الأخضر تحت15 يخسر من سلوفينيا في بطولة ديلي نازيوني    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    مدرب الطائي: سوء الحظ وراء الخسارة أمام الفيحاء    إصابة مالكوم وسالم الدوسري قبل مباراة الهلال والفتح    كيسيه: لم نتوقع صعوبة المباراة.. ولن نفرط في أي نقطة    فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    "زرقاء اليمامة" تعيد الأضواء ل"مركز فهد الثقافي"    "المُحليات" تدمِّر "الأمعاء"    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    492 ألف برميل نفط يومياً وفورات يومية    نار «الأصلية» أم هجير «التشاليح» ؟    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    أمير حائل يرفع التهنئة للقيادة نظير المستهدفات التي حققتها رؤية المملكة 2030    أمير جازان ونائبه يهنئان القيادة بما تحقق من إنجازات ومستهدفات رؤية المملكة 2030    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    60 مزارعا يتنافسون في مهرجان المانجو    سمو وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية قبرص    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    «ألبرتو بُري» يتجاوز مأساته    أمين الرياض يحضر حفل السفارة الأميركية    تحول تاريخي    الأخضر تحت 23 عاماً يواجه أوزبكستان في ربع نهائي كأس آسيا    المملكة تبدأ تطبيق نظام الإدخال المؤقت للبضائع    الهمس الشاعري وتلمس المكنونات    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    تفكيك السياسة الغربية    القيم خط أحمر    لو ما فيه إسرائيل    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    مقال «مقري عليه» !    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    فلسطين دولة مستقلة    محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    ريال مدريد في مواجهة صعبة أمام سوسيداد    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    النفع الصوري    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكذب بريد النفاق وطريق الهلاك
« الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «4»
نشر في الجزيرة يوم 16 - 01 - 2004

جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
سلمان
قد يتصرف الإنسان المسلم في بعض أمور حياته بشكل خاطئ، وقد يجد مبرراً لذلك، ولكن من الأمور القطعية، أن المؤمن لا يكذب، وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر بأحاديثه الشريفة، والله تعالى توعد الكاذبين بأشد العقاب، ولم يكن هذا إلا لأن الكذب من أخطر الأمور على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وللكذب جذور وأسباب،وله عواقبه ونتائجه الوخيمة ولكن بالطبع هناك علاج لهذا الداء العضال، وحلول وضعها الإسلام للقضاء عليه، واستئصال جذوره والوقاية منه، لحماية وسلامة المجتمع وتقدمه.. فماذا لو علم الناس خطورة الكذب وعظيم مغبته.. هل يتجنبوه؟ لنيل خير الدنيا، وثواب الآخرة.
في البداية يؤكد الشيخ ماجد بن محمد آل مبارك عضو الدعوة والإرشاد بالرياض أن الله تعالى أمر المؤمنين بملازمة التقوى، وأن يكونوا مع الصادقين في عبادة الله ، قال تعالى: {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اتَّقٍوا اللَّهّ وكٍونٍوا مّعّ الصَّادٌقٌينّ} ، كما حذر الله جل وعلا المؤمنين من آفة الكذب، وبين سبحانه وتعالى أن غير المؤمنين هم الذين يتعمدون الكذب، وأن الكذب صفة ملازمة لهم، فقال تعالى: {إنَّمّا يّفًتّرٌي الكّذٌبّ الّذٌينّ لا يٍؤًمٌنٍونّ بٌآيّاتٌ اللَّهٌ وأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ الكّاذٌبٍونّ}، لأن المؤمن لا يمكن أن يكذب، لأن الكذب من خصال المنافقين، قال تعالى: {واللَّهٍ يّشًهّدٍ إنَّ المٍنّافٌقٌينّ لّكّاذٌبٍونّ}، كما وضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وبين أن الكذب صفة أساسية من صفات المنافقين، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، و إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» متفق عليه، وأكد عليه الصلاة والسلام أن المؤمن لا يمكن أن يتصف بصفة الكذب، فعن صفوان بن سليم أنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن جباناً؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا» رواه مالك، ويعلل ابن القيم رحمه الله تعالى انتفاء هذه الصفة الذميمة عن المؤمن بقوله: «لأن الكذب يفسد تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد تصويرها وتعليمها للناس»، فالكاذب يصور المعدوم موجوداً والموجود معدوماً، والحق باطلاً والباطل حقاً، والخير شراً والشر خيراً.
