نثر العشاق مشاعر الحالات التي مروا بها شعرا وثقوا فيها مشاعرهم تجاه محبوباتهم بالشوق والتمنّي وبالفراق والفشل وبالحسرة والقهر وبانقطاع الأمل وبما شعروا به من ويلات بالتسلط من بعض أقارب المحبوبة وكانوا عثرة بالتقارب أو الزواج. وفي موروثنا الشعبي الكثير من حكايات العشق التي انتهت بوفاة الحبيبين لتعثر الوصال بينهما كحكاية الوليعي؛ وحكاية الوريدين؛ التي توفي جميع أبطالها بداء العشق؛ ومنهم مَنْ طاف به العشق جدنا حكاياتهم في شعر حمل تجاربهم واتفقوا على أن الحب كالبحر متلاطم الأمواج لا ينجو منه غير السباح الماهر؛ بقيت أشعارهم ذكرى حكاياتهم مع العشق يحكيها المجتمع كرواية عنوانها التجربة للفائدة؛ ومنهم الشاعر مساعد ابن ناصر عندما وعد محبوبته بالزواج حين عودته من السفر من مصر؛ وهناك شاهد قصب السكر وأشجار الموز فأحضر الخيال محبوبته يتغزل بها: يا عود صرويً على جال الأفلاج الطول طوله والتلاوين لونه أحرق ضميري حرْق بنٍ على صاج بطن الهوند بالعصا يسحننه يا نور قطنٍ ما درَج فيه حلاج ولا قد جانيٍ حصرفي فنونه ويا نور قحوانٍ نبَتْ روس الافجاج عسرٍ على اللي ودْهم يرْتعونه لعل منهو حال دونه بالأهراج عن ما قف الجنة عسى الله يكونه. عاد الشاعر من سفره ووجد محبوبته متزوجة فانقلب يجر الحسرات وقلبه يثوع حزنا من مُرِّ الفراق ليقف على أطلالٍ يتذكر فيها محبوبته التي مرت بها سارحة بأغنامها: هذا مقيل صويحبي من مهدّه العام يوم إن الغنم بالمقالي أبو جعيدٍ بأيمن المشط هدّه أزرق مثل ريش النعام الرهالي واحالي اللي عقبهم مستغدّة وانفسي اللي حل منهم زعالي من شوف دَمْعِة سابحٍ فوق خدِّه واللي جرى له في ضميره جرالي بحرٍ غزير ولا أحْدٍ باح سدِّه ولا خاضه العوام من كل جالي يا مويَ وردٍ خالطينه بكدَّه يا عنبر صفّي بسوق العوالي ولا أشوف بالخفرات يا ناس قدّه ولا أنساه لو حِطَتْ على الرمالي الشاعر مليحان الدبيسي يتمنى سقوط نجم من السماء لتزيل الجبال التي تفصل بينه وبين مساكن محبوبته كبيرها وصغيرها ليكون التواصل بين قومهيما سهلا: يالله عسى ضلعً نبى من دن خلي يجيه نجمٍ من عالي سماها يا جعل جبالك بين دقٍ وجلِّي وضعوننا تمشي على مشتهاها وراك من عقّب على الحال عَلٍّي عقَّبْ لهود بالضماير بلاها تليت قلبي يا أريش العين تلّي تلة بحوراً يجذب الموج ماها أما الشاعر سليمان بن حمدان فيشتكي من عينه التي ابتلى بسببها بعشق فتاة ليست من دياره ولا من قبيلته؛ فعزف بسبب حبها عن كل فتاة؛ لكنه متيقن من عدم وصالها بسبب العادات والتقاليد التي ستكون عائق ليس له منفذ منه ليكتمل وصاله من محبوبته بالزواج. آه واعيني تِلِدْ بكل نية شافت المجمل عيني يوم فاتِ وانشلع قلبي وبان الشيب فيه عازفٍ من بعدها عن كل البناتِ وا وجودي وجد من من شطن دليه في ديار أجناب ما ذاق الرواتِ قلب الشاعر إبراهيم فتوح ضائع كما سيأتي من قصيدته فالسهر من قلة النوم؛ جعلته يتمنى لو تمر عليه لتُحيي قلبه كما تمر المزن على الأرض فتحييها. القلب ضايع يا هلي من محله أدوره بالجسم ماني بلاقيه ما له منام وساهر الليل كله ما بي مرض لاشك قلبي يراعيه أحباب قلبي مزنة مستهلة يا ليتها مرت على القلب تسقيه زواج