تنفرد أميركا -دون غيرها من دول العالم- بنظام انتخابي يعد من أكثر الأنظمة غرابةً وتعقيدًا، هذا النظام الذي أقره الآباء المؤسسون في عام 1804 ليتوافق مع نظام الدولة الفيدرالي، الذي تتميز به الولاياتالمتحدة الأميركية، ويمثل -حسب المراقبين- نموذجا للشفافية والنزاهة. لكن هذه الحال التي صمدت لأكثر من قرنين واجهت تحديات جسيمة من حيث الإجراءات والشفافية في الانتخابات الرئاسية عام 2020 نتيجة جائحة كورونا، تلك الجائحة التي قيدت تواجد الناس بشكل طبيعي في الأماكن العامة، وقضت على مظاهر التجمع، أثرت تلك الحالة النادرة على آلية التصويت وساهمت في انتشار التصويت عبر الخدمة البريدية للولايات المتحدة على نطاق واسع، كبديل عن التصويت الحضوري في يوم الانتخابات، وهذا يعد عبر تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية الشكل الأكثر شفافية ومصداقية ونزاهة، والأقل ثغرة وخللا. كان التصويت عن طريق الخدمة البريدية للولايات المتحدة قبل جائحة كورونا، يستخدم فقط من قبل فئات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، والمواطن الأميركي العسكري أو المدني في الخارج؛ لعدم ثقة الناخبين بتلك الآلية أو الجهة المقدمة لها. وفي هذا السياق قالت المستشارة ليندا كروسلي: "كان الناخب يصوت عن طريق البريد فقط في حال ما كان طريح الفراش، والآن يمكن لأي شخص التصويت عبر البريد". شكلت انتخابات 2020 تحولًا كبيرًا في الطريقة التي يدلي بها الناس بأصواتهم، على الأقل مؤقتًا، ويكمن وراء هذا -إلى حد كبير كما ذكرنا- الوباء ورغبة الناخبين في تجنب أماكن الاقتراع المزدحمة. وفي انتخابات 2016 و 2018 استخدم ما يقرب من 25 ٪ من الناخبين الاقتراع بالبريد، ولكن تلك النسبة قفزت إلى أكثر من 43 ٪ في عام 2020، وانقسم الناخبون الباقون بالتساوي بين الإدلاء بأصواتهم في مكان الاقتراع يوم الانتخابات، وأثناء التصويت المبكر قبل 3 نوفمبر. عندما يتعلق الأمر بتزوير الناخبين، يبدو أنه لا يوجد إجماع واضح حول حقيقة هذه العبارة، ولكن من أوضح التعريفات وأكثرها منطقيا كما وصفها مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك: "أن تزوير التصويت يحدث عندما يدلي الأفراد بأصواتهم، على الرغم من معرفتهم بأنهم غير مؤهلين للتصويت؛ في محاولة الاحتيال على نظام الانتخابات". وقد ساهم الاستخدام الواسع لخدمة البريد خلال الانتخابات الرئاسية عام 2020 على فتح الباب على مصراعيه للتشكيك في نزاهة الانتخابات من قبل الحزب الجمهوري الخاسر، وفي مقدمتهم الرئيس السابق دونالد جي ترمب؛ وذلك لضعف آلية التحقق من كون الناخبين مؤهلين للتصويت أم لا. حاول الحزب الجمهوري في انتخابات 2020 رصد المخالفات، وتقديم الشواهد على وجود ثغرات ومخالفات خلال عملية التصويت عبر خدمة البريد، لنقض نتيجة التصويت وحرمان جو بايدن من الرئاسة، ولكن لم تتكلل تلك الجهود بالنجاح، وفي هذا السياق رفض قضاة الولايات والقضاة الفيدراليون أكثر من 50 دعوى قضائية رفعها آنذاك الرئيس دونالد ترمب، وحلفاؤه للطعن في الانتخابات أو نتائجها؛ لذلك لا بد من قبول الواقع واحترام القانون إلى أن يثبت عكس ذلك. وفي هذا الصدد، قال سناتور ويسكونسن رون جونسون، وهو مؤيد قوي لترمب ويرأس لجنة الأمن الداخلي بمجلس الشيوخ: "إنه يقبل جو بايدن رئيسًا منتخبًا، وإنه لن يطعن في نتائج الهيئة الانتخابية عندما يجتمع الكونغرس للمصادقة عليها"، وقال جونسون: "أعتقد أننا جميعًا نرغب في استعادة الثقة إلى نظامنا الانتخابي".