جامعاتنا لا تحتفي بآدابنا الشعبية.. ولا تضع أي اعتبار أكاديمي لهذه الآداب.. وبرغم أن هذه الجامعات تظهر مدى ارتباطها بتراث المجتمع.. إلا أن الشعر الشعبي لا يلقى أي اعتبار من جامعات يفترض فيها الحياد المعرفي والحفاظ على تراث المجتمع.. في معظم الجامعات العالمية يستقل الفلكلور بدراساته الخاصة والتي تعرف في التقسيم الأكاديمي بالدراسات الشرقية.. إذا كان الفلكلور شرقياً.. أو الدراسات الاجتماعية والدراسات الأدبية.. ولكن يظل لهذه الدراسات التي تتمثل في الثقافة الشعبية الأسطورة الأشعار الشعبية السالفة، الحكايات الشعبية وضعها الأكاديمي الطبيعي.. ولا ينظر لها على أنها دراسات أوجدت للفراغ الأكاديمي.. وقد يستخف بعض الأكاديميين بهذا النوع من الدراسات ويصنفونه تصنيفاً هامشياً لا عتبارات اجتماعية أو لغوية فقد كان اللغويون يعتقدون أن أي نقد يتصل بالشعر الشعبي يجب ألا يؤخذ فيه بالمناهج النقدية التي عادة ما يحتكم إليها في نقد الشعر العربي الفصيح وذلك بسبب كونه شعراً عامياً وهو خطأ منهجي لا يستند إلى أساس موضوعي. كان الأدباء الصينيون في القرن الخامس الميلادي يضعون قيوداً صارمة على الأشعار الشعبية، وكانوا لا يريدون لهذه الأشعار أن تقترب من الفصحى.. هذا الموقف حسم.. وصارت جامعة بكين تتوسع في دراسات الآداب الشعبية وأصبحت الروايات والأشعار الشعبية تقتحم برامج الدراسات الأدبية.. ولقد كان للشعر الشعبي الصيني إنجازه الباهر في دفعه هذه الأشعار إلى الواجهة.. وإلى جانب جامعة بكين يوجد عشرات الجامعات في الغرب فمثلاً جامعة برنستون الشهيرة تدرس الآداب الشعبية ضمن قسم دراسات الشرق الأدنى وكذلك جامعة إنديانا الحكومية وسط الشرق الأميركي تعتبر من أوائل الجامعات التي تهتم بالدراسة الشرقية، وجامعة كولومبيا في نيويورك، وجامعة واشنطن الحكومية، وجامعة جورج تاون في العاصمة واشنطن، وفي غرب أوروبا تأتي أكسفورد والسوربون في طليعة الجامعات التي تعنى بالفلكلور والآداب الشعبية. جامعاتنا لا تحتفي بآدابنا الشعبية.. ولا تضع أي اعتبار أكاديمي لهذه الآداب.. وبرغم أن هذه الجامعات تظهر مدى ارتباطها بتراث المجتمع.. إلا أن الشعر الشعبي لا يلقى أي اعتبار من جامعات يفترض فيها الحياد المعرفي والحفاظ على تراث المجتمع. والذي أقل ما يجب إنشاء مركز لدراسات هذا الشعر كيف يتسنى لنا أن نتعرف على الهجرات التي مرت واستوطنت هذه الأرض؟ ثم كيف لنا أن نتصور حياتهم الاجتماعية ما لم نقرأ في إشعارهم الشعبية؟ ثم كيف لنا أن نتعرف على ثقافتنا الشعبية فهذا التراث الشعبي هو أحد دواوين ثقافتنا فالاحتفاء بعطاءات زمن فائت يعني التأكيد على روح الأمة واستمرارية تاريخها وهو أحد الوسائل لنقل التجربة التاريخية فالتطلع الحضاري المعاصر لا يبنغي أن يكون بالضرورة مبنياً على نبذ تراث الماضي بل يبنى على احترام الماضي بدراسته والتمسك بمعانيه. في عام 1981م قامت ليريك اليسون الطالبة الأميركية بقسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون برحلة علمية إلى الرياض لجمع مادة رسالتها للدكتوراه عن تغريبة بن هلال وحروب آل ضيغم كانت مصادرها الرئيسة الروايات الشفهية والأشعار الشفوية. أمضت ليريك فترتين في جمع مادة رسالتها الأولى من نوفمبر 1981م إلى نهاية يونيو 1982م والأخرى من فبراير 1983م إلى نهاية مارس 1983م وفي عام 1993م زرت جامعة برنتسون واطلعت على رسالة ليريك الأصلية وكانت ليريك قد نشرت نسخة مختصرة باللغة العربية معدلة عن الرسالة الأصلية. قالت ليريك حين هاتفتها في مقر عملها في باريس إنها مولعة بالتراث الشرقي وخصوصاً الشعر والروايات الشفوية. لقد ترك الشرق تأثيراً على كثير من الدارسين في الغرب كالناقد الألماني ملياند والكاتب النمساوي كرلباسر والإيطالي كوسي والكاتبة الأميركية هاريت وعلى ليريك نفسها فلو كان في إحدى جامعاتنا مركزاً للآداب الشعبية لكان هذا المركز أداة جذب لثقافتنا الشعبية.