الفتاة قديما من غير ابن العم أو أحد رجال القبيلة لم يكن متاحا؛ والقلوب حين تعشق فلأن للعين ميزان يخاطب القلب غير آبه بنظام القبائل الصارم بعدم خروج الفتاة بالزواج من غير قبيلتها؛ وهو ما مرّ به الشاعر البحار والهجان مرزوق بن عساف عندما عشق فتاة وكان مُقيما جنوب الجزيرة وأحبته؛ وأراد التقدم لها لكن أبناء عمومتها رفضوا ذلك وبيّتوا النية لقتله؛ عرفت الفتاة بنية أبناء عمومتها وطلبت من مرزوق مغادرة البلاد فرفض؛ أخبرت والدها وألحَّ الأب بدوره عليه بالخروج من البلدة بأسرع وقت لقرب الخطر منه؛ فرحل الشاعر شمالا ثم عاد مرة أخرى وحاول اللقاء بمحبوبته فتعذر عليه ذلك وكاد أن يقتل؛ وعاد للشمال بقلب مكسور ولم يعد بعدها لتلك الديار؛ لكنه لم ينسى محبوبته كما تقول قصيدته: هبّت علينا اليماني في أول الشاتي بنسناس لا واسعيد الديار اللي هبايبها يماني العفو لله مِنْ قلبِ تكالبت عليه الأهجاس الناس متريَّحة وأنا شقيني زماني ونيت ونّة على ونّة تشيِّب مفرق الراس وارص روحي واصبِّرها على وقتٍ بلاني البعد ما همني لو كان أروح من ورى فاس إنْ ساعف الله يوديني مقربة المكان لكن قلبي تشقَّى في هوى احد من الناس من يوم ربي خلقني ما اشتقيت بحي ثاني بدى على الشاعر من هنا أنه يجر حسراته على فراق محبوبته؛ ويكتم معانات ثقيلة على كاهله في عدم مقدرته على نسيانها؛ فطريق الزواج منها بات مغلقا محتوم عليه الفراق لأسباب قاهره حالت بينهما؛ فهاجمت مشاعر القهر والعجز نفسه بعدم التواصل مع حبيبته بفرصة أخرى: غير أنت يا عنبراً في حِقْ مطوي بطن قرطاس والله ما غبت عن قلبي وذكرك في لساني يا ضيمران الحمى يا فل يا جوهر من الناس دونك بشر ما تبات الليل مدركة العواني حاميك واليك ما يبغى مخالط كل الأجناس البيت مبني حجر والباب قفله هندواني العام مريتكوا وليا أن دونك مد حباس والياه يرمي على اليسرى وعن جالك حداني وأفقيت يا سيدي لعل ما يقفاني الباس عساك دايم بخير وفي حسينات المباني مدرَك عليك السدود وكل يوم أقيِّس أقياس في البعد والقرب منكو يا عويد الخيزراني أحب الشاعر سليم بن حسن فتاة في إحدى القرى القريبة من قريته ؛فنخى أحد الرجال من أصحاب المقام للتدخل في خطبتها لعل أهلها يزوجونها إكراما له. أنخاك يا أبو أحمد أبي منك مردود لأنك على المردود راعي شهامة أشكي عليك الحب والقلب ملهود بلاه طاب العام واليوم عاده لكن المحبوبة لم تكن من نصيبه وتزوجت بغيره؛ فعبّر عن مشاعره الحزينة التي تتخطى حتى ضحايا العشق المشهورين بقصص موروث الجزيرة العربية: راح من عندي ولا أدري وين راح وين قال الوكاد اني بعد شفته جرى دمعي يسيل لو يشوفه قيس يا نواف طاب من الهبال ينجبر مجنون ليلى عن هواها يستقيل حب ذاك الطفل يا نواف والله ما يزال ما يزال إلا ان حزم غنيم عن تيما يزال قال فيها الشاعر: عجايب ريحة الكدّه والا يا عود ريحاني عطاها الله من مدّة وتزهي كل قيعاني. *ملاحظة: اليماني في القصيدة يقصد بها اتجاه. صرويً: شجرة تنشر رائحة عطرية. الأفلاج: يقصد نهر النيل. حلاج: بائع القطن. كدَّه: نوع من الأزهار يمتد على الأرض لها رائحة عطرية. ضيمران: من أعشاب الربيع. يا نور قحوانٍ نبَتْ روس الأفجاج