نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    انطلاق فعاليات مهرجان "نبض العُلا" وسط أجواء رياضية وسياحية    نادي ثقات الثقافي يتألق (باأمسية أدبية مدينية ) بالتعاون مع الشريك الأدبي    خمس تطلعات مستقبلية لمنتدى TOURISE تستشرف التغيرات السياحية    «هيئة المحاسبين» تحيل ممارسين غير نظاميين إلى النيابة العامة    المملكة تقدم مشاريع صحية لبناء عالم خالٍ من شلل الأطفال بقيمة تزيد عن نصف مليار دولار    تجمع جازان الصحي وجمعية رعاية الأيتام بالمنطقة يبحثان سبل التعاون المشترك    تركي بن محمد بن فهد ينقل تعازي القيادة في وفاة علي الصباح    ضبط سوداني في نجران لترويجه مادة الحشيش المخدر    توطين سلاسل الإمداد    ملخص الخبر: "وزارة الداخلية تحتفي بمرور 100 عام على تأسيس الدفاع المدني"    تصوير مذنبين لامعين في سماء صحراء الإمارات العربيه المتحدة        السوق السعودي يترقب مسار السيولة    طبيب سعودي يحقق جائزة التميز في زراعة الكبد    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    ولي العهد يعزي هاتفيًا رئيس وزراء الكويت في وفاة الشيخ علي الصباح    في يومٍ واحد.. عسير تحتفي بإنجازٍ مزدوج لخدمة الإنسان    رئيس الخلود: لا نتوقف عن العمل من أجل سوق الانتقالات الشتوية    الفتح يطلق حملة جماهيرية لمواجهة الاتفاق امتدادًا لشعار "الحساوي فتحاوي"    وزارة الرياضة تحقق مستهدفات جديدة في نسب ممارسة النشاط البدني لعام 2025    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أنظمة الدفاع الجوي الروسية تسقط 3 مسيرات متجهة إلى موسكو    منظمة الصحة العالمية تجلي 41 طفلا من قطاع غزة    الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    رابطةُ العالم الإسلامي تُشيد بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    مسابقة "كأس فرسان علم السموم العرب" تنطلق اليوم    جمعية توعية الشباب تعزز مهارات التعامل التربوي مع الأبناء    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    الوداد المغربي يتعاقد مع الجناح زياش    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    انتهاء التقديم على «منصة التوازن العقاري» للراغبين بأراضي سكنية في الرياض    «سلمان للإغاثة» يوزّع (213) سلة غذائية في مخيم لواء باباجان في أفغانستان    ميندي: ضغط المباريات ليس عذراً    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    الاستثمار في رأس المال البشري.. البيز: 339 سعودياً يدرسون الأمن السيبراني في أمريكا    جذب شركات واستثمارات أجنبية واعدة..القويز: 1.2 تريليون أصول مدارة في السوق السعودية    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    الذهب يفقد بريقه مؤقتا تراجع عالمي حاد بعد موجة صعود قياسية    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.عبد الرحمن الحبيب
أزمة التحليل الجاهز للأحداث
نشر في الجزيرة يوم 23 - 08 - 2004

في ردهات المؤتمرات والندوات العلمية والبحثية كثيرا ما تردد فكرة فحواها ان الأمريكان والصهاينة هم الذين كانوا وراء أحداث 11 سبتمبر، وهم وراء أغلب الأحداث الإرهابية التي تحدث في منطقتنا، وعندما تسأل كيف؟ يكون الرد بأنه مسوغ كي يجدوا حجة أمام الرأي العام العالمي للهجوم على منطقتنا والسيطرة على مقدراتنا.. إذ لا يمكن لمسلم أن يصنع مثل هذا العمل الشنيع الخارج عن كل القيم والمبادئ.
وحين تسأل عن وجود ما يؤيد ذلك من مشاهدات واقعية ملموسة أو ملاحظات عقلانية مادية أو مرجعية إخبارية ذات مصداقية معقولة؟ يجيبونك بأنه لا حاجة لأدلة، المسألة واضحة كالشمس!! فهل تصدق أن مسلماً يمكن أن يفعل ذلك؟؟ وكنت أكرر أن المسألة ليست بقدرتي على التصديق بل بواقع الحال.
فماذا نقول في أبناء أمتنا الذين اعترفوا أو قبض عليهم وهم يمارسون أعمالاً إرهابية؟ سيقولون لك: أولئك مغرر بهم، فهم صنائع تافهة لمخطط جهنمي عالمي يشترك فيه الأمريكان والصهاينة..إلخ
ويلاحظ في فكرة المؤامرة أن النتيجة (وهي الإرهاب) وضعت سبباً بطريقة تعسفية إن لم نقل سفسطائية.
فإذا كان التفوق الحضاري لأمة ينتج عنه استغلال اقتصادي وتفوق على أمم أخرى، فإن بقدرة هذه الأمم، حسب ذلك المنطق، أن تدّعي أن سبب التفوق الحضاري للأمة الأولى هو استغلالها الاقتصادي ونهبها لخيرات الأمم الأخرى! صحيح أن كثيراً من النتائج يتحول إلى أسباب وأن النتائج والأسباب تتداخل في صيرورة لا تنتهي، ولكن من المتعذر أن تكون النتيجة وتداعياتها سبباً لذات النتيجة!! فإذا كانت نتيجة الاحتلال بزوغ المقاومة، فلا يمكن أن تكون المقاومة سبباً للاحتلال.
