في زمنٍ تُبرِز فيه الصور اللامعة والكلمات المنمّقة، يظهر النرجسي ببراعةٍ ساحرة، لبق، وحاضر الذهن، يتقن فنون الالتفاف حول قلبكِ. لا يأتيكِ بوجهٍ قاسٍ، بل يتسلل إليكِ عبر ثغرة الاحتياج، يقدّم لكِ اهتمامًا منمقًا، ويغدق عليكِ بكلمات تشعركِ بأنكِ أعظم ما مرّ عليه. لكنه لا يحبكِ حقًا. هو فقط يحب الشعور بأنكِ تحبينه. هذا السلوك يتوافق مع مفهوم "الإمداد النرجسي" (Narcissistic Supply)، وهو مصطلح يشير إلى حاجة النرجسي الملحة للاهتمام، الإعجاب، لتغذية ذاته الهشة والحفاظ على صورة ذاتية متضخمة. يميل النرجسيون إلى "قصف الحب" (Love-bombing) في بداية العلاقة، وهو تدفق مفرط من التواصل والمديح لكسب السيطرة على حياة الآخر كشكل من أشكال تعزيز الذات النرجسية. الحب المسرحي، غياب التعاطف والاستغلال، فيبدأ الخطيب أو الزوج النرجسي قصته بالإعجاب الزائف، ب"حبٍّ مسرحي" يبدو كأنه حقيقي، حتى تخدعكِ الأضواء. يمنحكِ الشعور بأنكِ محور الكون، ثم فجأة، يتحوّل إلى شخصٍ بارد، متقلب، ناقد، ينسحب حين تحتاجينه، وحبه يبدأ بالتراجع. هذا التحول يعكس إحدى أبرز سمات اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) والمعترف بها في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5-TR)، وهو الافتقار الشديد للتعاطف (Lack of Empathy). فالنرجسيون غالبًا ما يكونون غير قادرين على التعرف على مشاعر الآخرين أو فهم احتياجاتهم أو التعاطف معها. تشير الدراسات إلى أن النرجسيين قد يمتلكون تعاطفًا معرفيًا (القدرة على فهم مشاعر الآخرين فكريًا) ولكنه غالبًا ما يكون لديهم قصور كبير في التعاطف العاطفي (القدرة على الشعور بمشاعر الآخرين)، مما يسمح لهم باستغلال الآخرين ببرود. النرجسي لا يبحث عن علاقة حقيقية، بل عن تغذية لذاته. لا يراكِ كإنسانة، بل كمرآة يرى فيها عظمته. هذا يعكس "السلوك الاستغلالي" (Exploitative Behavior)، وهو معيار تشخيصي آخر ل NPD. يستغل النرجسيون الآخرين لتحقيق أهدافهم الخاصة، سواء كانت هذه الأهداف تتعلق بالحصول على الإعجاب، السلطة، أو ببساطة الشعور بالتفوق. ولأنكِ أحببتِه، فإن أكثر ما يؤلم هو أنه جعلكِ تشكين بنفسكِ. تساءلتِ: "هل أنا المذنبة؟ هل كنتُ كثيرة المطالب؟ هل كان حبي ثقيلًا عليه؟" الحقيقة هي: لا. أنتِ فقط أحببتِ من لا يملك قلبًا يمنح، بل عقلًا يخطط ليأخذ. هذا التشكيك بالذات هو نتيجة شائعة للتلاعب النرجسي، حيث يعمل النرجسيون على تقويض ثقة الضحية بنفسها لجعلها أكثر قابلية للسيطرة. بعد انتهاء العلاقة، يميل الخطيب أو الزوج النرجسي إلى حملات التشويه (Smear Campaigns) ضدكِ في دائرته الاجتماعية المقربة. هذه الحملات ليست مجرد ثرثرة، بل هي استراتيجية محسوبة لتدمير مصداقيتكِ، غالبًا قبل أن تدركي حتى إنها تحدث. الهدف هو تصوير النرجسي كضحية وتبرير فشل العلاقة، بينما يلقي اللوم كاملًا عليكِ. يعاني النرجسيون من صعوبة بالغة في تحمل المسؤولية عن أفعالهم أو الفشل، حيث إن ذلك يتناقض مع تصورهم المتضخم لذاتهم. إنهم يميلون إلى إلقاء اللوم (Blame-shifting) على الآخرين لتجنب مواجهة عيوبهم أو الشعور بالعار، حيث يعتبرون الفشل تهديدًا لوهم كمالهم. المرأة التي تتورط مع خطيب أو زوج نرجسي لا تخرج من العلاقة مثلما دخلتها. تخرج محطمة، مرتابة، تحتاج وقتًا طويلًا لتفهم أن الخطأ لم يكن فيها، بل في ميزان العدالة الذي خذلها، وفي قلبٍ ظنت أنه وطن، فتبين أنه فخ. تشير الأبحاث إلى أن التعرض للإساءة النرجسية يمكن أن يؤدي إلى آثار نفسية طويلة الأمد مثل القلق، الاكتئاب، اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (C-PTSD)، وتدني احترام الذات. الأكثر إيلامًا هو تأثير هذه العلاقات على قدرة الضحية على الثقة في الشركاء المستقبليين. قد يصبح الناجون من الإساءة النرجسية متشككين للغاية في النوايا الحسنة للآخرين، ويشكون في الإطراءات أو الإيماءات اللطيفة، ويتساءلون عما إذا كانت حقيقية أم جزءًا من استراتيجية تلاعب جديدة. الخطيب أو الزوج النرجسي لا يخسر حين تتركينه، بل يخسر حين تنهضين، حين يراكِ قوية، ناجحة، لا تكتبين له، لا تتمنين له، لا تراقبينه... حين تغلقين القصة من دون مشهد درامي. فأقسى ما يواجهه النرجسي في حياته هو أن يصبح "لا شيء" عند من كان يتغذى على حبها. خاتمة: رسالة إلى كل ناجية إلى كل امرأة أحبّت خطيبًا أو زوجًا نرجسيًا ثم اكتشفت فداحة ما مرّت به، لا تخجلي من حزنكِ، ولا تندمي على صدقكِ. لكن تذكري دومًا: من يرى حبّكِ عبئًا، لا يستحق حتى ظلكِ. واحرصي أن تكوني للذي إذا قال "أحبكِ"، لم يهرب بعد أن صدّقته.