الفن ليس مجرد حضور على المسرح أو خلف الكاميرا، بل هو حالة شعورية تنضج داخل الفنان قبل أن تصل للجمهور، كما أن ما نراه اليوم يوحي بتبدّل في الأدوار والمفاهيم، فالفنان الذي كان يُعرف بما يقدمه من مضمون ورؤية، بات يُعرف بكمية أعماله وسرعة ظهوره، حيث إنها تغيرت الإيقاعات، وتغيرت معه الأولويات، وأصبح الوقت يحسب بعدد المشاركات لا بعمقها الفني، وكأن الإبداع لم يعد هدفًا بحد ذاته، بل أصبح وسيلة لضمان الحضور المستمر في سباق لا يتوقف، وأصبح الفن يُقدم غالبًا كمنتج سريع الاستهلاك أكثر من كونه تعبيرًا صادقًا عن الذات، وأصبح الفنان سواء في الموسيقى أو التمثيل، محاصرًا بين رغباته الفنية وبين مطالب السوق، ولم يعد يكفي أن يُنتج عملًا يعبر فيه عن نفسه، بل بات عليه أن يقدم عملًا يتماشى مع الأذواق السائدة، وأن يكون حاضرًا باستمرار على منصات التواصل الاجتماعي، وهذه المتطلبات قد أثرت على طريقة صناعة الفن، حيث أصبح هناك توجه نحو تقديم الأعمال بما يتماشى مع ما يطلب من الجمهور أو الشركات المنتجة، أكثر من أن يكون العمل هو نتيجة إبداع حقيقي يعكس شخصية الفنان، ولكن لا يمكننا تجاهل أن هناك من الفنانين من لا يزالون يحاولون أن يجدوا توازنًا بين الإبداع والاستمرارية، وبين الفن كرسالة وبين الوجود في دوامة السوق، كما أن هؤلاء الفنانين لا يقدمون بالأعمال التي تستهدف «الترند» فقط، بل يعكفون على خلق تجارب تستحق التأمل، ويعيدون صياغة الفن ليظل ينبض بحياة حقيقية بعيدًا عن استهلاك اللحظة، ورغم كل التحديات التي يواجهها الفنانون اليوم، يظل الفن في جوهره جزءًا لا يتجزأ من تجربة الإنسان، فهو أداة للتعبير عن الذات والتواصل مع الآخرين، ورغم تطور أساليب تقديمه، يظل يحمل في طياته عمقًا إنسانيًا لا يمكن اختزاله في معادلة السوق، ويعد الفن هو وسيلة للتهرب من ضغوط الحياة اليومية، ولتقديم أفق جديد تتجاوز المألوف، في النهاية لا بد أن يبقى الفن ميدانًا للابتكار والروح الحرة، ليس مجرد استجابة للمتطلبات، بل انعكاسًا لعمق التجربة الإنسانية، ليظل الفن أداة تواصل حقيقية بين الفنان والجمهور.