يعرّف برنامج (قريب جداً) نفسه على أنه عبارة عن (لقاءات مع أرباب الفكر والفن والثقافة. وحوارات ساخنة مع أبرز الكتاب والفنانين والمفكرين في الشرق الأوسط يتحدثون فيها عن حياتهم وإبداعاتهم) وهو في هذا التعريف لا يبالغ، بل إنه يتواضع كثيراً، وذلك لأنه نافذة حقيقية على عوالم واسعة قد تكون مجهولة للمشاهد العربي العادي. فمن خلال البرنامج يمكنك الإطلاع على العديد من الفنانين والمبدعين العرب الذين لا تعرفهم بسبب عدم نيلهم حقهم الكافي من الظهور الإعلامي. وهو هنا يرفع ضيوفه إلى السطح كيما يتلقفهم المشاهد ويبدأ بمتابعتهم سواء بالقراءة لهم إن كانوا كتاباً، أو بمشاهدة أو سماع أعمالهم إن كانوا فنانين موسيقيين، مسرحيين أم سينمائيين.. البرنامج يأتي على قناة الحرة في الساعة العاشرة مساء كل سبت وهو من تقديم الشاعر اللبناني «جوزيف عيساوي» الذي يصر دائماً على مفاجأة مشاهديه بضيوف من ذوي القيمة والاعتبار.. فمن المشاهير استضاف نجوم سوريا الكبار (رفيق السبيعي)، (منى واصف) و(جمال سليمان)، كذلك ظهر معه اللبناني (إيلي شويري) والمسرحي العراقي الدكتور جواد الأسدي والمخرج المصري داوود عبدالسيد.. وفي كل مرة، ومع كل ضيف، ينزع (عيساوي) إلى البحث عن «رأي» الفنان، وعن «موقف» الفنان، فهو غير معني بالمشوار الفني للضيف من حيث هو «زمن» بل من حيث «قيمته» و«رسالته»، لذلك لن تجد عنده طرحاً مألوفاً ولا أسئلة تقليدية مكرورة.. في الحلقة التي ظهرت فيها السورية (منى واصف) أوصلنا (جوزيف) بأسئلته الذكية إلى عمق هذه الفنانة، واستل منها إجابات جريئة، استطاع من خلالها أن يتبين موقف (منى) الفكري وآراءها المختلفة حول العديد من القضايا، وأن يربط هذه بنوعية الأعمال التي قدمتها منذ بدايتها وإلى اليوم، لنجد في النهاية أن هذه الأعمال جاءت متسقة ومتطابقة مع أفكارها حتى لكأنها ترجمة حقيقية لها.. أيضاً فعل الشيء ذاته مع المخضرم (رفيق السبيعي).. أما مع المخرج المصري الرائع «داوود عبدالسيد» فقد طفحت الحلقة بروح حميمية دافئة استعدنا بها عبق الأفلام الرائعة التي قدمها في مشواره الطويل والغني، حيث تم الحديث عن أفلامه التسجيلية القديمة وعن سبب انقياده إلى هذا النوع من السينما، كما عرج «عيساوي» على تجربة المخرج مع الأفلام الروائية وأطال الحديث عن رائعته الإنسانية (الكيت كات) التي رسّخت اسمه كأبرز السينمائيين المصريين ذوي النزعة الواقعية. أما عن المواقف الفكرية والآراء الخاصة التي يحملها (داوود) فقد استطاع (عيساوي) نبش الكثير منها، والتي من أبرزها موقفه ك(قبطي) من صراع التيارات الدينية والفكرية في مصر، كما عبر عن سعادته بالعزلة التي يفرضها على نفسه، وابتعاده عن عالم نجوم السينما وعن التصنع والنفاق الذي يرافقه، فهو يعشق الهدوء والتأمل، ويكره الأضواء والصخب، ويشفق -وهذا المهم- على النجوم عموماً، وتحديداً على أولئك الذين انحسرت عنهم نجوميتهم وباتوا وحيدين يستذكرون أيام عزهم الغابرة التي ولت إلى غير رجعة.. و(جوزيف عيساوي) ينبش كل ذلك، وأكثر من ذلك، في برنامجه الذي يمكننا ضمه إلى قائمة البرامج الحوارية الأجمل في الفضاء العربي..