في الغالب الأعم تدفعنا الحياة اليومية إلى اتخاذ مواقف تجعلنا نكون فاعلين وبشكل أكبر تجاه أنفسنا وكذا تجاه اتخاذ قرارات صائبة تتوافق مع مواهبنا وقدرتنا، وإلا لماذا قالوا (الحياة مدرسة)، لأنها تمنحنا فرصة لاكتشاف ذواتنا، ومن ثم ننفسح على بعد معرفي جديد، فإذا كانت الحياة على هذا النحو فإنه من الضرورة بمكان أن نتعلم من الحياة لاكتشاف أنفسنا وقدراتنا وملكاتنا التي نتميز بها عن غيرنا، لأن المصادفة والأمور المواتية لا تجعلاننا نخوض تجارب حياتية ناجعة وفاعلة ذات قيمة وأهمية كبرى يعول عليها في امتداد معرفي نحو الآخرين، ومن هنا تنشأ العلاقة القوية بيننا وبين أنفسنا وتتكون قدرة فارقة تجعلنا أكثر ثقة على تقديم ما هو متواكب مع واقعنا وثقافتنا وقدراتنا التي يجب أن نظهرها ونمارسها، في المقابل هناك فروق فردية بين كل شخص وآخر وهذا ليس عيباً أو نقصاً بل متمماً للشخصية (كل ميسر لما خلق له) وهذا لا يتعارض مع صنع الفارق من خلال الجد والاجتهاد لأن المران والدربة والممارسة كفيلة بنقل الإنسان إلى مراحل متقدمة، وما نشكوه هو حالة التقاعس والاتكاء على الغير دون محاولة تطوير الذات لأن التغيير بحد ذاته فلسفة عميقة يُعول عليها للوصول إلى المبتغى والهدف، على قاعدة (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد:11، وبالتالي ما أراه أن الشخص بين أمرين، إما مكابر يقحم نفسه في مضمار سباق أطول من نفسه، أو به حالة عجز وتخاذل بعد أن بلغ من العمر عتياً ووصل إلى مرحلة متقدمة من العمر وهو عاجز تماماً عن اكتشاف ذاته ومواهبه وقدراته ومساراته التي يمكن أن يبدع فيها بعيداً عن الدخول في مسارات شائكة لا تتوافق مع وضعه وتركيبته الخاصة ولا يسعى للاسترشاد ويقبل التوجيه. إن الشخصية الفاعلة هي بحق التي تكتشف نفسها وتتقدم ضمن المنظومة الاجتماعي الفاعلة المتمثلة بصبغة عرفانية وبعطاء يتوافق مع قدرتها وتعمل وفقاً لمواهبها لكي يكون ذلك الشخص عضواً فاعلاً في النسيج الاجتماعي، كون اكتشاف الذات أحد أهم عوامل الإبداع والتميز الخلّاق، الأمر الذي يمكّن الشخصية من عمل دؤوب ناجح يرتقي ومفهوم مبادئ الاستخلاف في الأرض، وهذا بالتأكيد هو الذي يجعل الشخصية مستقلة وبعيدة عن الاعتماد عن الآخرين في استجداء محرج له ولغيره، واستتباعاً لذلك يسعى لتحقيق أهدافه ويقوم بدوره المنوط به تجاه المجتمع وكامل محيطه وفق قدراته التي وهبه الله، ويجعل من نفسه شخصية مواكبة للحياة، ومن ثم تتشكل حياة واعية لتجربة إنسانية واعدة، ويكون لها وزنها وتأثيرها داخل الأروقة الاجتماعية الممتدة في مختلف نواحي الحياة، وفق علاقة حيوية يسهم بها حسب ما لديه من قدرات فارقة عن غيره لأنه بالضرورة إنسان مختلف عن غيره، وهذا الذي يضعه في المسار الصحيح دون أن يقحم نفسه في مسار لا يتوافق مع قدراته ومهاراته، وهذا التنوع والاختلاف هو السمة الحضارية التي تجعلنا نفرق بين شخص وآخر تبعاً لمعرفته وحصيلته الثقافية ويرغمنا على الاتباع والاستفادة منه والتكامل معه بخلاف غيره، وبالتالي نحظى في المجتمع بشخصيات تتنوع قدراتها ومواهبها وهو ما يمكننا من إقامة علاقة معرفية واستشارات فكرية معه بعد أن كشف لنا ذلك الشخص ذاته دون أن يقع في عزلة أو قطيعة، وتجلى لنا بقدرات وخفايا ومواهب وملكات في المشهد العام تميّز بها عن غيره حين اكتشف ذاته.... وإلى لقاء.