تطوير الديمقراطية يبتدر الحديث الدكتور أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية بالقول: بلا شك أن مثل هذا الخطاب سيتغير لأن الأنظمة التسلطية سوف تتغير إلى أنظمة ديمقراطية، ولا شك بأن الديمقراطية ستورث أمورًا أخرى منها الحرية إلى ما سيتم من تزكية للديمقراطية، فضلًا عن ما سيتم من حوار متبادل بين الجميع. ويستدرك عشقي بقوله: ولكن هناك نقطة مهمة وهي أن الديموقراطية نوع من العدالة الوضعية التي وضعها الإنسان؛ ولكن الإسلام عدالة شرعية لها قيمها مثلما كانت العدالة الوضعية ذات قيم، وهناك فيه أخطاء لا نتقبلها شرعًا في الديمقراطية، وهذا مما يساعد المثقف العربي والسعودي والمسلم بالذات أن يطور الخطاب الديمقراطي بحيث يتناسب مع القيم الإسلامية؛ لأنه لو نظرنا إلى الديمقراطية لوجدنا أن لديها بعض السلبيات مثل إباحة الخمور، وإباحة اللواط وإباحة السحاق وغيرها من أنواع الشذوذ الأخرى؛ ولكن الإسلام لا توجد فيه مثل هذه الأمور، لذا فإن المثقف العربي المسلم سيكون له دور أكبر في تطوير الديمقراطية، وإضافة أمور كثيرة لها. فمثلًا نحن فتحنا الأبواب ل»ماكدونالدز» ولكننا أسلمناه؛ بمعنى أننا جعلناه يغلق وقت الصلاة، وجعلناه في رمضان يغلق الأبواب، ومنعناه من بيع لحم الخنزير ودهونه، وكذلك الطيران أسلمناه بحيث وضعنا مكانًا لأداء الصلاة، ووضعنا دعاء السفر، أي بمعنى أن الديمقراطية سوف تتطور على يد المثقفين السعوديين أولًا والمسلمين ثانيًا. ويختم عشقي حديثه بقوله: إن المثقف بلا شك سوف يساهم بقلمه في التشجيع على قيم العدالة، فالإسلام لم ينكر العدالة الوضعية لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه الأول: «اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكًا لا يظلم فيها أحد»، إذن الأساس هو عدم الظلم.. الأمر الآخر هو أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم أقرّ العدالة الوضعية حينما قال: «حضرت في دار عبدالله بن جدعان حلفًا لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت»، وكذلك حلف المطيبين فامتدحه، وكلها كانت في الجاهلية، فإذن معناه أن الإسلام قادر على تطوير القيم الوضعية والسمو بها، ونحن نتعرف بتقصيرنا في عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن القيم الإسلامية سوف تتحقق بعد أن تتحقق الديمقراطية. حراك غامض ويرى الناقد محمد العباس أن ما يحدث في البلدان العربية من ثورات تحت مسمى «الربيع العربي» كانت محصلة لبشارات بثها المثقفون، ويبرز ذلك في سياق قوله: ما يحدث في الربيع العربي هي حالة طالما بشّر بها المثقفون، وحاولوا إيجاد مبرراتها على الأرض، مقابل ما كان السياسيون يحاولون الإبقاء عليه، وأرشيف الثقافة العربية يكتظ بالكثير من التنظيرات حول هذه المسألة؛ حيث المطالبة بتغيير وتعجيل لحظة الاستحقاق واستحقاق حالة مدنية في الحياة العربية، ووضع كل ذلك تحت لافتة الديموقراطية، وإن كان البعض يعتقد بعدم إسهام المثقف في أي شيء من هذه الحالة، وهذا أمر غير صحيح. ويمضي العباس في حديثه مضيفًا: بتصوري أن خطاب المثقف في اللحظة الراهنة سيشكل حالة من الامتداد لما بشّر به في الماضي ودافع عنه؛ مع العلم أن هناك من سيحاول القفز على المتغيرات وإزاحة الصراع عن طبيعته؛ بمعنى أن يقدم قراءة غير صحيحة أو دقيقة للحدث، وإرجاع الحالة لما كانت عليه في الماضي، وفي هذا الصدد سنلاحظ أن الثقافة العربية تتحرك على محورين؛ محور معني بإنتاج النصوص الأدبية أو الفنية، ومحور آخر محجوز لإنتاج المعرفة، وقد لاحظنا بالفعل ظهور منتجات أدبية مستعجلة لا تقرأ الحدث بعمقه ولا تقاربه بكل أبعاده التاريخية والاجتماعية