تطرقت في إحدى مقالاتي السابقة عن الإمبراطورية الإعلامية العابرة للقارات ، والتي لها نفوذ لا حدود له في السياسة الدولية وهي إمبراطورية ميردوخ الإعلامية . في هذه الأيام بدأت عقارب الساعة تسير على عكس الاتجاه ، حيث نشاهد حالياً نهاية اللعبة لروبوت ميردوخ ، والذي كان رؤساء الدول والوزراء وكبار الساسة والمشاهير يخشونه ويكرمونه خوفاً من نقمته الشرسة ، أما الآن فإن قوته ونفوذه بدأت تتفكك بفقده لعمود من أهم أعمدة الإعلام والقوة لديه ، حيث تخضع (نيو إنتر ناشيونال) شركة ميردوخ في لندن إلى تحقيق جنائي بشأن تنصت هاتفي مزعوم ، ودفع أموال بطريقة غير قانونية إلى ضباط الشرطة ، والتي تشير المصادر إلى تورط 50 ضابطاً شرطياً ، كما تم توجيه اتهامات إلى تنفيذيين تحت حماية الحصانة البرلمانية بإعاقة مسار العدالة ، مما أثار المزاعم حول أنشطة الجريدة الصفراء (نيوز أوف دي وورلد) وولّد موجة من الاشمئزاز وعدم الرضا العام لدى الغالبية . استطاع روبرت ميردوخ بناء إمبراطوريته الهائلة التي لها نفوذها ، والتي تضم (800 مؤسسة إخبارية وإعلامية) في بريطانيا وأمريكا وأستراليا وإيطاليا و(52 بلداً) ولتمتد إلى (أربع قارات) حول العالم ، ويمتلك أكثر من (175) صحيفة عالمية شهيرة ، من بينها (التايمز اللندنية) ، و(الصنداي تايمز) ، و(الصن الشعبية) أوسع الصحف البريطانية انتشاراً ، و(نيوز أوف ذي ورلد) ، و(نيويورك بوست) ، و(ول ستريت جورنال) ثاني الصحف الأوسع انتشاراً في الولاياتالمتحدة وإحدى أهم الدوريات الاقتصادية في أمريكا والعالم . و(وكالة أنباء داو جونز) ، ومجموعة صحف (بارون) ، بالإضافة إلى امتلاك (25 مجلة) ، وفي مجال التلفزة والبث الفضائي يمتلك مردوخ (12 محطة تلفزيونية) في أمريكا وحدها ، وكذلك يمتلك دور نشر عالمية ، بالإضافة إلى تملك الإمبراطورية (نيوز كورب News Corp) الضخمة ، و(فريق البيسبول بنادي إل إيه دورجرز) ، و(فريق مانشستر يوناتيد لكرة القدم) ، ويعتمد المليونير ميردوخ على تمويل العمل الإعلامي من مصادر غير إعلامية مثل التجارة في العقارات ، ومزرعة الأغنام التي يمتلكها في أستراليا ، أو المساهمة في شركة طيران أسترالية ، وشراء النوادي الرياضية ، وقد لعب دوراً كبيراً في دعم الكثير من القيادات على مستوى العالم في الدول الكبرى مثل (توني بلير) و(جورج بوش) و (هيلاري كلينتون) وغيرهم نعم ، تعتبر هذه الصحيفة طيلة العقود الثلاث الأخيرة هي الرائدة في عالم الإعلام الخطير ، انتهت بفضيحة بجلاجل ، وأن اللعبة القذرة انتهت ، وأن ما بني على فساد فإن مصيره الفتات . . ويعتبر الكثيرون في بريطانيا أن نهاية إمبراطورية ميردوخ قد ولت ، حيث رفعوا لافتة (تحيا الديمقراطية) على اعتبار أن غلاف صحيفة (نيوز أوف ذي وورلد) قد أعاد للأمة البريطانية الثقة في صحافييها بعد أن فقدوها سابقاً . ويعتقد العديد من الخبراء أن ما يحدث مع إمبراطورية ميردوخ لها مسحة من ثورة الربيع العربي ، وهناك شعور بأن المجتمع البريطاني شعر بالتحرر بعد إغلاق الصحيفة ، كما أن نظام بريطانيا السياسي أصبح أكثر حرية بل أنظف قليلاً ، كما توقعوا بأن تكون العلاقة بين وسائل الإعلام والسياسيين والناس قد تغيرت للأبد . وتضمن النعش الأخير (العدد الأخير) عبارة (شكراً ووداعاً) وذلك لتحية قرائها للمرة الأخيرة ، حيث قدمت اعتذارها الشديد ، واعترافاتها المؤلمة بقولها بأنها ببساطة لقد ضللنا طريقنا ، لقد تعرضت هواتف أشخاص للقرصنة ، والصحيفة تأمل بعد اعترافها هذا أن يحكم التاريخ علينا في نهاية الأمر على أساس كل سنوات الصحيفة . علماً بأن جميع الأرباح التي ستأتي من بيع العدد الأخير التاريخي ستصرف على الأعمال الخيرية ، حيث طبع أكثر من خمسة ملايين نسخة من العدد الأخير مقابل ثلاثة ملايين للأعداد التقليدية ، وهو يتضمن 68 صفحة تذكارية وملاحق تذكر بأكثر الأحداث شهرة تم نشرها على صفحات الصحيفة سابقاً كوفاة الأميرة ديانا وغيرها ، وحياة الأميرة مارغريت من مولدها حتى موتها ، وعدد متميز عن الملكة الأم ، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الحياة الخاصة لعشرات من الساسة والمشاهير ، محاولةً منها استعطاف الرأي العام وأصحاب القرار في تغيير موقفهم . حيث رأى البعض في هذا القرار محاولة مستميتة من جانب الإمبراطورية الإعلامية لوقف التداعيات السلبية الناجمة عن الفضيحة ، وبالتالي إنقاذ صفقة بقيمة 19 مليار دولار للاستحواذ على شركة (بريتش سكاي برود كاستنغ) إلا أن الحكومة البريطانية لمحت إلى أن الصفقة سترجأ بسبب الأزمة الراهنة . وهذا يعطينا دليلاً كبيراً وواضحاً للعيان أن هذه الإمبراطورية لديها العزيمة والإصرار في البقاء بالتخطيط المخيف باستخدام كل الطرق سواء العدائية ، والسلمية ، أو غير القانونية ، فهي تتنقل وفق مخطط علمي مدروس من لعبة إلى لعبة أخرى ، ضاربة كل الاعتبارات الإنسانية عرض الحائط ، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا ميردوخ وصحافتك الصفراء وإعلامك الساقط . alyaqout_ [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (56) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain