الخسافي يودع التعليم بعد 37 عامًا من العطاء والتميز    السفير المطر: المملكة تبذل كل الجهود الدبلوماسية بالتعاون مع أشقائها العرب من أجل الوصول لوقف الحرب في قطاع غزة    نائب أمير منطقة مكة المكرمة: "لاحج بلا تصريح" وستطبق الأنظمة بكل حزم    بمشاركة 6 فرق تضم 60 لاعباً .. جدة تحتضن بطولة الهوكي    تفاقم الأزمة مع تل أبيب.. ومصر تلغي اجتماعاً عسكرياً مع إسرائيل    «مكافحة المخدرات» بعسير تقبض على شخص لترويجه 11,100 قرص من مادة الإمفيتامين    الدكتوراه الفخرية العيسى    توفير دائرة البحث لمستخدمي iPhone    مسؤولون يخشون انسحاب فوفشانسك وسط هجوم روسي    235 ألف ممرض مسجل في السعودية خلال 2030    أمير المدينة يتفقد مركز الترحيب واستقبال الحجاج    17 عرضا ومضاعفات لمرضى السكري    17.5 ألف قرار إداري ل"الجوازات" في شوال    واجهات تجارية ل6 مطارات سعودية    تعزيز حضور الأفلام السعودية بالمحافل العالمية    القنصل العام في لوس أنجلوس والملحق الثقافي في أمريكا يزوران الطلبة المشاركين في آيسف    مساجد وجوامع تحاكي هويّة مناطق المملكة    أوراكل لتوفير ضيافة رقمية بمنتجعات البحر الأحمر    الفريق اليحيى: تدشين صالة مبادرة "طريق مكة" بمطار جناح الدولي في باكستان لإنهاء إجراءات المستفيدين بيسر وسهولة    الحضور شرط تجديد الجواز قبل 6 أشهر من انتهائه    محمد نور: غاياردو طرد لاعب الاتحاد    أمير جازان يرعى مراسم اتفاقية تعاون بين مديرية السجون وجمعية التوعية بأضرار المخدرات بالمنطقة    صراع الفوز باللقب يتواصل في الدوري الإنجليزي حتى الجولة الأخيرة    «التجارة»: بعض أصوات ناخبي غرفة الرياض «غير نظامية»    ناشئو الطائرة للآسيوية بالعلامة الكاملة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يستقبل سفير كازاخستان المعين لدى المملكة    يوليو المقبل.. إطلاق خدمة حماية الأجور لرواتب العمالة المنزلية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    وزير الصحة يلتقي سفير جمهورية جيبوتي لدى المملكة    استكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء خلال 13 عاما بعد موافقة 22 دولة    تخصيص خطبة الجمعة للتوعية بأنظمة وإرشادات الحج    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران توقّع مذكرة تفاهم مع جامعة نجران    الغيلاني وطاشكندي يحوزان جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية    النيابة: إيقاف مواطن احتال على ضحاياه بالاستيلاء على مجوهراتهم    القبض على 3 أشخاص لنشرهم إعلانات حملات حج وهمية    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز    النفط والذهب يتراجعان    محافظ الأحساء يستقبل سفير باكستان لدى المملكة    الشؤون الدينية تعزز من خططها الاستباقية لموسم حج 1445ه    غيابات الهلال أمام النصر في ديربي الرياض    سيفول رحمات: مبادرة طريق مكة سهلت رحلة الحاج    بنك التصدير والاستيراد السعودي يوقّع اتفاقيتين لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية    تحت رعاية ولي العهد«سدايا» تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي سبتمبر المقبل    مساعدات طبية وغذائية ل3 دول من "سلمان للإغاثة"    السعودية.. وخدمة ضيوف الرحمن    السعودية و31 دولة تشارك في تمرين «الأسد المتأهب»    رابطة العالم الإسلامي ترحب بقرار الأمم المتحدة تبني قرار عضوية فلسطين    «الزعيم » لا يكل ولا يمل    «البلدية»: إيقاف وسحب «المايونيز» من أسواق المملكة    جامعة الملك سعود تتوّج ببطولة الرياضات الإلكترونية للجامعات    استقبل محافظ دومة الجندل.. أمير الجوف يشيد بجهود الأجهزة الأمنية والعسكرية    كبسولة السعادة .. ذكرى ميلادي الرابعة والأربعون    تنمية المواهب في صناعة الأزياء محلياً    لؤلؤ فرسان .. ثراء الجزيرة وتراثها القديم    روتين الانضباط وانقاذ الوقت    المراكز الصحية وخدماتها المميّزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين التراث والتراث الموازي
نشر في الرياض يوم 28 - 08 - 2020

فهم التراث الموازي لا يتم إلا بالممارسة.. الوعي بالتراث الموازي يحدث بممارسة إنتاج هذا التراث وخوض التجربة والصراع من أجل إنتاجه وتعديله باستمرار..