والسياسية، وهي منتجات لن تصمد طويلا أمام طبيعة الحراك المتسارعة، وفي ظل وجود شريحة مفكرة تحاول على الدوام تثبيت حالة الوعي في الحدث والاتجاه به ناحية قيمة الحرية بمعناها الأجمل، خصوصًا أن الحدث ذاته لم يستقر بعد، ومازال في حالة من الحراك الدائم، وتشوبه حالة من الغموض، وبالتالي يصعب على المثقف تقديم رؤية نهائية وناجزة، إنما ما سيحدث هو محاولات أولية لمعايشة الحدث واللحاق به من خلال منتجات فنية وأدبية قد لا تجيب على كل أسئلته؛ ولكنها تقاربه على الأقل بما يتراءى منه. ويخلص العباس إلى القول: بالإضافة إلى ما تقدم يبدو أن الحدث العربي ليس منفصلًا عن مجريات الحدث العالمي على كل المستويات؛ وبالتالي فإن المثقف العربي الذي بشّر به في وقت سابق كمثقف أو إنسان كوني سيتعامل مع هذا الحدث من هذا المنطلق، أي من منطلق شمولي وليس من منطلقات محدودة وضيقة، وأعتقد أن الثقافة العربية فيها من الطاقات ما يكفي لقراءة الحدث والتبشير بتداعياته، واحتواء كل ما يتعلق به، وما نطالعه حاليًا من دراسات وكتابات تؤكد بما لا يقبل الشك أن المثقف العربي يتموضع في مقدمة الربيع العربي، ويرفع الحرية كقيمة وليس مجرد شعار، ويمتلك من الجرأة والشجاعة ما يؤهله لقيادة الجماهير والتحول بها نحو هذه القيمة. تفوق الشارع ويرى الدكتور فهد العرابي الحارثي عضو مجلس الشورى سابقا بأن الربيع العربي أيقظ في وجدان وضمير كل مثقف مساحات جديدة من الشعور بالمسؤولية، ومن إعادة ترتيب الأولويات، ومن إعادة تقييم موقف المثقف نفسه مما يجري في التاريخ العربي الجديد المعاصر. ماضيًا إلى القول: إن المثقف العربي لم يكن يعطي في السابق التقدير الحقيقي المنصف لما يفكر ويتطلع إليه الناس، إذ كان يعتقد أنه يتفوق على الشارع، ولكن الربيع العربي أثبت أن الشارع يتفوق وتفوق بالفعل على المثقف وتقدم عليه خطوات طويلة وبعيدة، فوجد نفسه فجأة أمام جمهور لم يكن يعرفه ولا يقدره حق تقديره، ولا يعطيه العناية المطلوبة واللازمة على ضوء الخلل القائم في العلاقة بين الطرفين المثقف والشارع، إذ كان هناك خللًا كبيرًا في العلاقة بين المثقف والشارع، أما الآن فوجد المثقف نفسه أمام هذا الجمهور المفاجئ فبدأ يعيد ترتيب أوراقه - كما قلت - وترتيب أولوياته، وبدأ يحس بأن اليوم ليس كالأمس، فاليوم الذي يستحي أن يقول كلامًا في صميم الهموم التي يعيشها هذا الجمهور أو من الأفضل له أن يسكت ويتوارى، لم يعد مقبولا أن يقول ما كان يقوله في السابق من فجاجات ومن إنشائيات ومن عنعنات لا تقدم ولا تؤخر بالنسبة للجيل الذي نشاهده اليوم في شوارع العواصم العربية، وما دام المثقف قد وعى بأنه قد وعى بأنه لم يكن يعرف هذا الجمهور، وما دام أنه عرفه اليوم فينبغي أن يكون تفكيره ومنتجه الثقافي أو الفني أو الإبداعي بمستوى المفاجأة التي وجد نفسه أمامها، بمعنى أنه هناك بعض المفردات الثقافية التي كانت تقال بحذر أو بتحفظ أو بخوف أصبحت اليوم تقال، ولابد أن تقال بمنتهى الثقة لأنها أصبحت تتوافق أو تتلائم مع تطلعات الناس، الذين شرعوا بقوة في الإيمان بها وفي تبنيها مثل الحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والتنمية الحقيقة وليست الزائفة. المثقفون أنواع ويركز الدكتور صدقة فاضل أستاذ قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز سابقًا وعضو مجلس الشورى في حديثه على تحرير المصطلحات مدخلًا لفهم ما يجري بصورة صحيحة، حيث يقول: من أفضل مداخل الحديث عن أي موضوع هو تحديد المصطلحات، فنحن هنا نرتبط بعدة مصطلحات؛ أولًا المثقف العربي، ثانيًا الربيع العربي.. وهنا لا بد أن نسأل من هو المثقف العربي، وما هي الفئة التي يندرج تحتها المثقف العربي؟ ماضيًا إلى القول: المثقفون العرب أنواع؛ فهناك مثقفون ملتحمون بالسلطة ويدافعون عن كل ما تريد السلطة الدفاع عنه، وأنا هنا لا أتحدث عن بلد معين إنما أتحدث عن العالم العربي ككل، وهناك مثقفون حقيقيون مستقلون وهؤلاء فرحون جدًّا بأي تحرك شعبي للتحرر من قبضة النظم الدكتاتورية المستبدة التي أودت بالحضارة العربية إلى الحضيض.. لم يرَ العالم العربي من أي نظام دكتاتوري أي خير، ونحن هنا نتكلم عن النظم الجمهورية الدكتاتورية العربية، ربما يكون هناك حديث مختلف عن النظم الملكية العربية، ولكن ما أقصده هنا أن النظم السياسية الجمهورية العربية هي نظم مستبدة دكتاتورية بامتياز، نظم لم يأت منها أدنى درجات الخير لأي بلد عربي ابتلي بها؛ أنظر إلى الجزائر وتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا الخ.. هل هذه النظم أدت إلى بناء دولها وأقطارها وإسعاد شعوبها بما توفر لديها من إمكانات؟ الجواب هو: لا فالمثقف العربي المستقل في أي مكان في العالم العربي يفرح لحركة التخلص من هذه النظم، وهذا طبعا أمر بديهي. وليس فقط المثقف العربي الذي يفرح بدحر الاستبداد الجمهوري العربي وإنما أي شخص عربي ومسلم سوي وحتى أي إنسان في العالم سوي التفكير يفرح باندحار أي نظام ديكتاتوري في العالم، وهذا شعور موجود في أذهان ومشاعر ونفوس كل الأسوياء في العالم، والذين لديهم أعلى درجة من الثقافة والحضارة الإنسانية. ويتابع صدقة حديثه مضيفًا: أما فئة المثقفين الذين هم يسمون بمثقفي السلطة فهؤلاء نظرتهم غير موضوعية، هم ينظرون إلى الأمور من زاوية مصالحهم الخاصة فقط طالما هم مستفيدون من الأوضاع مثلما كان الحال في ليبيا، وفي سوريا وما شابه ذلك، فهم يدافعون عن هذه النظم، ويلوون ذراع النظريات لكي يحاولوا أن يقولوا إن هذه النظم حققت وحققت وأنجزت، وكل ما يقولونه غير صحيح، وهو كلام خادع ومظلل، وأثبتت الأحداث أنه غير صحيح.. فلو أخذنا النظام الدكتاتوري الجمهوري في ليبيا ونظرنا كيف تولى السلطة وكيف حكم وكيف خرج وماذا حصل بعد خروجه؟ نكبة تلو نكبة تلو نكبة، فالمثقف العربي السوي أو المثقف السوي في كل أنحاء العالم يرفض هذا النوع من الأنظمة، ولا يمكن أن يدافع عنها. أما ما يسمى بمثقفي السلطة فمع الأسف أنهم بلغت بهم الوقاحة أن يدافعون عن نظام القذافي وعن نظام الأسد وما شابه ذلك، وهؤلاء لا يعتد برأيهم وهم يتحدثون بكلام فارغ وأكاذيب وتضليلات، وانكشفوا مؤخرًا، وأصبح الناس لا يسمعون لهم، ويصعب جدًّا أن نسميهم بالمثقفين؛ لأن الثقافة تعني المسؤولية، وتعني الصدق والمصداقية، وتعني أشياء جميلة جدًّا يفتقدونها هم، وأثبتت مواقفهم تجاه هذه الأنظمة الديكتاتورية الجمهورية العربية أنهم أناس منتفعون وانتهازيون؛ بل إنهم أيضًا مرتزقة وبالتالي لا يمكن أن نسميهم مثقفين بحق. قيم مختلفة ويقول الدكتور سعود العتيبي أستاذ قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة: لا بد أن نحدد في خطاب المثقف ما لمقصود منه حتى نستطيع أن نتحدث عن المثقف وتعامله مع الجمهور، وهذا يعتمد على ما كان يعتقده من قبل؛ فكتابة المثقف تنطلق من إيمانه ومبادئه، فإن كان من أنصار الثورات وما أتت به من قيم فيفترض أن يتغير خطابه، لا أن يكون عرضة للتغير تبعًا للأحداث؛ لذلك يفترض أن تكون هناك قيم للذين يكتبون، وهذه القيم هي التي تقود خطاباتهم، ومثل هذه الثورات أتت بقيم الديمقراطية مثل حرية الرأي والتجمع وغيرها، ومثل هذه القيم التي ينادي بها المثقف لدى بعض المجتمعات هي مختلفة عنّا؛ نظرًا لأن حريتنا تتماهى مع الدين، أما لدى المجتمعات الليبرالية الموجود في الغرب فلا حد لها فالفرد يفعل ما يشاء بحيث لا يضر بالقانون.