يبدو أن التصويت ب»نعم أو لا» علي الدستور المصري لن يحقق الاستقرار للبلاد، في ظل الانقسام الحاد وحالة صم الآذان من القوى المتناوئة، وكأن عمر الثورة المصرية لم يتعدّ الثمانية عشر يومًا الأولى، وأصبح المصريون يعيشون لحظة انقسام لجني ثمار ثورة لم تتبدَّ ملامحها بعد، فالانقسام الحاد في التصويت على الدستور المصري، وحالة اللغط والضبابية التي تسود البلاد تقود إلى مستقبل غير مبشر، خاصة أن النخبة في مصر آثرت أن تحسم أيديولوجية الدولة أولاً قبل أن تحسم أي شئ آخر، وأصبحت العين غافلة تمامًا عن الاقتصاد الذي هو عصب الحياة. يقول الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة «إن حلم ال18 يوم الأولى من عمر الثورة راح يتلاشى تدريجيًّا وبسرعة، حيث بدأ صراع الكل ضد الكل على كعكة لم تكن قد نضجت بعد، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، وبدت مصر عشية الاستفتاء على الدستور فى صورة مجتمع منقسم إلى نصفين، نصف يمثله تيار الإسلام السياسي، ونصف تمثله تيارات أخرى، كل منهما يدّعي أنه أصبح الممثل الشرعي لمصر كلها، والمتحدث الرسمي باسمها، والخطر أن هذا الانقسام لم يعد مقصورًا على الجانب السياسي، وإنما تحول إلى انقسام اجتماعي وطائفي في الوقت نفسه، وقد أكدت نتائج الجولة الأولى من الاستفتاء أن هذا الانقسام لن يختفي بعد نهاية الجولة الثانية، سواء رجحت في النهاية كفة المصوتين على الدستور ب«نعم»، أو رجحت كفة المصوتين عليه ب«لا». وأضاف: «إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فلن يستطيع المجتمع المصري أن يعمل إلا بنصف طاقته، وبنصف شعبه فقط، وحتى بافتراض أن التنافس بين النصفين المتصارعين سيظل يدار بطريقة سلمية، وهو ما ليس بوسع أحد أن يضمنه أو يتحكم فيه، فمن المؤكد أن استمراره يلحق ضررًا بليغًا بمصر المستقبل». وتابع «يستطيع كل من المعسكرين المتصارعين أن يلقي بالمسؤولية على كاهل المعسكر الآخر، غير أن الاتهامات المتبادلة لن تؤدي إلاّ إلى شيء واحد وهو تعميق حدة الانقسام، وستخلق مناخًا يصعب فيه البحث عن مخرج للمأزق الذى نعيشه جميعًا، ولن يكون بالإمكان أن نعثر على مخرج حقيقي من هذا المأزق إلاّ حين نصبح مستعدين للتفكير خارج الصندوق وبطريقة مبتكرة، ولا شك أن أول خطوة على هذا الطريق تبدأ بالتخلي عن الفكرة القائلة إن من حق الأغلبية أن تفرض دستورها على الأقلية، فخضوع الأقلية للأغلبية قد يكون أمرًا مسلّمًا به حين يتعلق الأمر بالتشريع لكن ليس حين يتعلق الأمر بصناعة الدساتير وتحديد قواعد إدارة اللعبة». وقال نافعة: «لا تنتظروا نتيجة الجولة الثانية من الاستفتاء لأنها لن تغير من الانقسام الحادث شيئًا، ولنبدأ التفكير منذ الآن فى كيفية الخروج من المأزق». من جهته، قال السفير جمال بيومى، أمين عام اتحاد المستثمرين وسكرتير عام وزارة التعاون الدولي «إن المرحلة الاولى من الاستفتاء لاتقدم نذر خير لأن الاولويات تبدلت تمامًا وغاب عن النخبة ما تعانيه البلاد من وضع اقتصادي مزرٍ لأن الاقتصاد المصري يعاني بشدة الآن نتيجة حالة عدم التاكد التي تسود البلاد خاصة بما يتعلق بنتائج الدستور». وأضاف بيومي «هناك 3 حالات لنتيجة الاستفتاء، حيث إنه في حالة إذا كانت نتيجة الاستفتاء بلا ستسود حالة من عدم الاستقرار في البلاد، خاصة من جانب الإخوان المسلمين الذين يدعون بتصويت «بنعم»، وسندخل نفقًا مظلمًا من الجدل والصراع السياسي، وعلى الجانب الآخر بنزف