إن التداوي أو العلاج بالأعشاب أمر مألوف وشائع تاريخيا، كما يحظى بشعبية عالية لدى مختلف الشعوب والثقافات حول العالم، فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO) يعتمد 60 ٪ من سكان العالم على الأدوية العشبية، ويعتمد نحو 80 ٪ من سكان البلدان النامية عليها بشكل شبه كلي لتلبية احتياجات الرعاية الصحية الأولية عوضا عن التكلفة الباهظة، وفي السعودية ستجد أن للعلاج بالأعشاب تاريخ طويل امتد لعدة قرون تناقلت فيها الأجيال المتلاحقة الوصفات وأساليب التداوي المتنوعة بتنوع جغرافيا المكان الذي يربط العالم شرقاً وغرباً، فكانت الجزيرة العربية دوماً حلقة الوصل التي يقطعها التجار، مما عزز تجارة الأعشاب والأدوية وسهل الحصول عليها تاريخيا. يرجح باحثون أن أكثر من 50 ٪ من النباتات بالمملكة العربية السعودية قد تكون ذات قيمة طبية، وتشكل تلك النسبة 1200 نبتة من أصل 2250 نبتة زهرية! ومع هذا التنوع الضخم والرواج التاريخي إن صحت التسمية ظهرت العديد من العادات والسلوكيات والممارسات الشائعة المتعلقة بالتداوي بالنباتات، فمثلاً تشير دراسة بحثية عن سلوك مستهلكي الأدوية بمدينة الرياض إلى أن 91.1 ٪ من المشاركين لم يستشيروا أو يأخذوا نصيحة من صيدلي أو طبيب قبل شراء العلاجات العشبية، بينما هناك 8.8 ٪ استخدموا الأدوية العشبية أو المكملات الغذائية العشبية بناءً على نصيحة مختص طبيب أو صيدلي. وفي دراسة أخرى بقسم الأورام في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني بالرياض وجد أن 90.5 ٪ من البالغين الذين خضعوا للدراسة استخدموا الطب البديل أو التكميلي كجزء من علاج السرطان، ومثلت نسبة مستخدمي المكملات الغذائية منهم 85.2 ٪، بينما 35.1 ٪ استخدموا الحبة السوداء، في حين استخدم العسل 54,3 ٪، فضلاً عن العلاجات الأخرى، وبنسبة 18 ٪ فقط منهم من ناقش استخدام الطب البديل أو التكميلي مع طبيبهم قبل الاستخدام، مقارنة ب 68 ٪ لم يفعلوا ذلك بل أخذوا بنصائح من مواقع مختلفة. وأشارت الدراسة إلى إحدى الممارسات البارزة في المملكة العربية السعودية وهي زيادة انتشار العلاج الذاتي، إلى جانب ما يصاحب ذلك من استخدام للأدوية العشبية والتقليدية مما يثير قلق المختصين ومخاوفهم لما قد يترتب على ذلك من تأثيرات سلبية للتفاعل بين الأدوية والأعشاب مما قد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة الفرد. لكن لو أعدنا ترتيب الأمور والنظر إليها بطريقة مختلفة سنجد كافة المقومات اللازمة للاستفادة من سوق التداوي بالأعشاب ومعاجلة مكامن الخلل فيه بل وتحويله سوقاً جذابة ذات منفعة طبية وربحية عالية لزيادة الإقبال المجتمعي عليها، فالنباتات بمختلف أنواعها متوافرة أو يسهل توفيرها سواءً المحلية أو المستوردة، وهذا يجعل المملكة العربية السعودية متفردة في أن تكون سباقة لإنشاء مركز أبحاث على مستوى عالٍ ومرموق، كما تستطيع المملكة أن تكون ضمن أوائل الدول المصنعة للأعشاب أسوة بغيرها لتساهم المصانع في زيادة إيرادات الناتج المحلي للبلاد، كما أشرنا في مقال سابق، ناهيك عن وجود الجهات التنظيمية الفاعلة والسباقة على مستوى المنطقة جنباً إلى جنب مع الخبرات الوطنية ذات الكفاءة العالية. وختاماً: إن أبرز ما نحتاجه هو العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات وصولاً إلى برامج اقتصادية وتنموية وتعليمية طموحة بمجال التداوي بالأعشاب للتقليل من سوء الاستخدام الحاصل حاليا. *دكتوراة الطب الصيني التقليدي