لم تمنعني الأجواء المهرجانية الرائعة التي نظمت بها احتفالية توزيع جائزة معالي الأمير خالد بن احمد السديري للتفوق العلمي لعام 1425ه، والتي أقيمت مؤخراً بالغاط، لم تمنعني من مراقبة بريق السعادة والفخر اللذين كانا يشعان في أعين العشرات من أبنائنا الذين كرموا في هذه المناسبة تقديراً لتفوقهم المميز في العام الدراسي المنصرم في المراحل التعليمية المختلفة. واستحضرت حينذاك الآية الكريمة {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}، فقد قرأت في أعين هؤلاء الشباب الذين هم أمل المستقبل وعماده.. كم هو التقدير يمكن أن يكون أجراً وحافزاً وتكريماً لمن احسن العمل، فما بالك إذا كان مبدعاً مميزاً.. ويحظى بهذا التكريم. كم تمنيت أن يكون التقدير لمن أحسن عملاً نهجاً دائماً في حياتنا، وان تجد مبادرة أبناء معالي الأمير خالد بن احمد السديري -رحمه الله- بتبني جائزة للتفوق العلمي صداها للتعميم في كافة مناطق المملكة لكي نصنع روافد للمكانة التي يحظى بها العلم والعلماء في هذا البلد الكريم، وحافزاً للعمل الايجابي الطموح في كافة المجالات، وبخاصة إذكاء روح المنافسة الشريفة في مجال التحصيل العلمي.إن السنة الحسنة التي استنها أبناء المغفور له بإذن الله تعالى معالي الأمير خالد بن أحمد السديري، والمتمثلة في تبني هذه الجائزة باسمه -رحمه الله- منذ عام 1409ه أعدها تجسيداً لقيمة البر والوفاء لرجل كان نموذجاً للإنسان الفارس، والمفكر الشاعر، عاشق العلم وطلابه.وكما أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز راعي هذه المناسبة الطيبة في كلمته في الحفل:( بأن الجائزة ليست جائزة تخليد فقط، ولكنها نهج خيري وعلمي حث عليه الإسلام، وصورة من صور تشجيع ودعم العلم وأهله التي هي احد المقومات التي قامت عليها الدولة السعودية). وعكس سموه كلمته الموجزة الرائعة والنابعة من القلب لما كان يمثله الراحل -رحمه الله- من قيمة إنسانية ومكانة لدى سموه شخصياً ولدى اشقائه، مؤكداً على أن مبادرة تبني الجائزة هي تجسيد لحقيقة أن من نعم الله على الإنسان أن يكون له بعد وفاته عمل صالح وأبناء صالحون.وتتطرق سموه في كلمته بعضاً من الجوانب المهمة لمسيرة التعليم في بلادنا: عندما يتحدث الناس عن الإصلاح ينسون أن هذه الأرض هي في الأساس أرض اصلاح وهداية لأن رسالة محمد -ژ- كانت رسالة اصلاح وخير للبشرية وكذلك دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي قامت عليها هذه الدولة هي دعوة اصلاحية، فالاصلاح مبدأ ثابت في هذه الأرض وخيار لا حياد عنه لهذه الدولة، كما أن تشجيع ودعم العلم وأهل العلم مقوم من المقومات التي قامت عليها الدولة السعودية، وهذه الدولة -ولله الحمد- تعتبر دولة اسلامية حقه تطبق شرع الله، ومهما زاد حولها المحن وتكالبت عليها الظروف كلما زادت قوة ومنعة - ولله الحمد- حيث تجاوزنا -ولله الحمد- الكثير من العواقب والمحن وسنتجاوز هذا الظرف بفضل الله. مؤكداً سموه أن التعليم في هذه البلاد -ولله الحمد- بخير ويسير نحو الأفضل بجهود القائمين عليه وبالتوجيهات السديدة للقيادة الحكيمة. اماد.عبدالرحمن الشبيلي عضو مجلس الشورى والاعلامي البارز فقد قدم قراءة ممتعة.. وشيقة لمسيرة صاحب الجائزة أشار فيها إلى أنه -رحمه الله- كان رجلاً موسوعياً في عالم التاريخ والسياسية والأدب والفروسية لا يبلغها المرء في الكتاب أو المدرسة، وانما هي ارث ثقافي متأصل ومواهب معرفية مكتسبة تتصل ببيئة الإنسان وتربيته وتنشئته. ووجدت نفسي احلق مع كلمات الشبيلي:( بأن صاحب هذه الجائزة عاش في أجواء التاريخ ليكشف عن رواية يقرأ في الأحداث والوقائع، ويستنبط منها الاسباب والنتائج، وكأنما هو قد درس فلسفة التاريخ، أو قراء مقدمة ابن خلدون، مع حس توثيقي يؤكد أنه كان يحفظ ويدون ويرصد، لكن المهمات تلاحقه والقدر يعاجله قبل أن يفرغ لنشر ذكرياته المخطوطة). واختلطت لدي مشاعر الدهشة والاعجاب وأنا استمع الى طبيعة وحجم المسؤولية الجسيمة التي تحملها الأمير خالد بن احمد السديري رغم حداثة عمره في مطلع الخمسينيات الهجرية، حيث انطلق مع سرية من الرياض بقيادة الأمير محمد بن عبدالعزيز، في الحملة