عندما كانت الكلمة سيفًا، والقصيدة سنامًا للمجد، برز امرؤ القيس ملكًا ضليلًا وسيدًا في الشعر، فكتب قصيدته التي لا تزال تتردد في أسماع العرب حتى اليوم، وحين تتوارى النجوم خلف خيام الليل، وتهمس الرياح برمال الأطلال، ينهض اسمه من بين صفحات الدهر صوتًا شعريًا صاغ من وجعه أغنيةً خالدة، ومن تيهه مجدًا أبديًا. يقول الباحث الدكتور محمد سليم الجندي في كتابه «امرؤ القيس»: إن الشاعر يُعدّ أول من مزج بين العاطفة الصادقة والتصوير الحسي الدقيق، مما جعله رائد المدرسة الوصفية في الشعر العربي، كما كان صاحب روح مغامرة استطاع أن يجمع بين حياة الترف والألم والمعاناة، فأوجد بذلك تجربة شعرية نادرة أثّرت على الأدب العربي حتى العصور المتأخرة. فيما أورد الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، أن امرأ القيس كان أول من أدخل السِّير والغزل والوقوف على الأطلال في مقدمة القصيدة، وكان مغرمًا بالحياة البدوية، وهو ما انعكس بوضوح في أشعاره. وامتطى الشاعر «امرؤ القيس الكندي» جواد الثأر في رجولته، فجاءت قصائده مشبعة بالصور، ومبللة بدمع الأطلال، ويُعدّ أحد أبرز أعلام الأدب العربي، ومن أوائل من رسموا ملامح الشعر الجاهلي بأسلوب فني مبدع أسهم في تأسيس قواعد القصيدة العربية التقليدية. وُلد امرؤ القيس في سنة 500 ميلادي، وعاش حياة مترفة وكان أبوه حجر ملكًا على بني أسد وغطفان، وتميزت شخصيته بالنزعة الأدبية منذ صغره، مما أثار غضب والده الذي كان يريده أن يتفرغ لحياة الحكم، وبعد مقتل والده، كرّس امرؤ القيس حياته للثأر، متنقلًا بين القبائل طلبًا للنصرة. وكان من أبرز قصائده معلقة امرئ القيس ولامية امرئ القيس وخليلي مرّا بي، وعُرف بابتكاره للمقدمة (الطللية) في القصيدة العربية، حيث يبدأ بالوقوف على الأطلال متذكرًا الأحبة والديار، في أسلوب شعري اتسم بالحنين والأسى والخيال الواسع، ومن أبرز قصائده معلقته الشهيرة التي يقول في مطلعها: قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ كما برع في وصف الليل، والطبيعة، والخيل، والمطر، بأسلوب بديع غني بالصور البلاغية، ومن أشهر أبياته التي عبّرت عن حالته النفسية الحزينة بعد فقد والده وتشتته في الصحراء: تطاولَ الليلُ علينا سُرَاةُ وأعيا الكرى أعينًا ساهراتِ وقال أيضًا: ألا أيّها الليل الطويلُ ألا انجلي بصبحٍ وما الإصباحُ منك بأمثلِ وفي وصف غربته وحزنه المتجدد، قال: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه وأيقن أن لاحقًا بي حُمامُهُ فقلت له لا تبكِ عينك إنما نحاولُ ملكًا أو نموت فنعذرا توفي امرؤ القيس قرابة عام 540م بعد إصابته بمرض الجدري، ولا تزال أشعاره ومعلقته الخالدة تُعدّ من أعظم ما أنتجه الأدب العربي القديم، مرآةً صادقةً لمشاعر الإنسان.