هذا الاتفاق جاء بجهود مخلصة من قيادة المملكة التي دأبت على تلمّس هموم واحتياجات اليمن الشقيق دون منّ أو أذى، وقوف ومعاضدة ينطلقان من واجب ديني وعروبي تجاه الأشقاء في الدم واللغة والجوار.. لا يستطيع أي منصف أن يتجاهل الأدوار الكبيرة التي تنهض بها المملكة تجاه تعزيز الاستقرار والأمن وإرساء العدالة، سواء في محيطها الإقليمي أو الدولي البعيد؛ فالمملكة وسط هذا الاصطخاب السياسي، وفي ظل ارتهان المنطقة وعلاقاتها الدولية التي تخضع لحالة من التبدلاّت والتغيرات، على اعتبار أن السياسة حالة ديناميكية دائبة الحراك، حيث تسعى كل دولة لإيجاد ذرائع لها ومسوّغات لممارسة هيمنتها والعمل على ثباتها والنأي بها عن التزعزع أو التقويض. كانت المملكة - ومازالت منذ التأسيس - متمسّكة بفاعليتها وحضورها السياسي الرزين الرصين الذي يسعى لترسيخ قاعدته ومحددات وشروط بقائه وفق سياسة متوازنة لا تداهن ولا تمارس التحذلق السياسي أو التدخُّل في شؤون الغير، فهي تضع نفسها على مسافة احترام وتقدير والتزام بحقوق الجوار والسيادة سواء لها أو للغير، وهو ما أكسبها احتراماً وصيتاً وثقة على المستوى الدولي، يزداد مع الزمن فاعلية والتزاماً وثباتاً. بالأمس شهدنا خطوة تاريخية جديدة اتخذتها المملكة العربية السعودية باتجاه تدعيم السلام وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة العربية، هذه الخطوة الموفّقة تمثّلت في تحقيق اتفاق الرياض الذي جرى توقيع مراسيمه أمس الأول برعاية من حكيم الأُمّة المُسدّد، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله - وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان الذي تابع وبارك هذا الجهد المبارك المفضي - بحول الله – لصون اليمن الشقيق الذي كادت أن تعصف به رياح الشقاق والتشرذم والفوضى، ولم يكن بمنأى عن مخاطر جمّة كانت ستقضي على إنسانه وأرضه ومقدّراته، وعانى خلال السنوات الماضية حالات من الاقتتال والصراع الدموي العنيف والتجاذبات السياسية التي كادت أن تفضي به للمجهول. ولم يكن ليحدث هذا لولا التدخّل السافر من النظام الإيراني الفاشي الذي بذر بذور الصراع والفتنة موظّفاً كل طاقاته الاستراتيجية والتكتيكية واللوجستية لتحقيق وخدمة أهدافه العقائدية والسياسية عبر آليات عديدة بغرض تصدير ثورته للدول المجاورة والتغلغل في نسيج العالم العربي ومنها اليمن الشقيق؛ هذا البلد الذي كان يوصف باليمن السعيد لامتياز جغرافيته وموقعه الجيوسياسي المهم، وهذا التدخل في اليمن هو امتداد لسياسة إيران الماكرة التي دأبت على تطبيق أدبيّات نظامها التي تقضي بنشر المذهب الشيعي، وكذلك العمل وفق توجيهات وتعليمات مرشدهم الأعلى للثورة، آية الله علي خامنئي الذي يوجّههم باستمرار عبر المراجع ورؤساء الحوزات الدينية والمفكرين والباحثين ومن خلال المؤتمرات التي يتم عقدها باستثمار كل الفرص المتاحة في تحقيق هدفهم في تعميم المذهب الاثني عشري مستصحباً معه وعوداً بخروج المهدي المنتظر المخلّص والذي سينشر العدل والخير وفق معتقداتهم الراسخة في وجدانهم. إنّ اتفاق الرياض يشكّل ضربة قاصمة لهذا النظام وملاليه؛ فقد كان طوق نجاة لليمن، أعاده لمحيطه العربي وحرّره من هيمنة النظام الإيراني الشرّير. وبرغم عظمة الإنجاز إلا أن هذا يجب ألا ينسينا أن نظام بهذا الخبث والمكر والنزعة الشريرة لن يتخلّى عن أدبياته وأطماعه وأيديولوجيته التي يسعى لتطبيقها، فهو ينطلق من منزع استعلائي وأطماع توارثها حُكّامه حاكماً عقب حاكم، ومن يتتبّع جذور فكرهم وعقليّة حكّامه وخرائطهم الذهنية يدرك تماماً أنها أطماع وأيديولوجيا راسخة المعتقد ولم تعد مضمرة كما في السابق؛ فهم يجاهرون بها في كل مناسبة، بل يتوقّحون بالصدع بها تارة والتهديد تارة وأخرى بالاستقواء بذيولها وعملائها في المناطق المجاورة، وكما يحذّر المفكّر المصري مصطفى محمود بأنّ التآمر مستمر.. بل إنه يتسارع إلى ذُروته.. ويتساءل: ألم تأتِ اللحظة التي نُعيد فيها حساباتنا.. وننظُر إلى ما يجري حولنا ببصيرة أكثر عمقاً.. إن الأحداث لا تتحرّك فرادى.. ولا تسير منفصلة.. وإن بدت في الظاهر منفصلة.. اليوم اليمن الشقيق أمام تحدٍّ كبير في أن يحافظ على هذا المكتسب ويحرص على عدم تبديده؛ فالمطلوب منه أن يسعى جميع قادته ومسؤوليه للالتفاف حول بعضهم البعض؛ ويعملون بكل ما أوتوا من عزيمة وثقة ويقين بتكاتفهم ووطنهم بأن يتجاوزوا خلافاتهم ويمارسون فعلاً سياسياً حقيقياً صادقاً لا مجرّد تعويم للمسألة السياسة والوحدوية؛ عليهم أن يعملوا على بناء حقيقي لوطنهم من خلال تحديث سياسي وبنيوي يحافظ على هيكلية كيانه، تحديث يتجاوز الشكليات والقشور، بل يطال بنية الذهنية اليمنية وألا يرتهن أبناؤه لصخب الاختلاف وضجيج الأطماع وإغواءات التفرقة والتدخّلات ممّن لا يضمرون لبلادهم خيراً. هذا الاتفاق جاء بجهود مخلصة من قيادة المملكة التي دأبت على تلمّس هموم واحتياجات اليمن الشقيق دون منّ أو أذى؛ وقوف ومعاضدة تنطلق من واجب ديني وعروبي تجاه الأشقاء في الدم واللغة والجوار. لا شكّ أن مستقبل اليمن بتضافر الجهود المخلصة من الأشقاء وفي مقدمتهم دولة الإمارات العربية الشقيقة يعد بالخير والنماء متى ما كانت النوايا صادقة، فهي السياج الذي سيحمي يمن الخير والعز من التشرذم والتأرجح بين أطماع نظام الملالي ومن يتبعهم من مرتزقة وعملاء.