سبق وأن تناولت هذا الموضوع في أكثر من موضع، على أن ما يمكن أن تطرحه فكرة الثقافة السعودية المعاصرة من أفكار جديدة تجعلني أعيد الكرة مرة أخرى وأطرح مصطلح "التراث الموازي" كخيار لفهم الثقافة المستقبلية. يجب أن نقرر هنا أن كلمة "تراث" و"إرث" و"موروث" و"ميراث" لم تستخدم تاريخيا في اللغة العربية إلا في مجال المال والأنساب ولم تستخدم هذه الألفاظ للدلالة على الموروث الفكري والثقافي أبدا، بل إن كلمة تراث رغم ورودها مرة واحدة في القرآن إلا أنها لم تستخدم عند علماء الفرائض ولا الأنساب، ما تحمله كلمة "تراث" في وقتنا المعاصر، كما يذكر ذلك محمد الجابري، مختلف عن أي لغة أو ثقافة أخرى لأنه يحمل مفاهيم خاصة بالثقافة العربية وحدها وبالتالي لا يمكن مقارنة كلمة Heritage الإنجليزية بكلمة "تراث" العربية لأن البعد العاطفي الثقافي والفكري المحمل في الكلمة العربية يختلف عن الإنجليزية. كما أن مصطلح "التراث" في الثقافة العربية يعني ما تحقق تاريخيا وما كان يفترض أنه يتحقق، أي أنه يخلط بين المعرفي والأيديولوجي لذلك نجد الجابري يقول: إن التراث ليس بقايا الماضي في الثقافة العربية بل هو "تمام" هذه الثقافة وكليتها.
المقصود بالتراث الموازي هو العودة إلى الأفكار والمبادئ الأصلية وتوليد أفكار معاصرة منها تتخذ مسارا تطوريا غير الذي اتخذته الأفكار المتعارف عليها تاريخيا لذلك أسميته تراثا موازيا للتراث التاريخي، في هذه الحالة يجب نقر أن التراث متغير "ديناميكي" وأنه يتكون من جوانب حسية (المادة والتقنية والبيئة) وجوانب غير حسية (الثقافة والحاجات الاجتماعية) وأن كلا الجانبين يتغير مع الوقت ليصنع تراثا جديدا، وأن مفهوم "الأصالة" التي تتحدث عنها مواثيق التراث في اليونسكو هي "تسكين" لقيمة التراث، بينما هو في حالة توسع وتغير ويحتمل الكثير من التفسيرات.
كما أن التراث الموازي لا يعترف بالكلية الثقافية ويستبعد الأيديولوجي ويركز على ما يمكن فعله، لا ما يجب علينا فعله وبالتالي فإن الخروج من المعنى العاطفي/ الأيديولوجي في الثقافة العربية المعاصرة يتطلب البحث بجدية في التراث الموازي أو "تراث المستقبل". يواجه مفهوم التراث في الثقافة العربية المعاصرة، كما ذكر محمد الجابري، مأزق الفهم التراثي للتراث الذي تغيب عنه الروح النقدية ويفتقد للبعد التاريخي التراكمي نتيجة التكرار والاجترار.. هذا يتطلب الخروج من الفكر الساكن الاجتراري إلى النقد المتجدد وهذا ليس بالأمر السهل، فمشكلة التراث هو افتقاره للبعد الزمني الأمر الذي يجعله مفتقرا لتراكم تاريخي منهجي يعتد به ويجعل المشتغلين به يكرّسون جهودهم في المنتج القريب للتراث وينسون أو يتناسون كل المراحل التي سبقته.
يفترض، حسب الجابري، أن التراث العربي الإسلامي عالمي وشمولي وهذا نابع من عالمية وشمولية الإسلام لذلك عندما انتشر الإسلام استوعب جميع الثقافات ولم يكن منغلقا في يوم لكنه في حالة التراث الموازي يحتاج إلى بعده الزمني الذي فقده، والعودة إلى مصادره وتحريكها من جديد، يفترض أن يكون التراث حاضر فينا الآن وفي المستقبل كما أنه يفترض خاصية التذكر، فما الذي يمكن أن يذكرنا به هذا التراث الذي يربط الماضي السحيق بالحاضر المتحول نحو المستقبل... هذه أسئلة منهجية يفترض أن تقودنا إلى تعريف واضح للتراث الموازي يُمكننا من الاشتغال به كموضوع. هناك تعريف لمحمد عابد الجابري يقول: "التراث هو كل ما هو حاضر فينا أو معنا من الماضي، سواء ماضينا أم ماضي غيرنا، سواء القريب منه أم البعيد"، وهو تعريف يفتح باب الجدل حول تعريف التراث الموازي كونه تراثا يرتكز على الماضي البعيد ويعتبر الماضي القريب تفسيرا أو تجربة لمنابع الأفكار الأصلية.
التراث الموازي يحتفظ بمولدات التراث التاريخي (وهي الأصول والجذور) وينفي ما عداها، أنه يهتم بممكنات التراث لكنه يفتح المجال لممكنات جديدة. ويؤكد على أن التطور يأتي من داخل الثقافة لا من خارجها ويحاول أن يبني ثقافة جديدة ولكنه لا يستورد هذه الثقافة، فهم التراث الموازي لا يتم إلا بالممارسة.. الوعي بالتراث الموازي يحدث بممارسة إنتاج هذا التراث وخوض التجربة والصراع من أجل إنتاجه وتعديله باستمرار.. ربما يحتاج الأمر في البداية إلى وعي نظري لمفهوم وحدود التراث الموازي ولكن حتى هذا الوعي النظري لا يحدث إلا بممارسة الوعي نظريا، لذلك يفترض من الثقافة السعودية المعاصرة التركيز على التجديد الذي يتم يبتعد عن أي أيديولوجيا التي تقل خطورة عن التقليد، لذلك فإن مفهوم التراث الموازي لا يلتزم بأي أيديولوجيا لكنه يلتزم بمنابع الأفكار في الثقافة العربية التي ترتكز على القرآن الكريم، ليس بصفته نصا دينيا ولكن بصفته نصا كونيا شاملا يخاطب الإنسان بصفته مستخلفا في الأرض ومأمور بعمارتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.