إلى والدي.. الذي آمن بي معلقاً.. حفظك الله. "لا تثريب عليك"؛ فقد كنتَ تودّ لي شيئاً آخر، بينما أردتُ أنا أن أكون معلّقًا.. أطال الله عمرك. ها قد انتهى أول موسم لي كمعلّق، صادحًا بصوتي عبر الشاشة، معبّرًا وواصفًا بما يحلو لي من الكلمات، أقتبس من هذا الكتاب، وأقتنص تلك المعلومة... يا لها من تجربة! كل الشكر لوالدَيّ على دعائهما الدائم لي، فلولاه، بعد فضل الله، لما تحقق شيء. وكل الشكر لجميع المسؤولين في قنوات أبوظبي الرياضية، وعلى رأسهم: الأستاذ يعقوب السعدي، والدكتور عدنان الحمادي، والأستاذ عمران محمد، والدكتور محمد البلوشي... ليس من السهل أبدًا أن تراهن على شبّان في مقتبل العمر (في مجال التعليق) ليظهروا على شاشة بحجم أبوظبي الرياضية، تلك التي لها ثقلها في الساحة، وقاعدتها الجماهيرية العريضة، وتاريخها الكبير في الإعلام الرياضي. يكفي أن تقول: "البريميرليغ عاش أبهى عصوره هنا!" وليس سهلًا كذلك أن تجعل الظهور الأول لهؤلاء الفتية عبر دوريّ بحجم الدوري الإيطالي؛ فأنصار هذا الدوري ذائقتهم صعبة، ومزاجهم كمزاج عجوزٍ تسعيني لا يقبل إلا بالكمال... لأنه اعتاد عليه. جمهور لا يتسامح مع الخطأ، ولا يُدخل جنة كرة القدم إلا المخضرمين فقط؛ ففي الكالتشيو لا مكان للمتطفلين. أنا سعيد بما قدمت، برفقة زملائي المعلّقين؛ فقد حرصنا على تقديم صورة تليق بالقناة أولًا، وبثقة المسؤولين ثانيًا، وبمحبي الكالتشيو ثالثًا، وبأنفسنا رابعًا. وما هذا إلا "غيضٌ من فيض"– أقولها واثقًا. أرى نفسي بعد انتهاء الموسم، وأسأل: ماذا تعلّمت؟ وفيمَ تغيّرت؟ شتّان بين تحضيري السابق للمباريات وتحضيري الآن! أستطيع القول بثقة: إنني أعلم اليوم أن المخرج سيضع الصورة على المدرب سبع مرات، لذا يجب عليّ أن أحضّر سبع معلومات مختلفة لأُثري بها المشاهد... لقد تعلّمت الكثير، وما زلت أتعلم. أتذكر كلمات المعلق المصري الكبير بلال علام: "علّق لنفسك أولًا واستمتع، لكي تُمتِع". وكلمات الأستاذ الكبير عامر عبدالله: "سل الله القبول دائمًا، فإن أتى، فكل شيء بخير". وحديث المعلق القدير حازم عبدالسلام بنبرته الساخرة: "كابتن، هي مباراة مش معادلة كيميائية... سَهّلها تِسهل!" يا لها من عصارة خبرة! كانت رحلة ثرية أضافت لنا الكثير من المهارات، ولا شيء يطوّر المعلّق أكثر من الممارسة. تعمّقنا في إيطاليا، وسافرنا إليها من كابينة التعليق. لمسنا الخيوط المتشابكة هناك بين الرياضة والفن والسياسة والاقتصاد؛ فكل ما في هذا الدوري يجبرك على ذلك، لا يمكنك أن تُحضّر لمباراة لاتسيو دون النظر في علاقة النسر بالتاريخ؛ فقد كانت الجيوش الرومانية تحمل النسر رايةً لها في المعارك، دالّة به على القوة. ويأتي دور المعلّق هنا في إيجاد الرابط، واختيار الوقت المناسب لإلقاء المعلومة، وتبسيطها للمشاهد قدر الإمكان. ما أجمل التعليق! وما أحلاه حين يكون عن إيطاليا! ولا يمكنك أن تذهب إلى جنوى –أحد أهم موانئ إيطاليا– دون الوقوف عند ملعب لويجي فيراريس، الذي سُمي بهذا الاسم تكريمًا للّاعب لويجي فيراريس، الذي مثّل نادي جنوى ومات في الحرب العالمية الثانية. سُمي الملعب تخليدًا لاسمه، بل إن بعض الروايات تقول إنه نال وسام الشجاعة، ودُفن الوسام تحت أرضية الملعب! لا انفكاك عن السياسة والتاريخ في إيطاليا، حتى في ملاعبها. كثيرة هي المشاهد، ولو أردتُ حصرها لملأت الصحف، ولجفّت الأقلام. كانت رحلة ممتعة في إيطاليا، وها نحن نغادر كبائن التعليق مع نهاية الموسم. أحببتُ إيطاليا، ويمكنني الآن العودة إليها والتجوال في شوارعها دون الحاجة إلى "Google Maps"! هل تريدني أن أصف لك أين يقع بيت أنطونيو كونتي؟ *معلق قنوات في قنوات أبوظبي أحمد الخير