انظر إلى الناس المحيطين بك فترى أن كثيرين من الرجال في أواسط العمر بدأوا يفقدون شعرهم. وهؤلاء لهم الحق في طرح السؤال: ماذا يفعل العلم حيال ذلك؟ الظاهر أن العلم يفعل الكثير... على سبيل المثال، ثمة شركة بريطانية تقول ان خمسة رجال يتجولون اليوم بمئات خيوط الشعر الجديدة على رؤوسهم بفضل التجارب الأولية بما أطلق عليه اسم استنساخ الشعر. وهنالك مؤسسة أميركية تنوي أن تجرب مقاربة مماثلة في السنة المقبلة. ويتعقب علماء آخرون الجينات التي تجعل بعض الرجال يخسرون شعرهم ويحاولون فهم التفاعل البيولوجي الغامض وراء هذه الحالة. مثلاِ لماذا يخسر الرجال الشعر من قمة الرؤوس في حين أن شعر اللحى، بل وحتى رموش العين تحافظ على قوتها؟ إن الرجال السمر أقل عرضة لتساقط الشعر، ولكن حوالي ثلث الرجال البيض في سن الثلاثين لديهم مؤشرات إلى مايسميه الأطباء الصلع النمطي الذكوري. ومع وصولهم إلى خمسينات عمرهم يصبح حوالي نصف هؤلاء مصابين بالصلع فعلاً. وتزحف الحالة في أنحاء الرأس أشبه بثلاثة جيوش صغيرة ناشطة في قطع غابة الرأس: إحداهما يبدأ زحفه من الخلف والآخران يتوغلان من الجبهة الأمامية. طبعاً، البعض يعتبر الصلع جميلاً. وآخرون يدهنون رؤوسهم بمرهم مينوكسيديل (روغين)، أو يتعاطون أقراص Propecia، أو يجرون عملية زرع شعر. ويقول الدكتور كن واشنيك من معهد اديرانس للأبحاث في فيلادليفا الذي يجري أبحاثاً حول مقاربة استنساخ الشعر: «في الحقيقة الوقت الراهن هو أفضل وقت في التاريخ للإصابة بالصلع لأن ثمة أشياء كثيرة يمكن عملها حيال الحالة». غير أن الأدوية لا تفيد الجميع وعمليات زرع الشعر لاتهم كل واحد منهم. ولذلك المجال متاح لتجربة مقاربات جديدة. من المفيد أن نفهم ونعرف شيئاً عن الشعر وعن «صلع النمط الذكوري» لكي نفهم البحث عن أساليب المعالجة الجديدة (بوسع النساء أيضاً ان يصبن بالصلع الناجم عن الهورمون على غرار النمط الذكوري، إلا أنه ليس واضحاً ما إذا كان الصلع النسوي نفس الحالة فعلاً. كل إنسان يبدأ حياته بحوالي 100,000 حويصلة شعر على فروة رأسه، وكل حويصلة مجهزة لإنتاج أنبوب شعرة مفردة. وعادة تضخ أي حويصلة بأنبوب الشعر لمدة تتراوح بين سنتين وست سنوات، ثم ترتاح لبضعة أسابيع، ثم تخلع تلك الشعرة وتبدأ الدورة من جديد. وبهذه الطريقة يفقد المرء حوالي 100 شعرة من رأسه يومياً. وهذا ليس مشكلة لأن عدداً مماثلاً من الحويصلات تدخل مرحلة الإنتاج في نفس اليوم، بحيث أن 90 إلى 95 في المائة من الحويصلات تكون مشغولة بإنتاج شعر جديد في أي وقت من الأوقات. إلا أن هذه العملية المنتظمة تتعطل في بقع مختارة على فروة الرأس عند بعض الرجال. وتصبح مرحلة تربية الشعر أقصر بالتدريج فيما تصبح فترات الراحة أطول. وعليه تصبح خيوط الشعر الناتج أقصر طولاً مع كل رحلة في الدورة. وفي النهاية لا يطل الشعر الجديد حتى من الفروة. والأكثر من ذلك أن الحويصلات المصابة تحتاج إلى وقت أطول لمباشرة إنماء الشعر مرة أخرى بعد أن تكون قد تخلصت من الشعرة الأخيرة. كما تتقلص الحويصلات ولذلك يكون الشعر الذي تنتجه أنعم وأرفع. والأمر أشبه باستبدال الأشجار الباسقة على رأسك بالشتول. والعدد الإجمالي للشعر الباقي يتراجع بحوالي خمسة في المائة سنوياً. وماذا يسبب ذلك؟ إن الصورة الكاملة غير واضحة إلا أنه من الواضح أنه ينطوي على جملة من الحساسيات الجينية (الوراثية) والهورمونات، بما فيها هورمون التستوستيرون الذكوري. ويبذل الباحثون جهوداً كبيراً لاكتشاف المواد البيوكيمائية الفاعلة داخل الحويصلات والتي يمكن التلاعب بها بغية مكافحة الصلع. ويقول ستيفن هاراب، من جامعة ملبورن في أستراليا، انه في ما يتعلق بالوراثة أشارت الدراسات إلى جينة معينة ينبغي أن تكون موجودة للإصابة بالحالة ولكنها ليست كافية لإنتاج الصلع بحد ذاتها. ويعتقد رودني سينكلر، زميل هاراب في نفس الجامعة أن الاصابة بالحالة قد يلزمها وراثة نسخ معينة من خمسة جينات. وفي إنكلترا بدأت شركة تدعى Intercytex تجاربها البشرية لمقاربة تدعى استنساخ الشعر. وتركز هذه الطريقة على نوع معين من الخلايا يوجد في قاع الحويصلة ويستطيع أن يتضافر مع خلايا جلدية لإنتاج حويصلات جديدة. وتقضي المقاربة باستخلاص بعض الخلايا من بعض المناطق التي تقاوم الصلع على رأس الرجل ووضعها في صحن المختبر وتكثير عددها ألوف المرات، ثم إعادة حقن هذه الخلايا الجديدة في الفروة حيث ستعمل مع خلايا الفروة (الخلايا) لتشكيل حويصلات جديدة. وهكذا وبخلاف ما يحدث في عمليات زرع الأعضاء- يحصل الرجل على عدد أكبر من خيوط الشعر مما كان عند بدء المعالجة. وقد جربت الشركة الطريقة مؤخراً على سبعة رجال كان شعرهم خفيفاً بسبب صلع النمط الذكوري- وزاد الشعر على رؤوس خمسة منهم حسب بول كيمب الرئيس العلمي لشركة إنترسايتكس، الذي أشار إلى أن هذه كانت دراسة أولية لمعرفة ما إذا ستحدث آثار جانبية، كالالتهاب، إلا أنه لم تظهر أي مشاكل من هذا النوع. ولم تنتج عن المحاولة بقعة شعر جديدة. وقد كانت المنطقة التي عولجت بحجم قطعة نقود في بقعة كان فيها شعر أصلاً وليست صلعاء. ويقول كيمب: «لم نشأ أن نخلق لهم أنماطاً غريبة ورائعة على رؤوسهم. إنها بقعة صغيرة في منطقة مشعرة أصلاً. ولا أعتقد أنهم يستطيعون أن يلاحظوا الفارق. وفي النهاية يقول كيمب انه إذا جرت الأمور على مايرام في الدراسات التالية فإن التقنية تمكن جراحي زراعة الشعر من تغطية مساحات أكبر على الرؤوس الصلعاء. ومن المتوقع أن تبدأ الجولة التالية من الأبحاث على الإنسان في الصيف المقبل. ويعتقد كيمب أن الرجال قد يستغنون عن زراعة الشعر من أساسه يوماً ما ويستعيضون عن ذلك بحقنات من خلاياهم الخاصة للتعويض عن الشعر الذي تساقط من رؤوسهم».