من المزارعين، إلى بائعي الزهور، إلى المستهلكين، تزدهر السوق الرائجة لتجارة الورود العالمية، والأرقام لا تكذب، فقد وصل حجم سوق الزهور العالمية إلى 33.8 مليار دولار في 2023، ومن المتوقع أن يواصل السوق انتعاشه ليحقق 35.7 مليار دولار في 2024، وقد يواصل القطاع نموه بمعدل سنوي مركب عند مستوى 5.6%، لتصل قيمته السوقية إلى 48 مليار دولار بحلول 2030، وتعتبر الزهور المقطوفة المنتج رقم 344 الأكثر تداولاً في العالم، وتمثل تجارة الزهور 0.05% من إجمالي التجارة العالمية، وقد نمت الصادرات العالمية في الصناعة المزدهرة بنسبة 24.1% منذ عام 2020 وحتى عام 2023، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تواصل السوق نموها في العام الجاري. يعود رواج تجارة الزهور وازدهارها، إلى قوة الطلب المعتمد على نمو طلبيات المناسبات خاصة مثل حفلات الزفاف والاحتفالات والمؤتمرات والمعارض السنوية، وارتفاع الدخل المتاح في البلدان المتقدمة، وفي الوقت الراهن، يسيطر خمسة مصدرين على السوق العالمي، وهم: هولندا (5.1 مليار دولار)، وكولومبيا (1.7 مليار دولار)، والإكوادور (937 مليون دولار)، وكينيا (766 مليون دولار)، وإثيوبيا (235 مليون دولار)، أما في جانب المستوردين، فإن الولاياتالمتحدة تعد أكبر مستورد للزهور حيث بلغت فاتورة استيرادها 2.1 مليار دولار، وتأتي بعدها ألمانيا في المركز الثاني، عبر واردات بقيمة 1.6 مليار دولار، تليها المملكة المتحدة في المركز الثالث بمبلغ 1.01 مليار دولار، ثم هولندا في المركز الرابع بقيمة مليار دولار، ثم واردات فرنسا بقيمة 608 مليون دولار. تهيمن هولندا على الصناعة بسبب تقاليدها الزهرية الغنية، وبقائها متحكمة في السوق لفترات طويلة، بينما بدأت بقية أوروبا في إغلاق الشتلات الزراعية في السبعينيات عقب أزمة الطاقة الشهيرة، في المقابل، بدأت الأسواق الناشئة مثل كينيا في اقتطاع جزء كبير من حصة سوق الأزهار العالمية، حيث تعتبر الزهور المقطوعة ثاني أكبر صادرات في الدولة الأفريقية بعد الشاي، وتوفر كينيا 40٪ من إجمالي الورود المباعة في الاتحاد الأوروبي، ومع استمرار نمو السوق، تزداد حاجة المزارعين لإنتاج المزيد من الزهور، ومع ذلك، ليس كل المزارعين قادرين على تلبية الطلب، وذلك لأن زراعة الزهور المقطوفة تتطلب الكثير من المهارة والخبرة، بالإضافة إلى وجود عدد من التحديات التي يواجهها المزارعون، مثل الآفات وأمراض النباتات. أما في السعودية، فإن أسواق الزهور تشهد انتعاشه غير مسبوقة، في ظل إطلاق العديد من البرامج والمبادرات التي تم تدشينها في إطار رؤية 2030 للترويج للسياحة والفعاليات والمهرجانات، وهذا من شأنه توسيع تجارة الزهور في المملكة، واستقبال المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع، ومن المتوقع تسارع نمو قطاع الزهور في السعودية حتى نهاية العقد الحالي، وعموماً فإن قيمة سوق الزهور في الشرق الأوسط يبلغ حالياً 1.1 مليار دولار، وتعتبر السعودية في مقدمة دول المنطقة الأكثر فرصاً في نمو سوق الزهور، ومن المتوقع أن ينمو سوق الشرق الأوسط بمعدل سنوي مركب 3.5% ليصل إلى 1.9 بحلول 2030، ومن بين الاستثمارات المهمة في القطاع الواعد بالسعودية، تبرز استثمارات الورد الطائفي، والتي تقدر بحوالي 64 مليون ريال (17 مليون دولار)، إذ تجني مزارع الورد في جبال السروات بمحافظة الطائف نحو 550 مليون وردة سنوياً، مما يعزز من نمو السوق في المملكة. طلبيات محلات الورود والموردين يتعين على المزارعين المتخصصين في العمل بمشاتل الزهور العمل بجدية لتلبية طلبيات محلات الورود والموردين والعملاء الآخرين، الذين يريدون رؤية أزهارهم في شكل مثالي وتدوم رائحتها لأطول فترة ممكنة، وبالرغم من الطبيعة الصناعية لسوق الورود المقطوفة عالمياً، إلا أنها لا تزال تتطلب عمالة كثيفة، حيث يقوم العمال بقطع كل ساق قبل