الدور السعودي يمكن فهمه عبر الوصول إلى حقيقة تاريخية تقول: إن المملكة كانت - وما زالت، وستظل - الدولة القادرة على تحمُّل مسؤولياتها في تحقيق التوازن، والاستقرار، والأمن في المنطقتين العربية والخليجية.. تحملت المملكة مسؤولية كبرى منذ إنشائها تجاه جيرانها في الخليج والشرق الأوسط، والأمثلة كثيرة والأحداث متعددة، فعلى مستوى الأمن والاستقرار شكلت أزمة احتلال الكويت في التسعينيات نموذجا واضحا لهذه المسؤولية السياسية والأمنية؛ حيث كان الاعتماد الكامل في حل هذه الأزمة يقع تحت مسؤولية القرار السعودي، من جانب آخر فإن التهديدات الإيرانية للبحرين طرحت نموذجا آخر لحجم المسؤولية السعودية ودورها في تحقيق التوازن وحفظ استقرار المنطقة منذ أن نشأت السعودية في بداية القرن العشرين. تاريخيا لعبت المملكة دورا محوريا في قضايا الشرق الأوسط ابتداء من القضية الفلسطينية حتى الأزمة الإيرانية الحالية، التي تعصف بالمنطقة، المملكة قبلة القرار العربي وفقا لمعطيات التاريخ ونتائج الأحداث، ولا يمكن اغتصاب المفهوم التاريخي للدور السعودي عبر تأويلات مختلقة عن الصورة التي يبدو عليها هذا الدور السعودي عربيا وخليجيا. في ظل الأزمة الإيرانية يمكننا طرح السؤال الأهم حول من لديه القدرة سوى المملكة على بناء مظلة سياسية عربية وخليجية تتجانس فيها الرؤى والمواقف حول أزمة كثيرة التعقيدات وتخلتط فيها المواقف الدولية والإقليمية بشكل مربك، فالعالم القوي الذي تمثله أميركا في هذه الأزمة يسعى إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وإلى تغيير سلوك هذه الدولة في المنطقة، وعلى الضفة الخليجية الأخرى تقع دول الخليج التي تقودها المملكة، والتي وبحكم دورها التاريخي تقود المنطقة العربية والخليجية، وتضع الفرضيات الأساسية المتعددة حول إمكانية نشوب حرب من عدمها وفهم الآثار المحتملة، فالمنطقة أمام النهج الإيراني، ومنذ بداية الثورة قبل أربعة عقود تعيش في مواجهة مشروع إيراني أيديولوجي، يهدف إلى تمكين إيران وأذرعها العسكرية من زراعة نفوذ مباشر وغير مباشر في جميع الدول العربية دون استثناء. الوجود الأميركي بهذه الصورة العسكرية الهائلة يتطلب موقفا سياسيا من الدول المحيطة، وهذا ما قد يسهل على الجميع فهم الدور السعودي الحاسم، وقدرته على قيادة دول المنطقة، ليس من أجل أن تبدي دول المنطقة رغبتها في نشوء حرب مباشرة، أو حتى المساهمة في اقتراح حلول دبلوماسية وحوار مباشر، ولكن المسؤولية الأهم في المنطقة تتمثل في الوقوف على حجم الارتياب الإيراني الدائم، وإيمانها بأن أميركا عازمة على إخضاعها، وقدرة أميركا على تحقيق حصار اقتصادي فعال يمكنه اخضاع إيران، ومن ثم معالجة الموقفين العربي والخليجي وفق هذه المعطيات والآثار المحتملة الناتجة من أي من الحلول سواء كانت الحرب أو كان الحوار مع إيران. الدور السعودي عبر هذه الأزمة الإيرانية والمتمثل في الدعوة إلى إقامة مؤتمرات وقمم إقليمية - مرتبط بحجمه في المنطقة، عبر معالجة ردود الأفعال الإيرانية المحتملة تجاه المنطقة بأكملها، وتحديد المواقف والأدوار تجاه التهديدات الإيرانية التي يمكنها أن تتصرف بشكل طائش وغير خاضع لأي شكل من المعايير الدولية. المسؤولية السعودية في المنطقة خيار تاريخي لا مفر منه، بل يستحيل تجاوزه عمليا، فعبر هذه الأزمة يثبت للعالم أن الحجم التاريخي السعودي يتجاوز المؤثرات السطحية، التي قد تفتعل في مساحات إعلامية موجهة، فبلورة الدور السعودي وظهوره في الأفق أسهما في نشوء كثير من محاولات سياسية تقوم بها دول لا تمتلك القدرة على التعبير سوى عن موقفها الفردي؛ بهدف التقاطع مع مسار سياسي يجمع الدول العربية والخليجية وفق رؤى منسجمة وواضحة. السياسة الأميركية تجاه إيران تحتاج إلى تعزيز وحسم موقفها، وتحديد الخيار المناسب بين طرفي سياستها الدائمة مع إيران، سياسية "الضغط والحوافز" أو "العصا والجزرة"، وهذا ما يمكن تحقيقه عبر الدور السعودي، فهو الدور الوحيد القادر على بلورة الاتجاه العربي لإغلاق الملف الإيراني بموقف واضح، يضع حدا لكل تجاوزاتها النووية أو السياسية أو العسكرية عبر تدخلها السافر في دول المنطقة، ففي معايير القوة إيران ليست في موقع يمكنها خلاله أن تواجه أميركا، ولكن أميركا لديها القدرة على تغيير السلوك الإيراني في المنطقة، ومحاصرة طموحات طهران للحصول على السلاح النووي. الدور السعودي يمكن فهمه عبر الوصول إلى حقيقة تاريخية تقول: إن المملكة كانت - وما زالت، وستظل - الدولة القادرة على تحمُّل مسؤولياتها في تحقيق التوازن، والاستقرار، والأمن في المنطقتين العربية والخليجية، فالمملكة وعبر دورها السياسي والدبلوماسي في هذا التوقيت حيث الأزمة الإيرانية، إنما تهدف إلى تخفيف التفاوت السياسي بين دول المنطقة من حيث النظرة إلى إيران سياسيا واستراتيجيا، عبر جلب الجميع إلى تفاهم مباشر حول ما يجب فهمه واتخاذه.