يُعد التعداد السكاني ذو أهمية كبيرة منذ القدم، فهو من أهم الأدوات لمعرفة رقعة الدولة ووحدتها الجغرافية، وتتجلى أهميته أيضاً في حالات التنمية العمرانية والتخطيط الاجتماعي والاقتصادي لأغراض تنمية المجتمع سواء تخطيط خطط القوى العاملة والهجرة والتعليم والصحة والإسكان والخدمات الاجتماعية لحياة أفضل، ويدرس الباحثون من خلال التعداد السكاني التركيب السكاني والتركيب النوعي للسكان لمعرفة اتجاهاتهم وأنشطتهم ومدى الكثافة والازدحام وضغط السكان على موارد الدولة، كما أنه مفيد في التجارة والصناعة، إذ يعتمد عليه المستهلكين والتجار لتوزيع السلع والخدمات. وقد عرفت بلادنا التعداد السكاني منذ نصف قرن من الزمان، حيث نفذ أول تعداد بالبلاد عام 1394ه بقيام الهيئة العامة للإحصاء وبصفتها الجهة المعنية بتنفيذ التعداد حسبما ورد في نظام تعداد السكان العام الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/13 وتاريخ 23/4/1391ه بتنفيذ التعداد الأول للسكان والمساكن في عام 1394ه، وقد كانت تلك البداية محفوفة بالبساطة في ذلك الحين حسب الإمكانات في ذلك الوقت، وتم الاستعانة بعدد من موظفي الدولة وغالبيتهم من المعلمين في العمل في هذا التعداد الأول وكذلك طلبة الجامعات، وكانت المدارس في عدد من البلدان مقراً لموظفي التعداد خاصة أن التعداد في قد أجري نهاية العام الدراسي وفي العطلة الصيفية، وبعد التعداد الأول تم إجراء التعداد العام للسكان والمساكن الثاني عام 1413ه، ثم التعداد العام للسكان والمساكن الثالث عام 1425ه، ثم التعداد العام للسكان والمساكن الرابع عام 1431ه وجاري تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن الثالث في هذا العام 1443ه، والذي كان من المقرر إجراؤه عام 1441ه لكن تم تأجيله بسبب جائحة كورونا، ومن خلال النظر إلى التعداد الأول والذي أجري في عام 1394ه والتعداد الأخير الذي يجرى تنفيذه حالياً هذا العام نجد أن هناك فرقاً كبيراً وتغيراً جذرياً من خلال الإجراءات التي اتخذت سابقاً والتي تتخذ حالياً، حيث أدى التقدم التقني وسرعة نقل البيانات وسهولة المواصلات وانتشار الثقافة إلى تسهيل مهمة التعداد السكاني وإنجازها في وقت قياسي بدقة متناهية. عملية منهجية والتعداد السكاني -الإحصاء السكاني- عملية منهجية موحدة وغالباً ما تكون رسمية أو حكومية، وتذهب أبعد من تعداد السكان لتشمل جمع البيانات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تنطبق في فترة زمنية محدودة على كافة الأشخاص في بلد ما أو جزء محدد منه، وتجميع هذه البيانات وتحليلها ونشرها، وهو عملية دورية يتم خلالها عد السكان رسمياً، ويشير مصطلح الإحصاء السكاني عادةً إلى تعدادات السكان في كل دولة، والتي تجري وفق توصيات الأممالمتحدة مرة كل 10 سنوات، وتكمن أهمية التعداد أو إحصاء السكان جمع ونشر المعلومات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للسكان بهدف توفير متطلبات الدولة واحتياجات المخططين والباحثين من البيانات الأساسية عن السكان والمساكن التي تتطلبها خطط التنمية، وإيجاد قاعدة عريضة من البيانات واستخدامها كأساس موثوق به في إجراء الدراسات والبحوث التي تتطلبها برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. خرائط المنازل وتعود بنا السنين إلى ما يقارب النصف قرن عند الحديث عن إجراء أول تعداد سكاني تم في بلادنا، فقد شهد عام 1394ه انطلاقة التعداد للسكان، والذي نفذته الهيئة العامة للإحصاء بصفتها الجهة المعنية بتنفيذ التعداد الأول للسكان والمساكن، وبالفعل تم البدء في ذلك حيث تم الاستعانة بعدد من الموظفين أغلبهم من المعلمين وطلبة الجامعات في تنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن، وكان