* دراسة: عبدالعزيز بن عبدالله المضحي : قد لا يدرك البعض الأهمية الحقيقية لدراسة الوثائق الخاصة، والصحيح أن مواضيع هذه الوثائق نفسها قد لا تكون ذات أهمية كبيرة من الناحية الرسمية كإثبات الملكية أو الحقوق وما شابه، غير أن دراسة هذه الوثائق دراسة دقيقة تحقق فوائد جمة وتاريخية لا تقدر بثمن، وتمثل مصادر تاريخية موثقة لكثير من النواحي الغامضة في تاريخنا (1)، وفيما يلي دراسة لوثيقة خاصة أطلعني عليها مشكوراً الأستاذ الكريم سعد بن عبدالرحمن النفيسة (2) الذي نشرها ضمن شجرة أسرته آل نفيسة التي قام بإعدادها وهي أقدم وثائق أسرته الكريمة. تعد هذه الوثيقة بحق من أهم الوثائق وأندرها لبلدة منفوحة حيث إنها غنية بالمعلومات التاريخية التي قد لا نجدها في أية مصادر أخرى، حيث تورد معلومات عن أشخاص وأسر ومواضع وأملاك وأوقاف في بلدة منفوحة، بالإضافة إلى صيغة المبايعات والنقود المتداولة والمكاييل المستخدمة في تلك الحقبة، يمكن من خلالها تصوُّر ما كانت عليه الحياة العلمية والدينية والاجتماعية حينها. تقع صورة الوثيقة التي وصلتنا في ورقة واحدة ووجه واحد وربما كانت هناك نصوص إضافية قد دونت على ظهرها، الخط الذي نقل به النص الوثيقة واضح بشكل عام ومقروء وإن تخلل الوثيقة بعض البياض المتروك ويرجع السبب إلى عدم تمكن الناقل الأخير أومن نقلها قبله من قراءة كلماتها نتيجة تلف أصاب الوثيقة سبَّب خرماً أو انطماساً فيها مع تطاول العهد، وإن كنا لا نعلم تاريخ نقلها الأخير بالتحديد، إلا انه من المرجح أنها نقلت في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري لحداثة الخط والقلم المستخدم في الكتابة ومن المرجح أن يكون ناقلها أحد الكتاب بمحكمة الرياض الذي اطلع على الأصل الذي نقل منه أثناء استخراج حجة استحكام حديثة. بلغ عدد أسطر الوثيقة 17 سطراً بما فيها الاستهلال بالحمد والبسملة، ويتكون النص من فقرتين الفقرة الأولى نص الوثيقة الأصلية المكتوبة في سنة 1164ه، والفقرة الثانية نص إثبات النقل الأول المؤرخ سنة 1232ه، ولا نجد بعد ذلك أية نصوص أخرى لإثبات النقل الأخير أو ما قد يسبقه من نقول ربما تكون قد كتبت في ظهر الوثيقة. أما موضوع الوثيقة فهو بيع اخوة واخوات من أسرة آل نفيسة لأحد أملاكهم التي ورثوها فيما يبدو من والديهم والكائن بقصر العفسة (3) من بلد منفوحة إلى أحد الأشخاص من أسرة آل حمد في القرن الثاني عشر الهجري زمن إمارة دهام بن دواس، والأصل أنَّ المشتري هو الذي يحتفظ بوثيقة المبايعة ولكننا نجد هنا ان الوثيقة احتفظ بها البائعون الذين طلبوا المكاتبة حرصاً منهم على توثيق أوقافهم وتمييزها عن ما باعوه حفاظاً على الوقف ودرءاً لأي خلاف قد يطرأ فيما بعد، ونص الوثيقة كالتالي: بسم الله الرحمن الرحيم السبب الداعي إلى ذلك هو أنه أقر عندي محمد ابن موسى ابن محمد بن نفيسة وهو الوكيل عن اخوانه وأخواته راشد وعبدالله وعبدالرحمن وسليمان وعلي وجوزا وشقرا في صحة عقله وبدنه بأنه باع مغارسهم على عبدالله بن حمد وهي الكائنة قبلي حويِّط حمد آل زرعة وشرق سوق مضحي بن رشيد بثمن عشر جديدات وثلاث وهايب بلغت البائع من المشتري والملك من يد محمد آل نفيسة إلى يد عبدالله آل حمد بما يتبعها من سبيل ومسيل إلاَّ (4) الحويِّط وما ولاه جنوب (5) فهذا وقف على المسجد وتسع نخلات لشريفة آل نفيسة (بياض) وزنات تمراً للضَّعفة (6) من البيت المذكور وإن اغتنوا فلهل (7) منفوحة من (بياض) والمحتاجين رجاء ما عند الله شهد بذلك إبراهيم ابن موسى بن إبراهيم بن نفيسة وحمد ابن