الاقتصاد ويتراجع الاحتياطي، أمّا إذا كانت نتيجة الاستفتاء بنعم بنسبة كبيرة فأرجو من الرئيس مرسي طمأنة المعارضة والعمل معًا، وإذا كانت النتيجة بنعم بنسبة 55% ففي هذه الحالة لابد من إعادة كتابة الدستور مرة أخرى؛ لأن الدستور يأتي بتوافق عام بنسبة ثلثي الأصوات». وأشار بيومي إلى أنه في حالة عدم تحديد شكل إدارة الدولة سيستمر الاقتصاد المصري بدون هاوية واضحة تحدده، وبالتالي هروب الاستثمارات الأجنبية، وتوقف البنوك عن تمويل المشروعات، وتوقف الاستثمار المحلي، وتعثر الاقتصاد الوطني. فيما أكد حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي أن نتيجة الاستفتاء على الدستور «نعم» أو «لا» لن تؤثر بشكل كبير على أداء الاقتصاد المصري لأن المعارضة توعدت بإسقاطه لو أصبحت النتيجة «لا» وفي المقابل تصر الجهة المؤيدة على «نعم» ما ينتج عنه فوضى مستمرة واشتباكات في الشارع السياسي بين مؤيد ومعارض». وأشار إلى أن المؤشر الحاكم في مسألة النهوض بالاقتصاد واسترداده لعافيته تتعلق بتوافر الأمن والاستقرار، وبالتالي ضخ استثمارات جديدة والتوسع في المشروعات القائمة. وقال الخبير الاقتصادي «إن عدم الاستقرار والاضطرابات تؤثر على الاقتصاد بشكل سلبي وتعود على السياحة بالتدني وتقلل من توافد الاستثمار الأجنبي وهو ما نجح الانقسام السياسي في تحقيقه حتى الآن». وأضاف عبدالعظيم أن التصويت ب «لا» قد يكون أخف الضررين لأنها تعطي فرصة لإعادة تشكيل اللجنة التأسيسية التي قد تخلق نوعًا من الاستقرار». بدوره، أكد الدكتور محمد حلمي، رئيس مجلس الأعمال المصري السوداني، أنه «رغم التحفظات على بعض المواد بمشروع الدستور الذى يجرى عليه الاستفتاء الآن، فإن النتيجة إذا جاءت ب»نعم» فإنها ستمنح الاقتصاد المصري بعض الاستقرار». وقال حلمي، إن «الدستور في كل الأحوال قائم من يطبقه، حيث ينبثق من قانون يطبقه القضاة وينفذه الشرطة ويمكن بهذه الطريقة أن نسد الثغراث الموجودة به ويصبح دستورًا بروح الثورة». وشدد حلمي على أن «التصويت على الدستور ب»لا» معناه استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تشهدها مصر وحالات التخريب وأعمال العنف التي تحدث في البلاد من يوم لآخر لأنه ليس هناك قانون يحاسب هؤلاء، وعمل دستور آخر يستغرق وقتًا طويلاً، وربما لا يهدأ الوضع خلال تلك المدة». وأضاف إنه «في حالات استمرار الخلافات بين القوى السياسية ومسلسل التخوين الذي ابتدعه البعض لمخالفين لهم في الرأي في حالة وجود دستور من عدمه فلن يوجد لدينا أي استثمارات حقيقية على أرض مصر، وبالتالي ضعف الاقتصاد الوطني». من جانبه، قال جمال صيام، الخبير الاقتصادي، في تعليقه على تأثير نتيجة الاستفتاء ب»نعم» أو «لا» على واقع ومستقبل الاقتصاد المصري «إن وقوع أي من الاحتمالين لا يحدث تأثيرًا سلبيًّا على الاقتصاد المصري». مشيرًا إلى أن نتيجة الاستفتاء ب»نعم» أو»لا» تدعم الاستقرار والفرق بينهما من حيث الزمن إذا تم رفض الدستور يكون في 6 أشهر على أعلى تقدير بعد تشكيل اللجنة التأسيسية المنتخبة مرة أخرى». وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصير ومستقبل الاقتصاد متوقف على مدى قبول الشارع للنتيجة، ففي الحالتين لن يختلف الأمر ويؤثر سلبًا إلا من خلال ردود أفعال الشارع السياسي بالقبول أو بالرفض. وأضاف أن «كل صراع سياسي ضريبة للاقتصاد ومصلحة مصر في الاستقرار وهو ما يحتم على الحكومة احتواء غضب المعارضة».