أكد الباحث فؤاد المغامسي أن المطلع على الوثائق والمصادر التاريخية يكبر إنسانية المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي ضرب في أحلك الظروف أمثلة عظيمة تجاوز بها مفاهيم الناس حول جَلَد المحارب العسكري وقسوة الظروف ليرسم ومن خلال حصاره للمدينة المنورةوجدة كمثالين، صورة القائد الإنسان الذي غرس في أتباعه وجنوده الرحمة والعطف ففي الحصار الأول يسمح للأهالي بالإمداد الغذائي ليتزودوا بالحَب والسكر والشاي، وفي الثاني يجهز ميناء رابغ بديلاً لجدة ويستقبل الحجاج ويشرف بنفسه على أمنهم وراحتهم داحضًا الشائعات التي راجت آنذاك من صعوبة أداء المناسك جراء الأحداث المتوترة التي مرت بها البلاد، فضلاً عن العفو العام الذي أصدره بحق خصومه السياسيين آنذاك والذي تتجلى به عظمة أخلاقه ورسوخ إيمانه. الملك يحاصر المدينةالمنورة ويمد سكانها بالغذاء.. ويمنح الحجاج جل اهتمامة لراحتهم في «عز» حرب توحيد الوطن وقال: تجلت في شخصيته صفات القادة وعصفت في تاريخه حكاية الملك المحارب الذي استطاع أن يوطد أطراف الجزيرة العربية ويجمعها في كيان واحد، انتقل به وأبناؤه إلى الازدهار والأمن والأمان، كما تجلت في ذلك المحارب شخصية الملك الإنسان فكثرت الأخبار في حياته وتعددت، ففي كل منطقة في أرجاء الوطن له بها صولة وجولة، فالوطن يضم أهم بقعتين على وجه الأرض مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، حيث تحدثت عن قصة ضم المدينتين المقدستين العديد من الروايات وتناولتها من جوانب متعددة، أبرزها الجانب الإنساني في شخصية ذلك المحارب الذي استطاع في خضم توطيد هذا الكيان وفي أوج تلك الظروف القاسية التي كانت تحيط به سواءً من الناحية السياسية والعسكرية والإعلامية استطاع أن يخرج منها بحنكة المحارب وحكمة القائد، فأهمية المدينتين المقدستين لدى عموم المسلمين وظروف الأحداث التي تحيط بهما سجلها التاريخ واقتبس منها إنسانية الملك المؤسس فيها. قصبة عجيبة في وقت حصار المدينة وأضاف: نقف عند ضرب الحصار على المدينةالمنورة لنجد أنه أغرب حصار مر عليها حيث يذكر التاريخ الشامل للمدينة المنورة أنه أثناء الحصار بدأ مخزون البيوت من البضائع يشح وتضاءلت البضائع من الدكاكين وخاف الناس من ارتفاع الأسعار مما حدا بعض الأهالي للخروج إلى منطقة الزهرة والتي تبعد عن مركز الحرم بسبعة كيلومترات تقريباً حيث معسكر جنود الملك عبدالعزيز الذين شاهدوا بعض الأهالي يخرجون من المدينة ومن قلب الحصار لا يحملون السلاح فأحاطوا بهم ثم أخذوهم وأكرموهم وسمحوا لهم أن يأخذوا بعض القمح والأرز والسكر والشاي ويعودوا إلى أسرهم فصار يخرج كل يوم ما بين 30 إلى 40 رجلاً وكل واحد يأتي بثلاثة أمداد حب ورز وسكر وشاي, ومن العجيب أنه بدأت تتزايد أعداد الخارجين من الحصار حتى أقيم مخيم بالقرب من أحد البساتين هناك وكان ذلك سنة 1344ه فأصبح الحصار من قبل جند المؤسس أمن لهم بعد الله سبحانه وتعالى. وقال: نجد أن جنود الملك عبدالعزيز قد استلهموا الجانب الإنساني من شخصية قائدهم واتباع أوامره وحنكته في حصار مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاعت