بطلب من رونالدو..تحركات في النصر لضم نجم ريال مدريد    الرئيس الكونغولي يعلن حالة الإنذار القصوى لمواجهة تفشي الكوليرا    أوبك+ تتفق على زيادة إنتاج النفط في أغسطس 548 ألف برميل يومياً    المركزي الروسي يرفع سعر صرف الدولار واليوان ويخفض اليورو    استشهاد 20 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    موسم جني بواكير التمور بالقصيم يعزز الحراك الاقتصادي بالمملكة    ضبط (17863) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    القيادة تهنئ رئيس جمهورية كابو فيردي بذكرى استقلال بلاده    رياح نشطة وأتربة على عدة مناطق في المملكة    ترامب يوقع مشروع الميزانية الضخم ليصبح قانوناً    إنزاغي: الهلال تأثر ببعض المتغيرات    الهلال يودع مونديال الأندية من ربع النهائي    فلومينينسي ينهي مغامرة الهلال في كأس العالم للأندية    القبض على مواطن في تبوك لترويجه «الإمفيتامين»    الهلال يُسيطر على قائمة الأفضل في مونديال الأندية 2025    أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الراجحي    يانيك فيريرا مديرا فنيا للزمالك المصري    وفاة الفنانة الإماراتية رزيقة طارش بعد مسيرة فنية حافلة    جمعية الدعوة بصبيا تُطلق الدورة العلمية الأولى لعام 1447ه بمحاضرة عن فضل العلم    محافظ صبيا يُدشّن حملة "لقمتنا ما تنرمي" للتوعية بأهمية حفظ النعمة في المناسبات    مجمع الملك سلمان وتنمية الحياة الفطرية يطلقان معجم "مصطلحات الحياة الفطرية"    نادي الصقور يعلن عن فعالياته في المملكة    السديس في خطبة الجمعة: الهجرة وعاشوراء دروس في اليقين والشكر والتوكل على الله    سمو ولي العهد يستقبل سمو نائب حاكم أبوظبي مستشار الأمن الوطني الإماراتي    بلدية عنيزة تُطلق مهرجانيّ «كرنفال السعادة» و«صيف عنيزة» بالتعاون مع القطاع الخاص بمتوسط حضور يومي يتجاوز 8000 زائر    جمعية الكشافة تختتم مُشاركتها في ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب    أمين منطقة القصيم يتفقد مشروعي امتداد طريق الأمير محمد بن سلمان وطريق الملك سعود بمدينة بريدة    الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران تطلق فعاليات برنامج أولمبياد أبطالنا 2025    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم مؤتمر: "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر يونيو 2025    بلدية محافظة الأسياح تنفذ 4793 جولة رقابية في النصف الأول لعام2025م.    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُُنفّذ "اليوم العالمي لمكافحة التدخين"    قطاع ومستشفى المضة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي لسلامة الغذاء"    قطاع أحد رفيدة الصحي يُفعّل "اليوم العالمي للبهاق" و "اليوم العالمي لإضطراب مابعد الصدمة"    محمد بن عبدالرحمن يُشرّف حفل سفارة الفلبين لدى المملكة    إنقاذ طفل ابتلع حبة بقوليات استقرت في مجرى التنفس 9 أيام    فرع هيئة الأمر بالمعروف بالشرقية ينظم ندوة للتوعية بخطر المخدرات    "ملتقى خريجي الجامعات السعودية يجسّد جسور التواصل العلمي والثقافي مع دول البلقان"    تأشيرة سياحية موحدة لدول مجلس التعاون.. قريباً    رئيس جمهورية إندونيسيا يغادر جدة    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    دعم النمو وجودة الحياة.. الرياض تستضيف"سيتي سكيب"    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    استعرض التعاون البرلماني مع كمبوديا.. رئيس الشورى: توجيهات القيادة أسهمت في إنجاز مستهدفات رؤية 2030    49.4 مليار ريال إنفاق الزوار في الربع الأول    الإنجاز والمشككون فيه    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المذهبيات «فرّق تسُد»
نشر في الرياض يوم 10 - 09 - 2015

وحّد الإسلام العرب، وجمع شتاتهم، وأنقذهم من العنصرية القبلية التي كانت جزءا من حياتهم، وسببا من أهم أسباب ما كانوا يعيشونه، وسعى جاهدا، هو ونبي الرحمة، أن ينأى العرب عن تلك الثقافة القبليّة، ويقتلعها من نفوسهم، غير أنها عادت من جديد، وثارت في نفوسهم مرة أخرى، وصحبها داء عنصرية أخرى، هو داء العنصرية المذهبية؛
ما صنعه الجاحظ في المقال المتقدم، وصدر في موقفه عنه، ويصدر عنه المذهبيون عامة، ويلتقون عليه، ويُجمعون على القول به، والاعتصام به، ولا يستطيعون الخروج منه، ولا التخلص من وَعْثائه، يجعلني مضطراً، وإن كان المذهبيون كافة يكرهون ذلك مني، أن أقول، وأُعيد عنوان المقال من جديد،: إن المذهبيات، وتأريخها في الإسلام، تكشف بوضوح عن أنها كانت، وأصحابها المؤمنون بها، يُفرّقون الأمة العربية والإسلامية، ويُعيدونها من جديد إلى مرحلة شبيهة بمرحلة القبيلة والقبليّة، وما فيهما من مفاهيم ومعان، تزرع الفرقة والشتات، وتسقي نبتتهما، وتجعل الهمّ الأول والأخير لكل مذهبية أن تكون لها السيادة دون غيرها، والمكانة دون سائر الناس؛ كما كانت حال القبائل العربية قبل الإسلام، حين كان الإنسان العربي يُعرف بقبيلته، وتتحدد مكانته حسبها، وليس حسب ما يأتيه من خير، ويُعين عليه من عُرف، وهذه الثقافة القبلية، وإن بقيت فينا، ودُفنت في وجداننا، فقد توارت قليلا، وضعف أثرها، حين غلبت عليها روح المذهبية، وفاقتها في جذب الناس، وحشدهم؛ حتى آلت بنا الحال، كما هو شأن داعش والمنتمين إليها، إلى أن أصبح الإنسان قادرا أن يقتل أباه وعمه وخاله، ولا يُبالي بشيء بعد ذلك، وكان في زمن هيمنة الثقافة القبلية يبذل كل جهده، وغاية عزمه، في الدفاع عنهم، والأخذ بثأرهم، وبهذا انتقل العربي، ويبدو أنه جرّ المسلمين معه، من الاحتماء بالقبيلة وثقافتها، والانتصار لهما، إلى الاحتماء بالمذهبية ودعوتها، وقتال الآخرين من أجلهما، وخرج العرب من عصر القبيلة إلى عصر المذهبية، ومن حقبة القبائل العِرقية إلى القبائل المذهبية.
وحّد الإسلام العرب، وجمع شتاتهم، وأنقذهم من العنصرية القبلية التي كانت جزءا من حياتهم، وسببا من أهم أسباب ما كانوا يعيشونه، وسعى جاهدا، هو ونبي الرحمة، أن ينأى العرب عن تلك الثقافة القبليّة، ويقتلعها من نفوسهم، غير أنها عادت من جديد، وثارت في نفوسهم مرة أخرى، وصحبها داء عنصرية أخرى، هو داء العنصرية المذهبية؛ فصار العرب في العصر العباسي مثلا يتهارجون بسبب الاختلافات الدينية، ويتغالبون بسبب الأفهام المذهبية، فقام بينهم من الأدواء شيء شبيه بما جاء الدين لمحاربته، والقضاء عليه؛ غير أنه هذه المرة خرج من المنظومة التي جاءت لمحاربة الاختلاف والشتات والفرقة، وهي منظومة الدين الإسلامي ونصوصه، وصار سبب الخروج من ورطة القبيلة وثقافتها، والمعين على وحدة العرب، وتخفيف آثار القبلية فيهم، على أيدي العرب سببا في عودة تلك الثقافة العنصرية بثوب جديد، وسيمياء مختلفة، وضعف أثر الدين في جمعهم، وتوحيدهم من جديد؛ لأن كل طائفة صارت ترى الدين هو دينها، والإسلام هو إسلامها، ولم يعد في مكنة طائفة من الطوائف أن تتنازل عن تصورها، وتُعطي الحق لأختها، فعُدنا لحال شبيهة بما كانت عليه القبائل العربية، وصار قول الشاعر أبي فراس الحمداني يصدق على العرب، قبائل عِرقية وقبائل مذهبية، أيضا:
ونحن أُناس لا توسطَ بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبرُ
وإذا كنّا في الماضي، وأقصد قبل الإسلام وبعده أيضا، نتفاخر بأحسابنا وأنسابنا، ونجعل الآباء، مهما كانوا، عُدّتنا، وسلاحنا في المحافل، ونتمثّل ظاهرا وباطنا بمقولة "كان أبي"؛ فنحن بعد شيوع المذهبيات الدينية، وفشو الانتماء إليها في ثقافتنا، وعدّها مَأْرِزا (ملاذا) يلجأ إليه الإنسان؛ ما زلنا على تلك المقولة، نُعيد تكريرها، وننطلق في حياتنا وَفْقها، والذي تغيّر في هذه المرحلة الجديدة أن أصبح الأب هو شيخ المذهب، وحامي الطريقة الدينية، غاب الأب النَّسبي، وحضر الأب المذهبي، وخرجنا من دائرة مغلقة إلى مثلها، وما لم نُجرِ المقارنة بين هاتين الحقبتين، ونعرضهما على محكمة العقل والتفكير؛ فلن نعي أننا ما برحنا نعيش في تلك الثقافة التي نزل الدين، وبُعث الرسول عليه الصلاة والسلام، لمحاربتها، وإنقاذ العرب، ومن ثمّ المسلمين، منها؛ فأشد بلاء كان العرب يعيشونه، وتنتقصهم الأمم بسببه، هو الفرقة القبلية، ولم يبعد بهم الوقت بعد نزول رسالة الإسلام؛ أن عادوا إلى هذه الفرقة؛ غير أنها صارت باسم المذهب الديني، وكانت قبلا باسم القبيلة.
