أتمّت المملكة في حج 2025 ما بدا مستحيلا: إدارة حج سيستقبل أكثر من 2 مليون حاج من 183 دولة، بزيادة نسبتها 12 % عن موسم 2024، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الحج والعمرة، هذا الإنجاز لم يكن صدفة، بل نتيجة لاستراتيجية تراكمية بدأت منذ عقود، وتوجت هذا العام بتقنيات ذكية، وبنية تحتية صحية مبتكرة، وتعاون عالمي غير مسبوق. في مشعر منى، حيث يلتقي الملايين لرمي الجمرات، تحولت الساحات إلى "مدينة ذكية" مفتوحة، فقد أطلقت السعودية نظام "التحكم التنبؤي في الحشود"، الذي يستخدم 20 ألف كاميرا حرارية، و150 طائرة مسيّرة، وخوارزميات تحليل البيانات لتحديد مسارات الحجيج بدقة تصل إلى 98 %. ووفق وزارة الحج والعمرة، يتوقع تراجع وقت تنقل الحجيج بين المشاعر بنسبة 34 % مقارنة بعام 2024، بينما انخفضت حالات فقدان الاتجاه بنسبة 60 % بفضل تطبيق "مراجع" من وزارة النقل والخدمات اللوجستية، الذي دمجت فيه تقنية تحديد المواقع الدقيقة (GPS) باللغات المتعددة. ولم تكن التكنولوجيا وحدها هي البطلة، بل التكامل بين الإنسان والآلة، فقد نشرت قوات الأمن 35 ألف ضابط و12 ألف متطوع مدربين على استخدام الأدوات الرقمية، لضمان تطبيق "نموذج التباعد الديناميكي"، الذي يمنع تجمهر أكثر من 25 شخصا لكل متر مربع في مناطق الخطر، لمحاولة تحقيق عدم وجود أي حالة طوارئ. في ظل موجة الحر الشديدة التي سجلت فيها درجات الحرارة 49 درجة مئوية في بعض الأيام أطلقت وزارة الصحة مبادرة "الوقاية قبل العلاج"، التي توزّعت على عدة محاور. الأول: تعميم الأساور الذكية على كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، والتي تتصل مباشرة بغرفة الطوارئ في حال ارتفاع ضغط الدم أو انخفاض نسبة الأكسجين. الثاني: نشر 12 مستشفى ميدانيا مجهزا بأجهزة تبريد فائقة، و75 عيادة متنقلة تغطي مساحة 21 كيلو مترا مربعا في منى وعرفات. الثالث: تطبيق "صحتي للحج"، الذي سجّل 900 ألف عملية حجز إلكتروني للعيادات خلال موسم الحج، ما خفف الضغط على المرافق الثابتة. لم تكتف المملكة بخدمة حجاجها، بل حوّلت تجربتها إلى مشروع عالمي. في يونيو 2025 وقعت اتفاقية تعاون مع منظمة الصحة العالمية لبناء "مركز عالمي للتدريب على إدارة الكوارث"، يهدف إلى إعداد 5 آلاف متخصص من الدول الإسلامية خلال خمس سنوات. كما استضافت الرياض مؤتمر "الحج الرقمي"، الذي شارك فيه خبراء من سنغافورة واليابان لدراسة تطبيقات الذكاء الاصطناعي السعودية في إدارة الحشود. ومن أبرز الشهادات الدولية أشار تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن السعودية تقدّم نموذجا يحتذى به في الجمع بين الابتكار التكنولوجي والرحمة الإنسانية، وهو ما يحتاجه العالم في مواجهة التحديات المستقبلية. موسم 2025 سيصبح "تجربة إنسانية متكاملة"، بسبب الراحة التي توفرها الخدمات المقدمة، من المياه المبردة إلى التوجيه الرقمي، وأصبح تجربة آمنة ومريحة حتى لكبار السن. ولم يقتصر إنجاز السعودية في موسم الحج 2025 على الجانب الأمني أو الصحي فحسب، بل امتد إلى مجالات الاستدامة الاقتصادية والبيئية، التي أصبحت محور اهتمام عالمي. على الصعيد البيئي، نفذت المملكة مبادرة "حج أخضر"، التي تضمنت تركيب وحدات طاقة شمسية بقدرة 50 ميغاواط في منى وعرفات، لتوفير 40 % من احتياجات الطاقة الكهربائية في المشاعر المقدسة. كما تم توزيع مليوني عبوة مياه قابلة لإعادة الاستخدام، مما خفض النفايات البلاستيكية بنسبة 65 % مقارنة بالمواسم السابقة، وفق هيئة البيئة العامة. لم يعد الحج مجرد شعيرة دينية، بل مشروعا حضاريا يجمع بين الإيمان والتكنولوجيا، والاقتصاد والاستدامة، ليثبت أن القيادة السعودية قادرة على رسم مستقبل الإنسانية في ظل التحديات العالمية، والسعودية لم تعد فقط موطنا للحرمين، بل مركزا عالميا لتطوير حلول للتحديات الإنسانية الكبرى، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، حيث أُطلقت مشاريع البنية التحتية الكبرى ضمن رؤية 2030، وأصبح الحج اليوم دليلا على أن الاستثمار في الإنسان والتكنولوجيا يمكن أن يصنع معجزات في عالم يبحث عن الأمل.