العاملون مقسمين إلى عدّادين يشرف عليهم عدد من المراقبين ومن ثم مفتشين ومشرفين، وكانت البيوت في غالبية القرى والبلدات مبنية من اللبن والطين والطرق غير معبدة -ترابية-، وغالب البلدات كانت شوارعها ضيقة لا تتسع لمرور السيارات، وعلى الرغم من ذلك فقد قام موظفو التعداد بعملهم على أكمل وجه، وكان العدادون والمراقبون يقومون بعمل خرائط للمنازل والأحياء ويرسموها بأيديهم للاستعانة بها في عملهم، وكان العدادون يحملون معهم "بخاخ" بويه وعند زيارة البيوت وتسجيل البيانات يقومون بكتابة أرقام على أبواب البيوت التي كان جلها خشبية لتعينهم على الرجوع إلى المعلومات التي دونوها عند استكمال التعداد، وكانوا يجمعون البيانات بطريقة مباشرة عن طريق مقابلة أفراد المجتمع، ويتم جمع البيانات ميدانياً بعدة وسائل والتي على رأسها المقابلة الشخصية وذلك بتوجيه الأسئلة الواردة في البطاقة الإحصائية لكل فرد وتسجيل إجابته. طرق وعرة وفي المناطق الجبيلة الوعرة كانت المعاناة لموظفي التعداد مضاعفة، حيث كانت الطرق وعرة والبيوت متناثرة على رؤوس الجبال كما هو الحال في المناطق الجنوبية من المملكة، وهذا ما ذكره إبراهيم بن حمد العدوان -مدير تعليم الوشم سابقاً- الذي عمل في أول تعداد للسكان والمساكن عام 1394ه، فقد جاء ترشيحه للعمل مفتشاً في بلاد داير بني مالك بمنطقة جازان، وكانت آنذاك بلدة صغيرة وطبيعتها الجغرافية صعبة كما ذكر، وقد مكث في تلك البلدة أربعة أشهر طيلة الإجازة الصيفية، وكان الجميع من مفتشين ومراقبين وعدادين يستخدمون الدواب لإنجاز عملهم في الصعود إلى الجبال والوصول إلى البيوت، وكانت كما يقول تجربة جميلة رغم أنها كانت محفوفة بالمخاطر. وذكر عمر بن إبراهيم المجلي أن والده -رحمه الله- كان أحد المشاركين في التعداد، حيث تم ترشيحه للعمل مراقباً في مسقط رأسه -محافظة مرات-، وتقدم للترشيح مثله كمثل الكثيرين غيره من الموظفين بعد أن طرحت مصلحة الإحصاءات العامة الترشيح لمن يرغب في العمل مفتشاً أو مراقباً أو عداداً، وقد تم بالفعل قبول ترشيحه ووجه له الخطاب التالي: "إشعار بالترشيح لوظيفة مراقب في التعداد"، المكرم إبراهيم بن حمد المجلي -مدرسة مرات- بعد التحية: بناء على موافقتنا على ترشيح مصلحة الإحصاءات العامة لكم للعمل بتعداد السكان فقد قررت المصلحة اختياركم للعمل بوظيفة مراقب في مرات للفترة من 23 /6 1394ه إلى 30 /7/ 1394ه، ومن 16 /8/ 1394ه إلى 7 /9/ 1394ه، حيث يلزم وجودكم في الرياض -ثانوية اليمامة- في يوم 23 /6/ 1394ه لتلقي التدريب المعد لكم، هذا ويلزمكم تملئة الجزء الأسفل من هذا الإشعار بما يفيد إحاطتكم علماً بذلك واعتمادكم الحضور في الوقت والمكان المحددين، وإرساله بطي الظرف المرفق لمصلحة الإحصاءات العامة على أنه في حالة عدم تسلم المصلحة هذا الإشعار موقعاً منكم حتى تاريخ 30 /5/ 1394ه سيصرف النظر عن ترشيحكم وتستبدلون بغيركم، هذا وقد أكدت المصلحة استعدادها لتحمل أجرة إركابكم من مقركم إلى مركز التدريب وتعويضكم عنه عند الحضور للتدريب، هذا ونحن جميعاً يسرنا مشاركتكم في هذه العملية الوطنية ذات الفائدة لمصلحة بلدكم. ولكم تحياتنا، ووقع هذا الخطاب من قبل مدير التعليم، وقد تم تدوين ملاحظة في أسفل الخطاب بخط اليد ذكر فيها: "وفي حالة ضيق الوقت يفضل الرد برقياً مع ذكر رقم الترشيح -انتهى الخطاب-. وبالفعل قام والدي بالذهاب إلى مقر التدريب في ثانوية اليمامة بالرياض واجتاز الدورة التدريبية وقام بعمله مراقباً على أكمل وجه، واستلم إقراراً بانتهاء مهمته من العمل، والتي امتدت لمدة شهرين، وتسليم المطبوعات إلى المفتش عبدالعزيز بن محمد المقحم، والتي شملت على سجل حصر المباني، ودفتر تقارير