الثالثة التي اتجهت صوب صنعاء عن طريق نجران، وكان ممن اسهم فيها الفارس المعروف الأمير سلمان بن محمد وهي الحملات التي انتهت سلمياً باتفاقية الطائف، ثم صدور أمر المؤسس العظيم بابقاء الأمير خالد في أبها معاوناً لاخيه تركي (1353ه) ثم أميراً لمنطقة جازان (1359ه) التي بقي فيها نحو ست سنوات، وتكليفه مع أخيه الأمير تركي بقيادة قوات لاخماد فتنة في احد جبال الجنوب (1361ه) في أول مهمة عسكرية له حظيت بتقدير الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه . ثم كيف اثريت التجربة الادارية والسياسية لصاحب الجائزة من خلال توليه امارة منطقة الظهران قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية في فترة تأسيس قاعدتها العسكرية، وكان من انجازاته تخطيط مدينة الخبر، ثم ما حظي به من ثقة ملكية كريمة تمثلت في تعيينه عضواً في مجلس مستشاري الملك عبدالعزيز عام (1365ه)، وهو المجلس الذي ادخله مباشرة في مدرسة (الشعبة السياسية) المطبخ السياسي الذي كانت تنطلق منه توجيهات المؤسس. وتوقفت ملياً عند تفسير الدكتور الشبيلي لاختيار معالي الأمير خالد السديري - رحمه الله- مشرفاً على منطقة نجران خلال العقدين الاخيرين من عمره، وقوله: لقد قصد من اختياره لها الافادة من خبرته العسكرية والجغرافية ومن معرفته العميقة بالقبائل في فترة عصيبة من فترات الشد والجذب، وكان خلالها يعمل بتوجيهات القيادة بالعدل والانصاف في العلاقة ومداراة الجيرة وصلات القربى، وضمان الأمن والأمان على الحدود، لكنه بالرغم من انشغاله بالاحداث ترك بصمات تطويرية بالغة الاهمية على الحياة المعيشية في منطقة نجران، كان من بينها البدء في انشاء السد وتطوير الزراعة وتخطيط مدينتي نجران وشرورة لتكونا حاضرتين سكنيتين لتوطين من جاورهما من أبناء البادية.وعن معالي الامير خالد السديري -رحمه الله- الأديب الشاعر، قال الدكتور الشبيلي (احسب انه، لولا ما شغله من المهمات السياسية والعسكرية والادارية، لرأينا فيه أديباً متذوقاً ناقداً، أو مؤرخاً ملماً بحوادث الجزيرة وأحوالها، وأيام اهلها وخبيراً في صحرائها من قريات الملح إلى بلاد الأخدود، ومن جبل الظهران الى جبل الريث).أما أبدع ما قال الشبيلي في هذه الأمسية الطيبة، وصفه لصاحب الجائزة -رحمه الله- انه احد سيوف هذه الدولة واحد ادمغتها.اما على الصعيد الشخصي فقد كانت هذه الأمسية بالنسبة لي ليلة وفاء وعرفان امتزجت فيها العديد من القيم والمعاني الأصيلة تحت مظلة تكريم العلم وأهله، تعبقها ذكرى رجل هو الغائب الحاضر -رحمه الله- واسكنه فسيح جناته، وكم بهرني الطالب الذي قام بالقاء الكلمة نيابة عن زملائه المتفوقين.. لحسن الأداء.. والالقاء. ولمؤسس هذه الجائزة معالي الأمير فهد بن خالد السديري واخوانه وكل من ساهم في انجاح هذه المناسبة.. اقول لهم جميعاً: أثابكم الله خيراً عن هذه المبادرة المميزة، وجعلها في موازين حسنات الوالد -رحمه الله- وحسناتكم.وللمنظمين لهذه الاحتفالية الرائعة اهمس بان الطلاب المكرمين هم عرسان هذه الليلة، وهم الأولى بأن يكونوا في مقدمة الحفل تقديماً للبرنامج واجلاساً في المقدمة وليس من وراء الكواليس وهم نجوم المناسبة.. واتطلع إلى أن يتاح للمكرمين في الدورات القادمة لقاء سريع وصور تذكارية مع راعي المناسبة، وان يفسح اصحاب الكلمات المسهبة والمطولة المجال لابنائنا المكرمين للتعبير عن مرئياتهم وتطلعاتهم في هذه المناسبة، فقد تكون فرصة لاكتشاف أدمغة جديدة تسهم في تواصل مسيرة التنمية في هذا البلد الطيب، اسوة بصاحب الجائزة -رحمه الله-.واخيراً انني اتمنى -ان شاء الله- ان نستمتع قريباً بالاطلاع على الكتاب الذي يتحدث عن هذه الأسرة الكريمة وما قامت به وتاريخها الحافل. وكما قال عنه سمو الأمير سلطان بن سلمان ان تأليف كتاب عن هذه الأسرة الكريمة اقتراح قد تم رفعه الى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وانه في طور الاعداد وهو لا يؤرخ لاسرة ولكنه يؤرخ لحقبة من تاريخ هذه البلاد **من شعر صاحب الجائزة: في سيرة الملك الباني لامته صروح مجد عليها العدل يشتمل موحد الدولة العظمى على أسس من بطولات فيها يضرب المثل