العلاقة الأميركية السعودية علاقة قوية منذ إعلان الدولة السعودية الثالثة من قبل المؤسس الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- ورغم التزام المملكة بكل المواقف العربية والإسلامية، إلا أن الأميركان كانوا حريصين دائما على استمرار العلاقة مع الرياض، وإبقاء قنوات الاتصال كافة مفتوحة، رغم أي خلاف أو اختلاف الآراء أو المواقف، وهذا أمر ينسحب تماما على بقية الدول العربية الشقيقة ذات البعد السياسي المتزن، وبالتالي فإن العلاقة الأميركية العربية وبوابتها الرئيسة حاليا الرياض، دائما ما تأخذ طابع التحالف المستمر وإن تعارضت المواقف. السياسة الأميركية دائما ما تتجه نحو نقطة المصالح الأميركية، خصوصا الاقتصادية منها، وأميركا تعلن دائما أنها تراهن فقط على الحصان الرابح، ولعل النقطة المهمة في علاقة المملكة مع أميركا هي القضية الفلسطينية، وموقف واشنطن من إسرائيل، وبالنسبة للسعودية فإن السياسة الأميركية تعي جيدا أن دور المملكة مهم جدا، وأنه مهما حدث لا بد وأن تبقى الخطوط متصلة بين الرياضوواشنطن، حتى وإن مرت بمنحنيات ومنعطفات، إلا أن منظومة الدولة الأميركية دائما ما تذهب نحو خانة الرياض أولا. الانتخابات الأميركية التنافسية بين الجمهوريين والديمقراطيين، هي من تحدد مسيرة واتجاهات السياسة الأميركية لأربع سنوات مقبلة، نعم الرياض تحافظ على علاقات متوازنة مع الحزبيين، وإن كانت تكون أقوى في مرات كثيرة مع الجمهوريين، لكن علاقة الرياض القوية مع الدولة العميقة في أميركا، تجعل من الديموقراطيين أيضا حلفاء إستراتيجيين، رغم أن العقد الأخير شهد تقاطعات عديدة في العلاقات بين الرياض وبين الديموقراطيين، كالموقف من الحرب في اليمن، من مصر، قرارات أوباما ودوره في الربيع العربي خاصة في الأشهر الأخيرة من توليه الرئاسة، لكن العلاقة وبشكل عام استمرت، وكانت الأقوى مؤخرا في عهد الرئيس دونالد ترمب، أما في عهد الرئيس الحالي بايدن، فالعالم كله لا يشعر بالراحة مع إدارة بايدن، وموقفه الصريح من العدوان الإسرائيلي على غزة، هو جعل الجفاء معلنا معه كإدارة مباشرة، لكن العلاقة مستمرة مع الهيكل التنظيمي العام للدولة الأميركية. أهم ما يميز علاقتنا مع واشنطن، هو معرفتها الدقيقة بالخطوط الحمراء التي لا نقبل تجاوزها، كذلك احترام واشنطن للمسؤوليات التي تحملها الرياض على عاتقها، عربيا وإسلاميا وإقليميا وحتى عالميا، واشنطن تعلم جيدا قوة تأثير السعودية في العالمين العربي والإسلامي، وما جعل الأميركان أكثر حرصا على نمو هذه العلاقة، هو ما شهدته السياسة الخارجية بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، ومعه تولي ولي العهد محمد بن سلمان لمهامه وقيادته للاقتصاد السعودي، الذي شهد نموا مطردا في العلاقات مع دول العالم بأغلبيتها، ومنها بل أهمها دول الضد المتعارضة مع واشنطن، روسيا والصين، أميركا احترمت ذلك، واعتبرته قرارا سعوديا لا يستطيعون الاعتراض عليه، بل حاولوا استغلال العلاقات السعودية مع هذه الدول لكي يصلوا إلى مستويات معينة من الاتفاق، كالحرب في أوكرانيا وأحداث سورية. الانتخابات المقبلة ستحدد مسار العديد من الملفات، عودة الجمهوريين يعني عودة الاقتصاد الأميركي للتعافي، والجمهوريون في حال عاد الرئيس ترمب، فان الحليف الرئيس الأول سيكون له هو السعودية، لأن السعودية تملك القوة الاقتصادية بكل بساطة لفعل ذلك، وبالتالي فإن دور السعودية سيكون أكثر قوة وفاعلية في حلحلة القضية الفلسطينية بزيادة الضغط على إسرائيل خاصة بعد إعلان الرياض الأخير عن أن لا علاقة مع إسرائيل إلا بعد اعترافها بدولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، كذلك المزيد من الاحتواء والسيطرة على النزوات الإيرانية، مما ينعكس إيجابا على اليمن ولبنان، ومعالجة الوضع العراقي، ومحاولة إنهاء الحالة السورية بتقريب الموقف الأميركي والروسي. إجمالا وعموما، عودة الجمهوريين، أو فترة حكم ثانية للديموقراطيين، نعتقد أنها ستكون بعنوان جديد، اسمه الاقتصاد ثم الاقتصاد، وهنا لا أحد سينافس السعودية ورؤية الأمير محمد بن سلمان؛ لأنه بكل بساطة قدم ويقدم النموذج الأكثر نجاحا وتميزا تلو النموذج الناجح المتميز، ولأن السياسة تهدف دائما إلى توفير اقتصاد قوي لكل دولة، فإن رؤية الأمير محمد بن سلمان تقدم لهم الاقتصاد القوي الذي لا يمكن لأي سياسة أن تقف أمامه، الواقع الأميركي اليوم أصبح أكثر اطلاعا على الإمكانيات السعودية، وأكثر معرفة بقدرات السعودية، وبالتالي سيدفع الناخب الأميركي عند إدلاء صوته نحو القيادة التي تستطيع المضي قدما مع المنظومة السعودية وحلفائها في العالم وفي المنطقة على وجه الخصوص، وسنشهد تنازلات عديدة لدى الأميركان، يتبعها مرونة أكثر في الموقف الأوروبي، وقوة مطردة في العلاقات مع أفريقيا آسيا وأميركا اللاتينية. باختصار، الانتخابات الأميركية تأثيرها ليس على الداخل الأميركي فقط، بل على كل منحنيات دول العالم، لهذا فإن السعودية بشكل أو بآخر معنية بقوة بهذه الانتخابات واتجاهاتها، وسنشهد قريبا عددا من المواقف السعودية التي ستظهر نتائجها على الساحة الأميركية نتائج الانتخابات فيها.