وثق الأدباء مواسم الحج التي عاصروها فخلدوا ذكراها لمن بعدهم يجتمع المسلمون في كل عام بمكة المكرمة لتأدية فريضة الحج والتي تعتبر تجمعا ثقافيا بجانب أجوائها الروحانية للطاعة والعبادة، فالأدباء والمؤرخون والرحالة الذين قدموا لمكة لم يفوتوا فرصة الكتابة عنها وعن عظمتها وروحانيتها بتوثيق رحلاتهم، كتبوها شعرا ونثرا، ودونوها قصصاً وروايات، ووثقوها صوراً، فألفت الكثير من الكتب، يحكي كتابها للأجيال التي تليهم عظمة ومكانة الحج في نفوسهم وكتاباتهم، بيد أننا في زمننا هذا لم يعد هناك الاهتمام اللازم بإصدار الكتب والروايات وإجراء اللقاءات والندوات الأدبية عن الحج، فموضوع الحج يكاد يندثر من النتاج الإبداعي لدينا، إذ يندر أن تقوم الأندية الأدبية باحتضان المثقفين والأدباء الذين قدموا لمكة من أنحاء العالم؛ ليحكوا عن رحلتهم، وينثروا ما كتبوا من شعر ونثر عن وصف الأماكن المقدسة والأجواء الروحانية التي شهدوها، فالحج مؤتمر أدبي سنوي، إلاّ أنّه حالياً يكاد يكون بلا أدب! وذكرت د.ملحة عبدالله أنّ الأدب الشعبي تناول شعيرة الحج في الوطن العربي بشكل عام، مستشهدة على ذلك بما يرسم على منزل العائد من الحج، حيث لابد أن ترسم صورة الكعبة بشكل رمزي على واجهة منزله، ووظيفة هذا الرسم بأن يعرف العابرون أن صاحب المنزل ذهب للحج "هذا يكسبه شرفا ورفعة ويطلق عليه لقب حاج وهو لقب شرف في العرف الشعبي فلا يطلق لقب حاج إلا لمن زار بيت الله وعاد بذنب مغفور"، مبينة أنّه في الشعر أيضا تناوله العديد من الشعراء السعوديين من الجيل السابق وأيضا من العرب، ممثلة بقصيدة للشاعر بيرم التونسي "القلب يعشق كل جميل" والتي غنتها أم كلثوم في وصف دقيق لرحلة الحج منذ بدايتها، وهناك أغنية "الثلاثية المقدسة" وفيها حديث عن الحج إلى البيوت الثلاثة المقدسة وهي من تراث الغناء العربي، مضيفة "أنه حتى في أهازيج الأطفال نجد الحج حجيج بيت الله والكعبة ورسول الله". وأشارت إلى أنّ هناك العديد من الكتب التي تتحدث عن الحج ورحلاته كتبها مؤرخون عرب منذ زمن بعيد منها كتاب الرحلة الحجازية للواء المصري محمد صادق باشا، بيد أننا كأدباء وخاصة في العصر الحديث نبتعد عن استلهام شعائر الحج في أعمالنا خوفا وتقديرا لقدسيتها، فحين استلهم المخرج المصوري صورة الكعبة على المسرح أوقفت مسرحيته وحدث احتجاج واسع النطاق "إذ الشعائر المقدسة لها هالة تجعلنا نقدرها". وأوضحت عميدة المسرح السعودي أنّها خصصت حلقة كاملة في برنامجها "حكايات ملحة" والذي أذيع في شهر رمضان الكريم عن المشاعر والوجدانيات التي اعترتها أثناء أداء فريضة الحج "وهذا واجب على كل واحد فينا ألا يُغفِل ما يحسه في هذا اليوم العظيم"، مضيفةً: "لا تكون هناك برامج ثقافية وندوات ولقاءات عن الحج لأمرين هامين أولهما أننا نحن موطن الحج وأي حديث في هذا الموضوع لن يرقى إلى ما نشعر به، وبطبيعة الحال أغلبنا قد حج، ثانيا أن الخطاب المنبري لا يؤتي ثماره كالأدب، ولذا فأنا أميل إلى استلهام هذه الشعائر في إبداعاتها لكي يكون الأثر النفسي أكبر وأقوى".