المراقب، وسجل استمارات تعداد السكان والمساكن، ودفاتر تقارير باحث، وكتيب التعليمات، وملخص باحث، وبطاقة شخصية، وحقائب بيضاء. تحولات سريعة وعند النظر إلى التعداد السكاني الأول الذي أجري عام 1394ه والتعداد الخامس الذي تطلقه هيئة الإحصاءات العامة هذا العام نجد أن الفرق شاسع من حيث التقنية المتاحة اليوم وسرعة الوصول إلى المعلومة عن طريق تقنية الاتصالات والمعلومات السريعة في يومنا الحاضر، فها هي الهيئة العامة للإحصاء، تطلق برنامج "تعداد السعودية 2022" الذي يُعدُّ التعداد الخامس في تاريخ المملكة، فقد أُجرِي آخر تعداد عام للسكان والمساكن في المملكة في عام 2010م، وبلغ عدد السكان آنذاك 27,136,977 نسمة، وشهِد العَقد الماضي تحولات سريعة فيما يتعلق بالتطورات التقنية، والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والأنماط المعيشية والاستهلاكية، وكان لهذا كله العديد من التأثيرات المهمة التي ستُظهر نتائجاً في هذا التعداد، ونفّذت الهيئة العامة للإحصاء أعمال العد التجريبي في إطار التحضير لتنفيذ أعمال التعداد العام للسكان والمساكن 2022م، وذلك ابتداءً من سبتمبر 2021م، وغطى سبع مدن حول المملكة شملت: تبوك، والعلا، ومكة المكرمة، وعسير، والدرعية، والرياض، والمنطقة الشرقية، من أجل اختبار استمارة التعداد، وتجريب أدوات العمل التي سوف تستخدمها في التعداد العام، مثل العد الذاتي وتعبئة نموذج الاستبانة إلكترونيًّا وكل ما يتعلق بالنموذج التشغيلي الخاص بها، ومن ثم استنتاج الدروس المستفادة وتقييم الأنظمة التقنية التي سيتم تطبيقها في أعمال التعداد العام 2022م، وشمل العد التجريبي ترقيم وحصر المباني ومكوِّناتها من وحدات سكنية وأسر، إضافةً إلى عدّ السكان والأفراد في التجمعات العمالية والمساكن العامة، والتعرف على خصائصهم الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، واستخدمت الهيئة في هذه التجربة الأجهزة اللوحية لجمع البيانات ميدانيًّا، مستغنيةً عن النماذج الورقيَّة من أجل الحصول على نتائج دقيقة وآنيَّة. معلومات موثوقة وتشمل مُخرجات التعداد الإحصائية، بجانب التوزيع الديموغرافي في أنحاء المملكة مستوى دخل ومعيشة المُستهدفين، وحالتهم التعليمية، فضلًا عن إتاحة البيانات لراسمي السياسيات من أجل إعداد وتوجيه المشروعات التنموية المستقبلية ومساعدة صُناع القرار في اتخاذ قرارات مبنيَّة على أساس معلوماتي موثوق تسهم في تحقيق مستهدفات الرؤية، فيما يتعلق بتطوير الخدمات العامة كالتعليم، والصحة، ووسائل النقل العام، وإعداد المُخططات العمرانية للمدن وتوزيع الميزانيات على المشروعات والمبادرات، وأعدّت الهيئة العامة للإحصاء الخطة التنفيذية لتعداد السعودية 2022م، بعد دراسة شاملة لمُتطلبات الجهات الحكومية المستفيدة من نتائج التعداد، وبناءً على أفضل النماذج والمعايير الدولية للتعداد السكاني المعمول بها في دول مجموعة العشرين والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث يتم للمرة الأولى استخدام التقنيات الحديثة في تطبيق أعمال التعداد مثل الاستفادة من صور الأقمار الصناعية لضمان تغطية أشمل لمناطق المملكة، وتحديد المساكن غير المسجلة في العناوين الوطنية، وتطوير آلية جمع البيانات لتشمل العد الذاتي وهي وسيلة جديدة لجمع البيانات من خلال بوابة الهيئة المتاحة لجميع الأفراد، وتحديث استمارة التعداد لتخدم صناع القرار وذلك حسب أفضل الممارسات الدولية. التعداد الأول تم بنجاح كبير رغم بساطة الإمكانات أحد العدّادين المشاركين في تعداد 2010م بيان أدوات كان يستخدمها العاملون في التعداد الأول كتابات العدادين في التعداد الأول على الأبواب الخشبية مازالت باقية إلى اليوم إحدى مراحل تعداد 2022م