تعبئتها للشحن حول العالم، وقد أدى انتشار التجارة الإلكترونية إلى تغيير قواعد اللعبة، حيث أصبح بإمكان العملاء شراء الزهور عبر الإنترنت من أي مكان في العالم، ولهذا، فإن أكثر من 83% من توزيع الورود يتم من خلال طلبيات الإنترنت، وهذه قفزة هائلة تساعد في تعزيز تجارة الزهور واكتساب عملاء جدد خلال السنوات القادمة. تزرع الزهور المقطوفة في أكثر من 80 دولة ويتم تصديرها إلى أكثر من 150 دولة، وتعتبر أوروبا أكبر مستفيد عالمي من تجارة الزهور، حيث تحقق إيرادات سنوية بنحو 57.4% من إجمالي مبيعات القطاع العالمي، من جهة أخرى، أصبحت أفريقيا منطقة رئيسية في السوق العالمية، حيث تستقطب القارة السمراء شركات تصدير كبيرة، فيما تشهد أمريكا الجنوبية ارتفاعاً طفيفاً في الصادرات، علماً بأن غالبية الزهور المتداولة عالمياً تتم بين القارات الثلاث، أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأوروبا، وقد أحدثت العولمة تحولاً نوعياً في القطاع، إذ تُزرع الآن الغالبية العظمى من الزهور في شتلات زراعية ساخنة في دول مثل كينيا وإثيوبيا وكولومبيا، وبالرغم من ارتفاع الطلب على الزهور، مما يجعلها صناعة مربحة للغاية، إلا أن العمل تنافسي للغاية، ويبحث المزارعون باستمرار عن كفاءة التشغيل، وينتشر استخدام المبيدات الحشرية على نطاق واسع، ومع ذلك، يتقاضى العمال مرتبات منخفضة للغاية. تعتبر الشركات التجارية أكبر عملاء الورود، حيث تشتري أكثر من 80٪ من الورود المباعة حول العالم، فيما يتم بيع ال 20% المتبقية للاستخدام الشخصي، وتستخدم الشركات الورود بشكل رئيسي في تزيين المؤتمرات والمعارض والدورات التدريبية وورش العمل أو تعطيها كهدايا للزائرين المهمين، وقد تستخدمها كجزء من حملاتها التسويقية، حيث تضيف الزهور المقطوفة لمسة أناقة وجمال إلى المكان، وتساعد على إشاعة الأجواء اللطيفة، وتعزز من الروح المعنوية للموظفين وتزيد الإنتاجية، وعموماً، هي أقل في التكلفة، عند مقارنتها بالورود الاصطناعية، إلا أن أحد التحديات الرئيسية في القطاع هي أن الزهور المقطوفة تعتبر سريعة للتلف، ولها عمر زهري قصير، وبالتالي، يجب حصادها عندما تكون في ذروة نضارتها، على أن يتم شحنها بسرعة لضمان وصولها في حالتها الأصلية. يستحوذ الورد والأقحوان على أكثر من 73% من إيرادات سوق الزهور المقطوفة، وهناك خمسة أصناف تحظى بالشعبية الأكبر في القطاع وهي: الورود، والقرنفل، والأقحوان، والزنابق، والزنبق، وهذه تمثل ثلثي الزهور المقطوفة المباعة حول العالم، وتعد الورود أكثر الأنواع شعبيةً على الإطلاق، إذ لا تزال الورود واحدة من أكثر الخيارات شعبية لتقديمها كهدية أو إظهار المودة في المناسبات الخاصة، وهي تمثل حوالي 41.9% من إجمالي مبيعات القطاع، وتأتي الورود في مجموعة واسعة من الألوان، بدءاً من اللون الأحمر التقليدي، وحتى الظلال الأكثر غرابة مثل الأزرق أو الأسود، فيما يأتي القرنفل في المرتبة الثانية من حيث الشعبية والمبيعات، ويليهما الأقحوان والزنابق والزنبق. من جهة أخرى، يبرز قطاع تغليف الزهور، كونه أحد الصناعات المساندة لتجارة الزهور، والتي تتأثر بنمو القطاع، وقد بلغ حجم سوق تغليف الزهور العالمية 3.8 مليار دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق التغليف إلى 5.9 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5٪، ومن المنتظر أن نمو السوق خلال السنوات المقبلة بسبب التركيز المتزايد على إهداء باقات الزهور الفاخرة في المناسبات والاحتفالات الخاصة، حيث يفضل العملاء الباقات ذات التغليف الجذاب في مناسبات مثل الزفاف وأعياد الميلاد، ونظراً للطلب المتزايد على الزهور المقطوفة، فإنه من المتوقع نمو صناعة التعبئة والتغليف المساندة، بسبب ازدهار تكنولوجيا التعبئة والتغليف التي تستهدف زيادة مدة صلاحية الزهور إلى أقصى حد ممكن. د. خالد رمضان