ولي وطنٌ آليتُ ألا أبيعَهُ وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً كنعمةِ قومٍ أصبحُوا في ظلالِكا لطالما تغنينا بهذه الأبيات لابن الرومي(836 ه)، وقد أنشدها في بغداد حينما حاول جارٌ له أن يجبره على بيع منزله فغضب وأبى، فما لبث الجار أن أخذ بعض جدرانه وأتلفها ليجبره على البيع، فجادت قريحة ابن الرومي بهذه الأبيات مهدداً ومتوعداً، وموضحاً مدى تعلقه بوطنه الخاص وارتباطه الروحي به، (وكان يقصد بالوطن هنا 'المنزل') وهو موطن الإنسان ومحله، وهكذا كانت دلالة الوطن في معظم معاجم اللغة القديمة، ثم تطورت دلالة هذا اللفظ في المعاجم الحديثة واتسعت لتدل على بلد الآباء والأجداد. لذا فإن دفاع ابن الرومي وتمسكه وحبه الشديد لوطنه الصغير ومنزله الذي يحمل ذكرياته يجعلنا ندرك أن تمسكه ودفاعه عن وطنه الكبير الذي آوى آباءه وأجداده وضم منزله ومنازلهم سيكون أكبر وأعظم! فالدفاع عن الوطن والذود عنه غريزة إنسانية جُبِل عليها كل أصيل، فالوطن نعمة لا يدركها إلا من اغترب عن أوطانه، ونازح الدار عن إخوانه، فاستبد به الشوق وأعلن الشكوى على الجدران، وباح بسره على كل وادٍ وبستان، يقول أحدهم في حنينه لوطنه: سقى الله أيام التواصلِ غيثُه وردَّ إلى الأوطان كل غريب فلا خير في دنيا بغير تواصلٍ ولا خير في عيشٍ بغير حبيب فالوطن يظل ملء السمع والبصر والفؤاد، لا يضاهيه أرض مديدة ولا عيشة رغيدة، فحبه لا يُعلل ولا يُقاس ولا يُوضع في مفاضلة مع أي مكان آخر! وحب الوطن والوفاء له ديدن الشرفاء الأوفياء، فكيف بوطني المتوج بجواهر القداسة والطهر؟ فكيف بوطني مهبط الوحي ومهد الرسالة؟ كيف بوطني الذي فاضت خيراته على العالم أجمع؟ وكيف بوطني الذي تجاوز عمره الزمني بحجم إنجازاته غير المسبوقة في كل الميادين التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وكافة الجوانب التنموية؟ هنيئاً لنا بك أيها الوطن في عيدك الواحد والتسعين، ودمت لنا أعواماً عديدة في ظل قيادتنا الرشيدة ورؤيتها الحكيمة، ونحن نرفل في أمن وأمان وتقدم وازدهار. 1