تضاربت الآراء حول الأسباب الحقيقية، وراء انتشار مرض الجرب في مدارس العاصمة المقدسة، وسط دعوات من المختصين بضرورة العمل على تطوير المناطق العشوائية فورًا. ويرى مختصون أن التكدس، وتراجع مستوى الخدمات في المناطق العشوائية، وخاصة التي يعيش فيها أبناء الجالية البرماوية؛ هو السبب وراء انتشار مرض الجرب، لا سيما في ظل ما يتسم به من سرعة العدوى. في المقابل رفض مختصون آخرون، تحميل مسؤولية انتشار هذا النوع من الأمراض لفئة بعينها، معتبرين أنه من غير الإنصاف الارتكان إلى عامل واحد فقط، من عوامل انتشار الأمراض المعدية، دون النظر إلى باقي الأسباب، ومنها تراجع معدلات النظافة، والخدمات البيئية، داعين رجال الأعمال إلى تقديم يد العون لهذه المناطق، عبر تمويل مشروعات ترفع من مستوى الخدمات في أحياء المنطقة بشكل عام. تطوير منطقة النكاسة يقول الدكتور محمود الكسناوي، أستاذ علم الاجتماع التربوي بجامعة أم القرى، إلى تطوير مناطق سكن الجالية البرماوية، في مكةالمكرمة، باعتبارها مناطق عشوائية، قادرة على تصدير عدد من الأمراض إلى باقي أحياء العاصمة المقدسة. وأضاف: «يسكن معظم أبناء الجالية البرماوية، في منطقة النكاسة، جنوب حي المسفلة، منذ أربعين عاما، وهذه المنطقة تعاني من تفشي الأمراض، بسبب كثافة عدد السكان داخل كل مسكن، مع عدم توفر وسائل السلامة والنظافة وعدم توفر مياه الشرب النظيفة ووجود أسواق حول المساكن لبيع اللحوم والاسماك والخضروات، وهو ما يحتاج إلى تدخل فوري لتطوير هذه المنطقة». واقترح الكسناوي، إزالة مساكن النكاسة، وبناء مساكن نموذجية بديلة لها، وإنشاء مركز صحى بالقرب من مساكن البرماويين وتسهيل علاجهم طالما لديهم اقامة نظامية ومراقبة أسواق البيع العشوائبة خاصة في الفترة المسائية وتكثيف التوعية والعمل على وضع آلية للكشف المبكر عن الاوبئة والأمراض قبل تفاقم المشكلة. تدخل رجال الأعمال ودعت الدكتورة عبير برهمين، وكيل كلية الطب شطر البنات بجامعة ام القرى، عضو المجلس البلدي بمكةالمكرمة، رجال الأعمال إلى التدخل من أجل تمويل مشروعات خدمية صحية وبيئية في الأحياء العشوائية، وخاصة التي يقطنها البرماويون، منوهة بالأمر السامي الذي صدر بتصحيح أوضاع الجالية البورماوية، ومنحهم اقامات نظامية، ودمج أبنائهم في المدارس الحكومية، الذي يمثل تطورا نوعيا ومهمًا في حياتهم. وأوضحت أن بقاء هذه الفئة في بيئة عشوائية، وبيوت تفتقر لأدنى اشتراطات مقومات الحياة الصحية، يمثل خطورة على المجتمع بشكل عام، مضيفة: إنه خلال الثمانين عاما الماضية ازدادت أعداد الجالية البورماوية وتكدسوا في مناطق عشوائية، وهو ما يمكن أن يفسر انتشار مرض مثل الجرب. وشددت على ضرورة الإسراع في تقديم خدمات بيئية مستدامة كتوفير منازل ذات تكلفة منخفضة وبمواصفات صحية جيدة، وتوفير طرق كسب معيشية تناسب قدراتهم والعمل على تعليمهم ورفع مستوى الوعي لديهم، فضلا عن توفير الرعاية الصحية الأولوية لكافة أفراد الجالية. القضاء على الأسباب ضرورة الرأي السابق أيدته الكاتبة الصحفية فاتن محمد حسين، موضحة أن القضاء على بؤر المرض الأساسية، أهم ما يجب التركيز عليه بعد أن كشفت أمانة العاصمة المقدسة والمجلس البلدي، عن لحوم جمال مريضة بالجرب تباع في أماكن وجود الجالية البورماوية، وهو ما قد يفسر سر انتشار المرض فجأة. ودعت إلى تكثيف جهود البلدية من أجل مواجهة عمليات البيع غير النظامية للأغذية بالمناطق العشوائية، وتحسين الظروف البيئية التي يعيش فيها أبناء هذه الجالية. تحسين الخدمات التوعوية هو الحل ويقول عطا الله ابوسامر من الجالية البورماوية، إنه ليس من المنصف أخذ انطباع سيئ، مسبق ضد الجالية البرماوية، قبل التعرف على الأسباب الحقيقية، مضيفا: «أغلبية الجالية البورماوية تسكن في أحياء عشوائية، وفي مناطق جبلية، ويفتقدون مقومات البيئة الصحية، فهم يعشون في بيوت متقاربة وأزقة ضيقة، وبيئة تخلو تقريبا من أدنى الخدمات البلدية، فتنتشر القمامة في كل مكان، مما يسهل انتشار الأمراض». ودعا إلى التنسيق مع فرق طبية يرافقها مترجمون، لتوعية الجالية بين فترة وأخرى وسط أحيائهم، وفتح باب العلاج بشكل أكثر مرونة، وأن تعتني أمانة العاصمة المقدسة بإيجاد بيئة صحية ونظيفة من خلال توفير وتجويد الخدمات البلدية. وعلى غرار الرأي السابق يقول إسماعيل منير الزمان، من الجالية البرماوية: إن المسارعة باتهام البرماويين بنشر الجرب، رغم أنه لا سابقة لهم في نشر الأمراض، لن يكون مجديًا. وأضاف: إنه في ظل افتقارهم لبيئة العيش الصحية والنظيفة، يجب عدم إلقاء اللوم عليهم، داعيًا إلى تصحيح أوضاعهم، حتى يتسنى لهم العيش بسلام.