الجمال مجرد قشرة خارجية لا تعيب الرجل السعودي، ستؤثر فيها بالتأكيد عوامل التعرية بمرور الزمن، وقدرات الطب على إخفائها محدودة وقصيرة في عمرها، وهو لا يحتاج لحقن شفاهه وتكبيرها كما النساء، فلن يبقى في الفصل الأخير إلا الجمال الداخلي الذي لا يشيخ أبداً.. في السادس من فبراير الجاري، قال الدكتور ظافر آل حافظ، وهو استشاري جلدية سعودي، في حوار تلفزيوني على قناة الإخبارية السعودية: "إن الرجال الذين يأتون إلى عيادته لإجراء تدخلات علاجية على وجوههم أو أجسادهم، تترواح أعمارهم ما بين العشرين والثمانين عاماً"، وقد نصب نفسه محامياً عنهم، وقال: "إن حضورهم لعيادته لم يكن ترفاً، وإنما كان لأغراض ترميمية لا تجميلية"، ولا يمكن لوم الرجل لأن عمله بالكامل يقوم عليهم، ولكن أرقام 2023 تخالفه الرأي، وتؤكد أن ما يزيد على 40 % من مراجعي عيادات التجميل في المملكة هم من الرجال. بجانب أن الإحصاءات الموثوقة، تثبت صدارة المملكة للدول العربية في جراحات تجميل الرجال، وتأتي بعدها مصر والإمارات والمغرب والأردن، وتحديداً فيما يخص تجميل الأنف وشفط الدهون وشد البطن ونحت الجسم، بالإضافة لتعريض الفك وتقسيم عضلات البطن المصطنع، ومعها زراعة الأسنان واللحية وتحديدها وشد الوجه لكبار السن، والأصعب أنها لا تحدث في الغالب لضرورة طبية أو وظيفية أو اجتماعية، كما في بريطانياوالصينوكوريا الجنوبية، وإنما لأسباب هامشية وسطحية جداً، ولعل من أسبابها الأساسية، في الوقت الحالي، مؤثرو منصات السوشال ميديا وفلاترها، وتطبيقات الفيديو كول التي تظهر عيوب الوجه في الاجتماعات الوظيفية، والتي زاد من تعقيداتها أن النساء أصبحوا جزءاً ثابتاً فيها خلال الأعوام الأخيرة، ومعهما التنمر الاجتماعي والرقمي. رجال بريطانيا لهم أسبابهم في إجراء جراحات التجميل، وبحسب الإحصاءات المنشورة، فقد حققوا إيرادات لعيادات التجميل، منذ انفراج أزمة كورونا، وصلت لخمسمائة مليون جنيه استرليني، وهؤلاء يبحثون عن فرص وظيفية أفضل، وعن قبول عند الجنس الآخر لتكوين عائلة أو شراكة، وفي الصين أظهرت دراسة أجرتها (آي ريسيرش) أن 17% من الموظفين الصينيين في مناصب رفيعة، قاموا بعمليات تجميل أوصلتهم لمناصبهم، ورصدت الصحافة الأميركية قيام الرئيس الأميركي جو بايدن، بعمليات تجميل في خمسة أجزاء من وجهه لأسباب وظيفية وانتخابية، ومعها زراعة شعره وتحسين وضع أسنانه، وتم السابق ما بين 2001 و2023، وقد كلفته واحدة من هذه العمليات قرابة المئة ألف دولار، أو ما يساوي 375 ألف ريال، وأتصور أن الأمر يستحق، فقد قام الملك الفرنسي لويس الرابع عشر بارتداء الكعب العالي، لإخفاء قصر قامته، ومثلما يقول خبراء التجميل، ثلثا الجمال في الطول المناسب للجنسين. الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنه ما بين عامي 2021 و2023، قفزت إيرادات عمليات التجميل في الصين من 30 مليار دولار إلى 48 مليار دولار، ويعتبر السوق الصيني الأكبر في ذلك، وبمعدل نمو سنوي يصل إلى 29 %، وهو يفوق المتوسط السنوي العالمي الذي يقدر بنحو 8 %، ويوجد في الصين قرابة مليون و400 ألف شخص يجرون هذه العمليات كل شهر، وزادت عمليات التجميل على مستوى العالم، في الفترة ما بين 2004 و2014 بنسبة 700 %، والمرجح أنها تجاوزت 1400 % في 2024، وفي كوريا الجنوبية لا يستطيع الشخص تحسين ظروفه المعيشية والوظيفية، إلا بعد خضوعه لسبعة عمليات التجميل، تعرف باسم (جانجنام ستايل)، وتكون في الجبهة والعين والأنف والفك، ولا بد بالإضافة لما سبق من تبييض لون البشرة، لأن البشرة الداكنة مرتبطة بالطبقات الفقيرة ومحدودة التعليم، ولم أفهم اهتمام دولة متحضرة بهذه الشكليات الفارغة، إلا إذا كان المطلوب عارض أزياء أو منافس في مسابقة جمال، مع العلم أن أول عملية تجميل في العالم، أجراها طبيب عسكري أميركي اسمه ديفيد ميلر، لمترجم كوري جنوبي عمل معه في 1954، وكانت عبارة عن شق جفن لتوسيع العين، والتخلص من الجفن الموحد معدوم التعابير، الذي يولد به معظم الآسيويين. المختصون في علم الاجتماع من الغربيين، يعتقدون بأن الناس في الشرق الأوسط وآسيا يجرون عمليات التجميل، لإحساسهم بالغيرة من أوروبا وأميركا، وللتماهي معهم في المظهر الخارجي، والصحيح أن الأرقام تكذب هذا الاعتقاد، فالثابت إحصائياً أن 70 % من عمليات التجميل في العالم يجريها رجال ونساء من العرق القوقازي المهيمن ثقافياً والمحسود. التجارب العلمية في باب الجمال اتفقت على مسألة مهمة، رأت فيها أن الناس يقيمون أشكالهم بصورة أقل جمالاً مما يراه الآخرون، واستطاعت إثبات وجهة نظرها بالدليل، ومن خلال الاستعانة برسام محترف من وراء حجاب، ورسم وصف الشخص لنفسه ووصفه من قبل أصدقائه ومعارفه، بخلاف أن التجميل في حالتي الرجل والمرأة فيه تدليس، لأن الجينات لا تتأثر به، والأبناء سيولدون على أشكال والديهما الحقيقية، ما يعني أن المشهد سيكون متناهياً في بشاعته، وسيشكل صدمة لأحد الطرفين أو كليهما، والجمال مجرد قشرة خارجية لا تعيب الرجل السعودي، ستؤثر فيها بالتأكيد عوامل التعرية بمرور الزمن، وقدرات الطب على إخفائها محدودة وقصيرة في عمرها، وهو لا يحتاج لحقن شفاهه وتكبيرها كما النساء، فلن يبقى في الفصل الأخير إلا الجمال الداخلي الذي لا يشيخ أبداً.