المقارنة مفهوم من أنفع المفاهيم للناس، بها يعرفون الفوارق، ويدركون أوجه الاختلاف، وبها يختارون على بصيرة، ويُصدرون آراءهم، ويُدوّنون مواقفهم، على أساس مكين، وخطة حكيمة؛ فإن شئت أن تعرف قيمة شيء، مهما كان، فقارنه بغيره، وإن أردت معرفة قيمة إنسان فقارنه بغيره، وإن أحببت معرفة قيمة كتاب فقارنه بغيره، وكذا إن أردت أن تتعرف على قيمة مذهب ما فقارنه بغيره، وإن أردت أن تعرف قيمة مرحلة ما فقارنها بغيرها.
المقارنة نهج الباحثين الأحرار الذين يعنيهم أن يلمسوا أقدار الأفراد، والجماعات، والمذاهب، والمجتمعات، والدول، ويُريح عقولهم، ويُطَمْئن ضمائرهم، أن يكشفوا أوجه الاختلاف بينها، ويُوضّحوا وجوه الاتفاق؛ حتى يكونوا في مواقفهم أقرب إلى الواقع، وأكثر تعبيرا عن الحال، ويستطيعوا بعد هذا العناء كله؛ أن يميلوا إلى موقف ما، أو يُرجحوه على غيره، ويُقدّموا إلى الآخرين ما يرون فيه نصحا، ويلمسون فيه صوابا.
في هذا المقال أحببت أن أتّخذ مفهوم المقارنة، وأنظر به إلى العرب وأحوالهم قديما وحديثا، قبل الإسلام وبعده، وأضع نتائج هذه المقارنة بين أيديكم، ولكم بعد هذا الرأي الأخير، والقول الفصل؛ فأنا حريص على العرب، ويجول في خاطري أن أُقارن بين حالين من أحوالهم، ومرحلتين من مراحل حياتهم؛ الأولى حال القبيلة، ومرحلة القبليّة، والثانية حال المذهبية، ومرحلة المذهبيات، وأنظر فيهما، وأحاول جاهدا أن أعرف أوجه الاختلاف، وأُبرز نقاط الاتفاق، وأتأمل بعد ذلك في أثر دين الله تعالى على الأولى، وأثره في الثانية؛ فنحن العرب اليوم بأمس الحاجة إلى معالجة أسباب الفرقة الداخلية، وعلل الشتات المذهبية والثقافية، ولن يُجدينا نفعا أن ننشغل بأعدائنا، وما يكيدون لنا به، ونحن عن كيد ثقافتنا، ومكر مذهبياتنا الدينية، غائبون، لا ندري ما صنعت، ولا نندفع إلى معرفة آثارها علينا، وما جلبته على مجتمعاتنا قديما وحديثا.
وأعود أخيرا بعد هذه المقارنة القصيرة إلى القول بأنّ المذهبيات الدينية تصدق عليها المقولة المأثورة التي جعلها كثيرون منا سمة للغرب، وخصلة له، وصفة من صفات الأنظمة السياسية، وهدفا من أهدافها، وبهذا أستطيع أن أعيد عنوان المقالة في نهايتها، وأقول: إن المذهبيات الدينية تعيش، كالغرب أيضا، على مقولة: فرّق تسُد، غير أننا تركناها، وهي الحَريّة باهتمامنا، ونقدنا؛ لأنها تُمثل ديننا ورسالتنا بين العالمين، واتجهنا إلى نقد الغرب تارة، والأنظمة السياسية تارة أخرى، فكان ذلك إيذانا بعصمة كل طائفة، وعصمة دعوتها، فنشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان حشا أبوه في ذهنه، ولم يعُد كثيرون منا قادرين على إيقاف المذهبيات فوق مصاطب النقد، ودكّاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.