عبدالله بن حمد وكاتبه ومثبته الفقير إلى ربه تعالى (بياض) هدلان في سنة 1164من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام نقلته كما وجدته دون زيادة ولا نقصان وأنا (بياض) إلى مولاي تعالى علي بن عبدالله بن موسى بن نفيسة وشهادة محمد بن راشد وذلك سنة 1232 من الهجرة الشريفة وصلى الله وسلم على نبينا محمد الهاشمي وعلى آله وأصحابه أجمعين، والأفراد الواردون مرتبون حسب ذكرهم في الوثيقة هم: الاخوة البائعون، محمد وعبدالرحمن وراشد وعبدالله وسليمان وعلي أبناء موسى بن محمد بن نفيسة، والأربعة الأخيرون ذكرهم حسين بن غنام في تاريخه عند إيراده لأخبار المنتقلين من منفوحة إلى الدرعية سنة 1168ه (8)، أي قبل كتابة الوثيقة بحوالي 4 أعوام زمن حكم دهام بن دواس، الأختان الكريمتان: جوزا وشقرا وهما من ضمن من باع مع اخوتهما حسب وكالتهما لأخيهما محمد الآنف الذكر، عبدالله بن حمد: المشتري للملك وهو من أسرة آل حمد الجلاليل أهل منفوحة (9)، حمد آل زرعة: ذكر أثناء تحديد موقع الملك وهو من أسرة آل زرعة كان لهم إمارة سابقة في مقرن (10)، مضحي بن رشيد: ذكر كذلك أثناء تحديد موقع الملك وهو جد أسرة آل مضحي القديمة في منفوحة والرياض وهي أسرة كاتب هذه الأحرف، شريفة آل نفيسة: يظهر أنها زوجة موسى وأم أبنائه البائعين وهي فاضلة محسنة أوقفت تسع نخلات من المُغارس المباع في أوجه الخير يُصرف جزء من الغلة على المحتاجين من أسرتها وفي حالة استغنائهم على المحتاج من أهل بلدتها، إبراهيم بن موسى بن إبراهيم بن نفيسة: أول من ذكر من الشهود على البيع وهو كذلك ممن ذكره ابن غنام خبر انتقاله من منفوحة إلى الدرعية سنة 1168ه، حمد بن عبدالله بن حمد: ابن الشاري ومذكور ضمن الشهود، هدلان: الاسم الأخير للكاتب الأصلي للوثيقة عام 1168ه، وقبله بياض متروك ويبدو أن الناقل الأخير للوثيقة أو من نقلها قبله لم يتمكن من قراءة الاسم كاملاً بشكل صحيح بسبب انخرام أو انطماس هذا الموضع من الوثيقة، والاسم محرَّف ولابد عن (ذهلان) والكاتب هو من أسرة آل ذهلان أسرة العلم والقضاء في الرياض في تلك الفترة، علي بن عبدالله بن موسى بن نفيسة: ناقل نص الوثيقة الأصلية عام 1232ه وهو ابن أحد البائعين حسب معلومات الوثيقة ويبدو أنه من طلبة العلم في تلك الفترة، محمد بن راشد بن موسى بن محمد بن نفيسة: شاهد على نقل نص الوثيقة الأصلية عام 1232ه وهو ابن أحد البائعين ويظهر أنه هو الذي جلب الوثيقة الأصلية لابن عمه علي ليقوم بنقل نصها خشية التلف. وجميع المواضع المذكورة في النص تقع فيما يعرف بقصر العسفة وكانت معلومة إلى وقت قريب وأما الآن فقد قام مكانها مشروع الصرف الصحي جنوب مدينة الرياض، وسنورد فيما يلي توضيحاً لهذه المواضيع.. مغارسهم: فصيحة وتعني الأرض المغروسة حديثاً بفسائل النخيل، حويِّط حمد آل زرعة: تصغير حائط وهو البستان المحاط بحائط لحمايته من المواشي وغيره وعادة ما ينسب إلى مالكه أو من يعمل به في الفلاحة، سوق مضحي بن رشيد: يقصد بالسوق هنا الحي أو الطريق الذي تقع المنازل على جنباته وعادة ما يعرف بأشهر ساكنيه، وهذا السوق سكنه مضحي بن رشيد وأبناؤه وكان معروفاً إلى وقت قريب، المُلك: المُغارس المباع، الحويِّط: ويعرف عن أسرة آل نفيسة بحويِّط موسى نسبةً إلى اسم المُوِقف حسب إفادة الأخ سعد بن عبدالرحمن النفيسة نقلاً عن الشيخ إبراهيم بن عبدالرحمن النفيسة الملقب بأبي عباس الذي يذكر بأن والده عبدالرحمن - رحمه الله - كان يقوم بزيارة الحويِّط في منفوحة بين حين وآخر لعمارة دَلْوِهِ الذي يغتسل من مسقاته المصلون في المسجد الذي أوقف عليه الحائط، سبيل: طريق، مسيل: مجاري السيل التي تسقي الحائط، المسجد: أحد مساجد منفوحة وأل التعريف تدل على شهرته لدى الأهالي حينئذ ومن الوارد أن يكون مسجد قصر العفسة، منفوحة: موطن الشاعر الأعشى، كانت بلدة منفصلة تقع جنوبالرياض، أما الآن فقد شملها اسم مدينة الرياض وصارت أحد أحيائه، أما النقود والمكاييل الواردة فهي، جديدة: اسم كان يطلقه الناس على كل عملة جديدة يبدؤون في التعامل بها ولم أتوصل إلى تحديد نوعها، وهايب (أو كلمة نحوها): لم أصل إلى معنى دقيق لها ويفهم من سياق النص أن الكلمة اسم جمع لأحد النقود وأنها أثمن من الجديدة ويظهر لي أنها محرفة عن كلمة (ذهب)، وزنات: واحدتها وزنة وهي مقدار معين كانوا يزنون به الأشياء التي تباع وزناً وتساوي الوزنة كيلوجراما ونصف (11) والبياض الذي يسبق كلمة (وزنات) يمكن استنتاج معناه وفق السياق وتكون العبارة (تسع نخلات لشريفة آل نفيسة فيها عشر وزنات تمر للضعفة) لأن (وزنات) تمييز عددٍ ما بين الثلاثة إلى العشرة.ومن الملاحظ في نص الوثيقة استخدام كلمات عامية لا تزال دارجة على الألسن إلى وقتنا، مثل: الضَّعفة، والتعبير عن مسمَّى الأسرة بالبيت، كما ان اسمي الكريمتين جوزا وشقرا من الأسماء الدارجة أكثر حسب علمي لدى أبناء البادية ويندر استخدامها لدى الحضر، ومن النتائج التي يمكن الخروج بها من هذه الدراسة ان العلم والتعليم كان منتشرا في تلك الفترة التاريخية وان الايمان لا يزال حيا في قلوب الناس ويدل على ذلك وجود العلماء وطلاب العلم الذين يرجع إليهم في توثيق المعاملات، ومعرفة الناس بدينهم وعقيدتهم رجالا ونساء ويدل على ذلك وجود المساجد والأوقاف الخيرية التي أوقفوها رجاء ما عند الله من الأجر لتصرف على عمارة المساجد ومساعدة المحتاجين من داخل الأسر وخارجها من أهالي البلد كما مرَّ معنا في وقف موسى بن نفيسة وشريفة آل نفيسة. الهوامش: (1) الوثائق الخاصة وأهميتها في كتابة التاريخ المحلي، بقلم فايز الحربي، صدى طويق: الملف السنوي لنادي طويق، ع 8-9، محرم 1420ه، ص86-89 (2) آل نفيسة من أقدم الأسر في الجزعة ومنفوحة وانتشرت بيوتها في الرياض والخرج والحوطة وضرماء والقصيم والزبير والكويت وغيرها وهي أسرة لها تاريخ وفيها العديد من الاعلام، انظر شجرة آل نفيسة في المعيقلية والخرج ومعكال، إعداد: سعد بن عبدالرحمن بن سعد النفيسة، ط1، محرم 1426ه، وكتاب الإعلام بما لآل نفيسة من تاريخ وأعلام، أحمد بن عبدالله النفيسة، ط1، 1425ه. (3) قصر العفسة: محلة مشهورة تقع جنوب منفوحة قام على أنقاضها مشروع الصرف الصحي جنوبالرياض في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري، انظر تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الرياض، راشد بن محمد بن عساكر، ط1، 1420ه، ص250 (4) إلاَّ: باستثناء. (5) وما ولاه جنوب: وما يليه جنوباً. (6) الضَّعفة: المعوزين. (7) لَهَلْ: لأهل. (8) تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار والأفهام، حسين بن غنام، ط1، 1368ه، المكتبة الأهلية بالرياض، 2- 46-47 (9) هذا ما ظهر لي لأنها كانت تسكن منفوحة زمن كتابة الوثيقة، انظر معجم مدينة الرياض، خالد السليمان، ط1، 1404ه، ص254 (10) مقرن: بلدة لها تاريخ قديم وكان فيها علماء، ضمها دهام بن دواس مع معكال ومنفوحة زمن إمارته لبلد الرياض، انظر معجم مدينة الرياض، خالد السليمان، ط1، 1404ه، ص233 (11) كلمات قضت، محمد العبودي، دارة الملك عبدالعزيز، 1423ه، 2-1477 .