لطالما كان المسلمون في المجتمعات الأوروبية، عرضة لحملات التعصب والكراهية، التي تطالهم من طرف سياسيين وحتى نشطاء مناهضين للدين الإسلامي، لكن هذا الواقع تغيّر على ما يبدو مع ظهور وباء كورونا المستجد، حيث تشيد الصحف الغربية وعلى رأسها الصحف الفرنسية، بالتزام المسلمين، بإجراءات الحجر الصحي في شهر رمضان الذي يُشكل بالعادة فرصة للمسلمين للتلاقي والعبادة في المساجد في أجواء روحانية يميزها القرب الاجتماعي وليس التباعد. وقالت جريدة "لوبوان" الفرنسية: إن حلول شهر رمضان المبارك في فرنسا تصادف هذه السنة مع الحجر الصحي المفروض منذ منتصف شهر مارس، لمنع انتشار وباء فيروس كورونا، مشيرة إلى أنه يأتي في ظل ظروف غير اعتيادية، أبرزها إغلاق المساجد ومنع الاجتماعات الأسرية التي يحرص المغتربون على الالتزام بها خلال شهر رمضان كونه فرصة للمّ شمل الأسر. واستندت الجريدة إلى تصريح رئيس المجلس الأعلى للديانة الإسلامية، الذي عبر فيه عن استعداد المسلمين لقضاء شهر رمضان في ظل الحجر الصحي، متسلحين بعقيدتهم وتقاليدهم للتأقلم مع واقع يفرض قضاء شهر يحمل قدرًا كبيراً من القدسية والاكتفاء بالبقاء في المنزل. وذكرت صحيفة "لوبوان"، أن السلطات الدينية هذا العام أوصت بشدة بعدم التجمع مع الأسر أو الجيران في وقت الإفطار، وهي الوجبة التي يتناولها المسلمون بعد قضاء يوم كامل من الصوم، في حين أنها عادة ما تكون أهم فترة في اليوم حيث تعتبر مناسبة للتقارب الاجتماعي وربط أواصر المحبة ويسودها جو احتفالي في شهر رمضان. كما ركز صاحب التقرير على أن الحدث الاستثنائي الذي يعيشه مسلمو فرنسا يتمثل في إغلاق المساجد حتى إشعار آخر، حيث "لن يتمكن المسلمون من الذهاب للمسجد من أجل أداء صلاة التراويح الخاصة بشهر رمضان"، مشيرًا إلى أن هذا يتوافق مع تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرؤساء مجالس الديانات المختلفة على ضرورة الانتظار حتى أوائل يونيو أو منتصفه لإعادة فتح أماكن العبادة. وتحصي فرنسا قرابة 6 ملايين مسلم ممارس للشعائر الإسلامية وغير ممارس لها، مما يجعل الإسلام الدين الثاني للبلاد، والجالية المسلمة الفرنسية الأولى في أوروبا. بالمقابل ركزت نفس الصحيفة في تقرير آخر عن كيفية قضاء مسلمو إفريقيا شهر رمضان، مبرزة أن "غيمة كورونا تغطي هلال رمضان"، حيث أشارت إلى أنه "لن يكون لشهر رمضان هذه السنة نفس النكهة بالنسبة للمسلمين في إفريقيا، فهم بين مطرقة إجراءات الحجر الصحي الصارمة، وسندان الأزمة الاقتصادية، ودعم الفئات الأكثر حرمانًا". وذكرت أن الهدوء خيم في أول يوم من شهر رمضان في نيامي، عاصمة النيجر، بعد أعمال الشغب التي شهدتها المدينة احتجاجاً على إجراءات منع التجول ومنع الصلوات الجماعية الصادرة في إطار محاربة فيروس كورونا. وتابعت: "عدد قليل من الناس يضعون قناعًا واقياً، كونه مكلفًا للغاية لأصحاب الدخل المحدود، ولكنه إلزامي في نيامي منذ 10 أبريل، بينما يشتري الناس ما يكفي من الطعام لإعداد وجبة الإفطار قبل حلول الظلام". وأضافت: سيصوم المسلمون في باماكو، مقديشو، نجامينا، دار السلام، القاهرة وكيب تاون، خلال هذا الشهر، من شروق الشمس إلى غروبها وينخرطون في النشاطات الخيرية وتقديم يد العون للمحتاجين. وكانت منظمة الصحة العالمية دعت البلدان إلى "منع أعداد كبيرة من الناس من التجمع في الأماكن مرتبطة بأنشطة شهر رمضان، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحلات التجارية". وأشارت إلى أنه إذا كان الحجر يمنع الأجواء الاحتفالية، فإنه لا يعفي المسلمين "بصحة جيدة" من الصيام كما في السنوات السابقة. من ناحية أخرى، أضافت المنظمة أنه يتعين على المصابين بفيروس كورونا استشارة أطبائهم حول إمكانية الصيام "كما يفعلون مع أي مرض آخر". كما أكدت منظمة الصحة العالمية على ضرورة اعتناء الجميع بالصحة النفسية، فلا بد من طمأنة الأشخاص، بأنه لا يزال بإمكانهم ممارسة طقوسهم واستقبال شهرهم الفضيل.