الحوار لا ينتهي مع من يعشق التفسير التآمري للأحداث، ويقدم أفكاره النظرية أو الايديولوجية وتحليلاته العاطفية والانفعالية على جميع المعلومات المعلنة والإثباتات المقدمة التي تتفق عليها مئات الجهات المحلية أو العالمية الرسمية وغير الرسمية ذات المصالح المختلفة بل والمتناقضة أحياناً، مما يجعل من المستحيل أن تتوافق هذه الجهات على الكذب أو تنخدع بهذا التنوع من الأدلة.
ولأن الايديولوجي المتشدد (أكان من اليساريين أو اليمينيين أو الإسلاميين) لا يرضى بأن تؤثر الأحداث الكبيرة بأحد أو جزء من مبادئ ايديولوجيته فإن الحادث المتخيل يعلو على الحادث الفعلي.. مفصِّلاً الحادث حسب قدرته التخيلية بما يخدم ايديولوجيته.. والمتعصب الايديولوجي يملك وجهة نظر قطعية سابقة وجاهزة لكل الأحداث فعندما تحصل واقعة غير مفسرة من قِبل قناعاته أو لها تفسير يخالف أفكاره يلجأ إلى التفسير التآمري ويتخيل سياق الأحداث بما ينسجم مع قالبه الفكري وليس بما وقع فعلاً.
إن مجتمعاتنا العربية التي تشدد الرقابة في انتقاء أو حجب المعلومات والدراسات الفكرية والمعرفية عن أبنائها تزدهر فيها العقلية غير التوثيقية وغير العلمية حيث ترتبط النتائج بمسببات واهية أو وهمية أو صورية..
فعند ندرة المعلومات أو عدم توفر الحد الأدنى من المعطيات والأدلة التي يطلبها التحليل السياسي والفكري لحوادث ومراحل معينة يلجأ المحللون والمهتمون إلى الاستناد إلى التحليل المنطقي والمقاربات وبعض أدوات التحليل الأخرى التي هي بحد ذاتها أدوات سليمة للتحليل، لكنها لن تجدي نفعاً دون وجود خبر موثوق أو معلومة مثبتة.
مثلاً، إذا قام النظام السياسي فجأة بإجراء عملية إصلاحية أو تغيير وزاري دون توفير معلومات أو معطيات كافية للتحليل أو ما شابهه تلجأ التحليلات إلى إعمال المنطق المجرد من المعلومات الإخبارية مستندة إلى الخيال في صياغة مؤامرة مدبرة سلفاً لها أهداف غير معلنة. هنا ترتع فكرة المؤامرة وتزدهر التحليلات الخيالية.
وكما أن أدوات التحليل السليمة لا تكفي وحدها، فإن المعلومات وحدها لا تكفي للتحليل السليم في مجتمعات ذات خلفية مثقّلة بالأمية وانتشار الخرافات، بل تحتاج إلى سلوك حضاري يعتمد الوسائل العلمية الممنهجة، فقد تكون المعلومات بيد محلل يعتمد على الربط الميتافيزيقي (ماورائي) للوقائع والتصور المسبق للأحداث الذي يلوي أعناق الحقائق.
فعند اقتناعه بطبيعة الحدث الحاصل فعلاً نجد أنه يمارس تحليلاً تنتفي أو تختل به العلاقة بين السبب والنتيجة أو العلاقة بين المعطيات والوقائع.
ويبدو لي أن فشل العديد من المحاولات والتجارب السياسية وتعاقب النكسات على المجتمعات العربية مع عدم القدرة على تفسير هذا الفشل المتوالي وصعوبة مواجهة الذات ونقدها ومراجعة سلوكياتنا وأفكارنا وقناعاتنا وتناقضاتنا جعل نظرية مؤامرة القيادة وإلقاء اللوم على تآمر الآخرين فكرة مغرية بدلاً من الدخول في عملية تحليل نقدي منهجية معقدة ودؤوبة.
فاستخلاص نتيجة واقعية عامة ووضعها كسبب منطقي عام دون تفاصيل حقيقية ودون أدلة إنما يعبّر عن عاطفة متأزمة وخيال مريض وعقلية كسولة لا يعنيها الربط المنهجي بين العديد من المعطيات والمسببات من جهة والواقع والنتائج من جهة أخرى وطبيعة التداخل بين هذه الحالات.
كيف، إذن، يمكن للعقل أن ينعتق من أسر التحليل المنطقي المسبق للأحداث..؟ سؤال عريض ومعقد يستدعي أسئلة أخرى وإحالات عديدة وإجابات مفتوحة..
ويأتي في المقام الأول التأسيس المعرفي لمفهوم النسبية والتعددية عبر تقبُّل الاحتمالات المتعددة لوقوع الأحداث ومسار تداعياتها.
الذي لا يعرف خطاً واحداً تحدده مفاهيم ايديولوجية أو منطقية، بل خطوط متقاطعة وحلزونية تنشأ من رحابة الواقع وتنوعه.
ويأتي في المقام التالي ما أسميه التأسيس المعرفي للخبر أو المعلومة بواسطة إعمال العقلية التوثيقية حيث تكون المعلومات الموثقة والحقائق المادية هي المادة الخام لهذه العقلية، وليس العقلية المبنية على تصورات منطقية أو تحليلات ذهنية مسبقة غير مستندة إلى حقائق أو ربما مستندة إلى أنصاف حقائق، فقد يجتهد البعض بتحليلات منطقية لأحداث افتراضية ومؤامرات ومكائد - قد تكون حصلت أو لم تحصل - دون تكليف نفسه تحري المعرفة بما حدث فعلاً، وهذا ما يفعله كثير من المحللين العرب تجاه الأحداث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.