبريد على الحجاج المتجهين لرمي الجمرات، ولم أود أن تنتهي تلك اللحظات حتى بعد انتهاء الشفت، بسبب الدعوات التي تثلج الصدر".
وفيما يتعلق بالشائعات المتداولة حول الحج، شدد المنصور على أهمية تحري المعلومة الصحيحة، حيث أكد:
"غير صحيح ما يتم تداوله من شائعات ومحاولات لتشويه سمعة المملكة وجهودها في موسم الحج. في موسم الحج لعام 1445 ه، استقبلت المراكز الطبية السعودية العديد من الحجاج غير المصرح لهم، وتم تقديم الرعاية الصحية لهم بدون رسوم. تقدر أعداد الحجاج غير المصرح لهم الذين تلقوا هذه الخدمات الطبية المجانية بالآلاف. الجدير بالذكر أن بعض المشوهين اعترفوا بأن ما نشر كان غير صحيح ومجرد افتراءات. من المهم التحقق من صحة المعلومات وعدم الانجراف وراء الشائعات. وأعلنت المملكة نجاح موسم الحج بفضل الله تحت عنوان #يسر_وطمأنينة."
الحج الأخضر.. رؤية تتحقق في ضوء 2030
الحج الأخضر أصبح واقعًا في المشاعر المقدسة، حيث تعمل المملكة العربية السعودية على تحويل موسم الحج إلى نموذج عالمي للاستدامة البيئية وفقًا لرؤية 2030. من خلال مشروعات الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، وتوسيع شبكات الكهرباء، إلى تقنيات النقل الكهربائي وإدارة الحشود باستخدام الذكاء الاصطناعي، تسعى المملكة لتحسين تجربة الحاج وتقليل الأثر البيئي.
تُعزز هذه الجهود من كفاءة المرافق والخدمات في المشاعر المقدسة عبر حلول مبتكرة مثل التبريد بالطاقة الشمسية وتحسين إدارة النفايات. مع حلول 2030، تأمل المملكة أن تصبح المشاعر المقدسة منظومة بيئية متكاملة تعتمد على الطاقة المتجددة، مع دور فعال للحاج في الحفاظ على البيئة. بذلك، تتحول رحلة الحج إلى رسالة عن التوازن بين الروح والبيئة وحماية المستقبل.
«قطار المشاعر» يعمل بالكهرباء للتقليل من انبعاث الغازات الضارة
تخزين نفايات المشاعر المقدسة عبر حاويات الطاقة الشمسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.