لا يمكن أن نتصور أبعاد الجمال دون التقاسيم وزهو الألوان وتنوعها، وظاهرة اللون تختلف وتتباين حسب وقت النهار ومنازل حركة الشمس فإذا كنا في لحظات الشروق الأولى فإنها تمنح المكان بعداً لونياً آخر وبالتالي يضفي عليه ضوء شروق الشمس ملمحاً مختلفاً ويتشكل في بناء لوحة تتخذ أبعاداً ومستويات متعددة في ملامحها اللونية، الأهم أن نفطن بحس مُدرِك ينتظم مع مبدأ مفاهيم إيقاظ الدهشة ولذة الجمال، ولا يفطن لمثل هذه الظاهرة إلا من يعِير الأمكنة كثير من الاهتمام ويُجيل النظر في واسع المكان بعقله ويتجاوز المظهر الخارجي مع استقراء لحضور اللون، ويقف على مسافة واعية مع تدوير الزوايا ليرى الوجه الخفي في رواق كل حيز بزواياه المتوارية أو أكنان الظل الذي يجسد مشهده ملمحاً آخر يؤدي إلى علاقة متصلة بالفن التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي ويمنحنا الفرصة للتعاطي مع العدسة والريشة، لأن تباين اللون يتشكل تبعاً لحركة الشمس وعند ذلك تتغير الهيئة والشكل ومن ثم يستطيع كل شخص التحديد والقياس والتعامل مع اللقطة وإدراك التباين تبعاً للأوقات المختلفة طول النهار، لأن بالضرورة تتباين كثافة اللون وصفاءه يكون حسب لحظات تغير مسار الحركة للشمس وصفاء الجو، ولا يمكن أن تكون ظاهرة اللون في المكان الواحد متماثلة على الإطلاق خصوصاً مع تغير وقت النهار الممتد بين شروق وغروب، وقد يلاحظ فيه التشابه إلى حد ما، والتشابه هو الآخر يختلف تبعاً لقوة الضوء والكيفية التي يسقط فيها على المكان بشكل متعامد أو متجانب، ففي لحظات الأصيل وأوقات الغروب والشمس تميل في مسارها إلى الغروب تختلف تماماً أبعاد ظاهرة الألوان عن فترة الظهيرة والضحى ومدى وضوحه ففي تمدد اتساع الفيء في المكان يظهر لنا البعد الثالث الناتج على تباين لون الأفياء في جنبات المكان وهكذا يحدث التغير ويتضح بُعد ظاهرة اختلاف المكان ولونه الأمر الذي يتيح لنا نافذة عريضة للولوج إلى عوالم يتعدد فيها اللون وجماله. إننا عندما نقف أمام هذه الظاهرة التي ربما تغيب عن الكثير منا فإننا نقف أمام حقيقة تتعلق أولاً بوعينا حول النظر بفطنة في أرجاء المكان، وثانياً تجعلنا نقف أمام دلالات تتعلق بحالات الظاهرة اللونية في المكان الواحد وهذا لاشك يجعلنا نعيش حالة انفتاح معرفي والنظر بوعي وفطنة في المكان الواحد وكذا يجعلنا نعيش حالات الجمال اللونية وتباين ملامحها وكيف نستشعر أبعاد اللون ومحيطة وخصوصا حين نسمع (وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) ففي مؤدى الآية وأسلوب تعبيرها تصل لنا دلالة اللون بين النظارة واليباس فضلا ًعن البيئة المحيطة بكل تداعياتها على اختلاف الوقت وامتداد الزمن والفرق الشاسع بين الأخضر اللين واليابس الهشيم، الأمر الذي يرفع من معاني الجمال لدينا وارتقاء الذائقة وزيادة حالات الشعور والقدرة على التفكير والتحليل وحتى تفاعلٌ ذات طابع مختلف يؤثر في علاقتنا بالمكان، وبالتالي يراكم خبرتنا الجمالية وقدرتنا على التحليل والتأثير الحاسم في الآخرين من خلال بنية المكان العام بتعدد ظاهرته اللونية ، فقط علينا النظر فنّياً وسوف تتجلى لنا رؤية العناصر اللونية المتصلة بالمكان فجهد وجِدّة الرائي وقراءته لأبعاد الأمكنة بما فيها هو الذي سوف يترك بالغ الأثر في النفس وبالتالي يتكون لدينا انطباعاً خاصاً نحو كل تموجات اللون في مسرح الحياة وذاك ما أرجوه.