قرأت في جريدة الشرق الأوسط تقريراً بعنوان (تحولات جذرية داخل البيت الأبيض) عن الحالة المكتبية التي وجدها الموظفون الجدد في البيت الأبيض بعد بدء عمل الإدارة الجديدة. جاء في التقرير أن الفريق الجديد للرئيس بايدن أمضى الأيام الثلاثة الأولى في البيت الأبيض في مكاتب خالية يبحثون عن لوازم مكتبية ويطلبون مساعدة تقنية. الرفوف كانت فارغة، الكمبيوتر معطل، وكان أحد الموظفين يبحث عن دبابيس للملفات! شخصياً أعتبر ما ورد في هذا التقرير ملفتاً للنظر ومثيراً للتساؤلات كونه يتعلق ببلد في مركز القيادة في كثير من المجالات. حين قرأت التقرير دار في ذهني موضوع العمل المؤسسي، وعلامة استفهام حول تنظيف البيت الأبيض بتكلفة بلغت 500 ألف دولار. ألم يكن ينظف بشكل مستمر؟! أما البحث عن دبابيس للملفات فهو انتصار للعمل الورقي على التقنية الإدارية أو استحالة الاستغناء عن الأدوات التقليدية. أكتب عن هذا الموضوع ليس من باب الشماتة ولا من باب السياسة، ولكن من باب الطرافة ومن باب الاهتمام الشخصي ببيئة العمل بكل تفاصيلها بما في ذلك الأشياء الصغيرة مثل الدبابيس والخرامة والأوراق ومكونات الشاي والقهوة والمناديل وغيرها. هذه التفاصيل قد تبدو غير مهمة ولكن أهميتها لا تتضح إلا حين تكون غير متوفرة. تفاصيل صغيرة لا بد من توفرها في بيئة العمل. تغيرت بعض التفاصيل مثل اختفاء دفتر توقيع حضور وانصراف الموظفين، حل محلها جهاز البصمة. اختفت الآلة الكاتبة وحل محلها الكمبيوتر، اختفى من يعد الشاي والقهوة وانتصرت آلة صنع القهوة والمقاهي المجاورة لمقر العمل. هل تختفي الملفات الورقية، والمقص، والخرامة، وقلم الرصاص والمساحة، والمشابك وغيرها من الأدوات المكتبية غير المرئية؟ ألا تذكرنا بالموظفين الذين يعملون بجد وإخلاص ويبذلون جهوداً إضافية ويكون لهم دور جوهري في النجاح ثم يتجه التقدير والتكريم إلى غيرهم؟ المؤتمرات والندوات لا تنجح بدون وجود وجهود الفنيين والعمال، وقد تفشل بسبب توصيلة كمبيوتر! ألا تذكرنا هذه التفاصيل بأهمية تقدير كل مكونات المنظمة، ألا تذكرنا أهمية الأدوات المكتبية بأن هناك ما هو أهم منها ويستحق الاهتمام والتقدير وهو الإنسان. بيئة العمل لا طعم لها ولا رائحة ولا فائدة بدون وجود الإنسان. مهما توفرت الأجهزة والأدوات والتقنية بكل تفاصيلها والجماليات المادية والأشجار والزهور فسوف نبحث عن الإنسان. هذا المقال يذكرنا بمن يعمل بصمت ويقوم بعمل مهم ولا نلتفت اليه أو نسأل عنه أو حتى نبتسم له ونتحدث معه. العاملون في الصيانة والتنظيف والفنيون والحراس وأصحاب الوظائف البعيدة عن الأضواء وغيرهم كثير. هل يشعرون بأنهم جزء مهم من منظومة العمل، هل نسأل عن أحوالهم، عن رضاهم الوظيفي، هل نقدر آراءهم واقتراحاتهم، هل نفكر في طلب هذه الآراء والاقتراحات؟ أليس من جماليات الإدارة أن يتوقف رئيس الجهاز أو المدير العام مع حارس الأمن أو عامل النظافة أو فني الصيانة أو موظف شاب في بداية حياته العملية، ويدردش معه ويسأل عن أحواله، وما الذي يمنع أن يسأل عن ملاحظاته ومقترحاته. كيف سيكون تأثير هذا السلوك على الروح المعنوية وتعزيز الانتماء والأداء. الأداء المتميز يتحقق في كل المستويات الوظيفية داخل المنظمة، ليس محصوراً في أداء المديرين. تختلف المهام من موظف لآخر لكن المسؤولية مهمة في كل المستويات حسب طبيعة عمل كل موظف. الإدارة الناجحة تشجع التميز وتقدر التميز وتبحث عن التميز في كل تفاصيل المنظمة.