انقضاء الآجال أقرب من إنجاز الأعمال

النَّاسُ فِي سِبَاق مَع بَعضهم عَلى مضمَار الحيَاة، وكَأنَّهم يَعيشون فِي مَارَاثون لَا نَهاية لَه، كُلٌّ مِنهم يُحاول أَنْ يُنجز أَعمَاله، وهو يَظنُّ أَنَّه إذَا أَنْجَز الأعمَال؛ تَمدَّد وارتَاح، ومَا عَلِمَ أَنَّ الحيَاة سِلسلَةٌ طَويلة مِن الأشغَالِ والأعمَال، التي إذَا انتهَى وَاحدٌ مِنهَا، حَضَر الثَّاني..!
أيُّها الإنسَان: تَأكَّد، بَل تَدثَّر بثيَاب الجَزْم، بأَنَّ الأشغَال لَا تَنتَهي، لذَلِك اجتَهِد فِي عَمَلٍ مَا تَستَطيع القيَام بِهِ، ولَا تُكلِّف نَفسك فَوق طَاقتها، واجعَل حيَاتك ويَومك ثَلاثة أثلَاث: ثُلثٌ لنَومِك، وثُلثٌ لعِلْمِك، وثُلثٌ لنَفسِك، وإيَّاك إيَّاك، ثُمَّ إيَّاك أَنْ تُصَاب بدَاءِ الاختِلَاط، فتَخلط ثُلثًا بثُلث، لأنَّ مِيزَانَك النَّفسي والعَاطِفي والجَسدي سيَختَلُّ فَورًا..!
كَان الدّكتور «ريتشارد كارلسون» -صَاحب كِتَاب: «لَا تَهتمّ بصَغَائر الأمُورِ فكُلُّ الأمُورِ صَغَائِرُ»- يَشتَكي مِن تَزاحُم أَشغَاله، وأنَّ حَيَاته تَحوَّلت إلَى مَارَاثون طَويل مِن الأشغَالِ، التي لَا تَنتَهي، لِذَلك جَلَسَ يُفكِّر فِي حَالهِ وأَشغَالهِ، وتَوصَّل إلَى نَتيجَةٍ مُرضية بَينه وبَين نَفسه، يَقول فِيهَا: (اكتَشفتُ أنَّه لَو ذَكَّرتُ نَفسي باستمرَار، بأنَّ الغَرَض مِن الحيَاة؛ لَيس هو إنجَاز كُلّ شَيء، ولَكن التَّمتُّع بكُلِّ خُطوَة عَلى طَريق الحيَاة، وأَنْ أَعيش حَيَاة مُفعَمَة بالحُبّ، فسَوف يَكون أسهَل بكَثير لِي؛ أَنْ أَتحكَّم فِيمَا أنغَمِسُ فِيهِ، بالإضَافَة إلَى إنجَاز قَائِمَة الأعمَال، التي عَليَّ إنجَازها، وتَذكَّر أَنَّه عِندَما تُوافيك المَنيَّة، فسَوف يَبقَى هُنَاك عَمَل لَم يُستكمل بَعد، سَوف يُنجزه شَخصٌ آخَر بالنيَابَةِ عَنك! فلَا تُضيِّع ولَو دَقيقَة أُخرَى ثَمينَة مِن حيَاتِك؛ وأَنتَ تَأسَف عَلى مَا هو مَحتُوم)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: يَا قَوم، فِعلاً تَأكَّدوا أَنَّ كُلّ سُكَّان المَقَابر، لَم يُنجزوا مَا كَانوا يَطمَحون إليهِ مِن أشغَالٍ، ولله دَرّ الشَّاعر العَربي «الصلتان العبدي» الذي قَال:
نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَتِنَا
وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لا تَنْقَضِي
تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ
وَتَبْقَى لَهُ حَاجَةٌ مَا بَقِيَ!!.