أخبار ذلك الحصار وبلغت الأمصار ويظهر ذلك في تشخيص الملك فؤاد ملك مصر لشخصية الملك عبدالعزيز وأن الجانب الإنساني لهذا المحارب يطغى على العسكري حيث ذكر في نهاية برقيته المؤرخة في 11 صفر سنة 1344ه -3 أغسطس سنة 1925م قبيل فك الحصار عن المدينةالمنورة: "ولكن ما نعتقده في شديد غيرتكم الدينية لما يطمئن قلوبنا والمسلمين عامة على صيانة الحرم النبوي الشريف وآثار السلف الصالح بالمدينة والسلام عليكم ورحمة الله، الملك فؤاد" وفي برقية مماثلة كان رد الملك عبدالعزيز لملك مصر حاضرة ففي 16 صفر 1344ه أرسل له الملك المؤسس: "يا حضرة صاحب الجلالة ملك مصر المعظم الملك فؤاد دامت معاليه، إني أشكركم من صميم فؤادي على غيرتكم الدينية وأني أقدر ما شرحتموه في برقيتكم حق قدره, إن حرم المدينة كحرم مكة نفديه بأرواحنا وكل ما نملك وأن ديننا يحمينا عن الإتيان بأي حدث في المدينةالمنورة وسنحافظ على آثار السلف وكل ما هو في المدينة مما يهم كل مسلم المحافظ عليه. عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود". فتبرز هذه البرقيتين ذلك الجانب الجميل وتلك المقدرة العالية من الملك المؤسس في فن التعامل مع مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرها وأكرمها أثناء حصارها. صور إنسانية في الحج وذكر الباحث التاريخي صورة أخرى لإنسانية المؤسس وذلك في موسم الحج وخضم الأحداث بالقرب من جدة حيث الميناء ومركز الحصار القريب من مكةالمكرمة حيث تذكر المصادر والوثائق التاريخية المؤرخة في 1343ه أن مكةالمكرمة كانت مستقرة ولكن أقرب ميناء لها وهو جدة كان تحت الحصار، فشاعت الأخبار في الإذاعات في ذلك الزمان بأن الحج سيصعب على المسلمين لعدم وجود بدائل خاصة القادمين عبر البحر هذا عدا أن الأوضاع في الحجاز كانت متوترة بالإجمال ولكن قام الملك عبدالعزيز بعدة خطوات تدل على حرصه لتسهيل الحج ومتابعة حال الحجيج وتنظيم رحلتهم ووصلوهم إلى المشاعر وبنفس الوقت دحض الأقاويل حيث كانت الخطوة الأولى: القيام بتجهيز ميناء رابغ كميناء بديل لاستقبال قوافل الحجاج فقد ذكرت المصادر التاريخية أنه وصلت القافلة الأولى من الحجاج من الهند بتاريخ 26 ذي القعدة 1343ه, ومن قرقيزستان وعليها 895 حاج. وهكذا حتى توالت قوافل ضيوف الرحمن، أما الخطوة الثانية: توفير الجمال للقوافل في رابغ وتأمين الطرق إلى المشاعر المقدسة, وأما الخطوة الثالثة: هي ذهابه بنفسه لقيادة حجاج بيت الله الحرام والإشراف عليهم طيلة موسم الحج، ويذكر فؤاد بك حمزة وهو أحد المقربين من الملك المؤسس "أن معظم الناس لا يعلمون عن شخصية جلالته إلا قليل مما يرونه من جلائل أعماله ومما يسمعونه من أخبار.. أما نحن ألصق الناس بجلالته فنعلم مزاياه الخلقية العظيمة وسجاياه العمرية وأخلاقه المرضية وما جمع من نبل وكرم وشهامة "ويتضح ذلك ما قام به المؤسس - ما ذكرته الوثائق التاريخية - أنه أصدر بلاغاً سلطانياً تحت مسمى "عفو عام" لكل من كان في المدينتين المقدستين" فقد خبر عظم المكان وعظم العمل وعظم العفو. بلاغ العفو العام الذي أصدره الملك عبدالعزيز الباحث فؤاد المغامسي خالد الزايدي