في عشرة أيام فقط، استطاعت المملكة العربية السعودية أن تكتب فصلاً جديدًا في سجل الحضور الإسلامي والثقافي في قلب البلقان، وتحديدًا في جمهورية كوسوفا. بقيادة وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، تجلّت رسالة المملكة في أبهى صورها، حيث مزجت بين الأصالة والابتكار، وبين الإيمان والثقافة، لتخطّ في ذاكرة الشعوب جسورًا من المحبة والاحترام. ففي العاصمة بريشتينا، أقيم معرض "الجسور" الثقافي، الذي لم يكن مجرد فعالية عابرة، بل تجربة روحية غامرة امتدت لعشرة أيام، استُحضرت فيها أجواء الحرمين الشريفين بتقنيات الواقع الافتراضي الحديثة (Vision Pro). وقف الزوار يتأملون مشاهد الحرم المكي والنبوي كما لو كانوا هناك فعلاً، وقد اغرورقت أعين الكثيرين بالدموع تأثرًا. وكان للاستقبال العربي الأصيل - من قهوة وتمور - بالغ الأثر في نفوس الزائرين، الذين عبّر بعضهم بصدق قائلين: "نشعر وكأننا في قلب المملكة". وفي مظهر آخر من مظاهر العطاء الروحي، نُظّمت المسابقة القرآنية الدولية بمشاركة متسابقين من 22 دولة، وسط تنظيم دقيق وتحكيم نزيه، وجمهور غفير امتلأت به القاعات. كانت الأجواء مفعمة بالإيمان، وتحولت المناسبة إلى مهرجان عالمي تحتفي فيه كوسوفا بكلام الله، وتلتقي فيه الأرواح على مائدة القرآن الكريم. كما تكللت هذه الأنشطة بزيارة مباركة قام بها فضيلة الشيخ الدكتور بندر بليلة، إمام وخطيب المسجد الحرام، حيث أمّ المصلين في المساجد الكبرى، وألقى كلمات مؤثرة هزّت القلوب، وحظي باستقبال رسمي وشعبي حافل، تُوّج بلقاء مع دولة رئيس الوزراء ألبين كورتي، الذي أبدى احترامًا كبيرًا لرسالة المملكة ومكانتها. وقد عبّر الشيخ بليلة عن مشاعره بكلمات صادقة قال فيها: "والله، منذ أن وطئت قدماي أرض كوسوفا، لم أشعر أنني في غربة، بل كأنني في بيتي وبين أهلي". ما شهدته كوسوفا خلال تلك الأيام لم يكن مجرد فعاليات متفرقة، بل كان تعبيرًا صادقًا عن عمق العلاقة بين المملكة وشعوب المنطقة، ومدًّا حقيقيًا لجسور الإيمان والمحبة. وقد قوبلت هذه الجهود بإشادات واسعة من القيادة الكوسوفية والشعب، ووجدت صدى طيبًا في مختلف أنحاء أوروبا. وبصفتي من جمهورية مقدونيا الشمالية، وأحد الحاضرين لهذه الفعاليات المباركة، أشهد أن المملكة العربية السعودية كانت ولا تزال منارة هدى ورحمة تتجه بنورها شرقًا وغربًا، وتلهم الشعوب بقيمها ورسالتها السامية. * جمهورية مقدونيا الشمالية