حكمة التحريم
ويضيف آل مبارك: وإذا تأمل المسلم الحكم البالغة في تحريم الشريعة لهذا الخلق الذميم، وجد أن ذلك من أجل تقدم المجتمع وسلامته، واطمئنان أفراده، وشيوع الثقة بينهم، لأن الكذب آفة خطيرة إذا انتشرت في مجتمع قوضت أركان سلامته واستقراره، وبدلت اطمئنان أفراده قلقاً، وسعادتهم شقاء، لأن الحياة في مجتمع يمارس أفراده الكذب حياة نكدة تعيسة، لأن الثقة تكون معدومة، وكل فرد لا يطمئن إلى خبر الآخر، أو التعامل معه، لا في بيعه ولا شرائه، ومن أجل ذلك توعد الله الكذابين بعقوبة شديدة في الدنيا والآخرة، تتناسب مع فداحة الأخطار المترتبة على الكذب، فأما عقوبتهم في الدنيا فهي حرمانهم من هداية الله ومن توفيقه إياهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم، قال تعالى: {إنَّ اللَّهّ لا يّهًدٌي مّنً هٍوّ مٍسًرٌفِ كّذَّابِ}، وأما عقابهم في الآخرة فيوردهم كذبهم إلى عذاب السعير، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» متفق عليه.
ويضيف: لقد كان العرب في جاهليتهم - وهم مشركون - يتورعون عن الكذب، ولا يتخذونه منهجاً لحياتهم، أو لبلوغ مآربهم، ويستحيون من أن يؤثر عنهم أو ينسب إليهم الكذب، فهذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في ركب من تجار قريش إلى الشام، فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عني كذباً لكذبت عنه أو عليه، فإذا كان أبو سفيان في حال كفره يتنزه أن يوصف بالكذب ولو مرة واحدة، مع أنه يرى أن له مصلحة في كذبه فيما يخبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحري بكل مؤمن أن يبتعد عن الكذب وثماره الخبيثة التي ينفر منها كل أحد حتى الملائكة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كذب العبد تباعد عنه الملك ميلاً من نتن ما جاء به» رواه الترمذي.
آثار الكذب
ويعدد آل مبارك آثار الكذب ومخاطره بقوله: الكذب وإن كان كله شنيعاً إلا أن بعضه أشنع من بعض وأفحش الكذب وأشنعه وأقبحه الكذب على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن الكذب على الله تعالى الابتداع في العبادات أو تحريف كلام الله، وتغييره وتبديله عن معانيه، كما فعل أهل الكتاب الذين بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوه بأيديهم وقالوا: هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، فتوعدهم الله على هذا الكذب والبهتان والافتراء وما أكلوا به من السحت، قال تعالى: {فّوّيًلِ لٌَلَّذٌينّ يّكًتٍبٍونّ الكٌتّابّ بٌأّيًدٌيهٌمً ثٍمَّ يّقٍولٍونّ هّذّا مٌنً عٌندٌ اللَّهٌ لٌيّشًتّرٍوا بٌهٌ ثّمّنْا قّلٌيلاْْ فّوّيًلِ لَّهٍم مٌَمَّا كّتّبّتً أّيًدٌيهٌمً ووّيًلِ لَّهٍم مٌَمَّا يّكًسٌبٍونّ}، ومن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أحاديث مكذوبة، حتى ولو قصد واضع تلك الأحاديث ترغيب الناس في الفضائل، وحثهم على العبادات كما فعله جهلة المتصوفة والعباد، فإن الكاذبين متوعدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
ومن أشنع الكذب وأخطره شهادة الزور، وقول الزور، فإن الله قرنها بالشرك في قوله تعالى: {فّاجًتّنٌبٍوا الرٌَجًسّ مٌنّ الأّوًثّانٌ واجًتّنٌبٍوا قّوًلّ الزٍَورٌ}، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور وقول الزور من أكبر الكبائر، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قلنا: بلى، قال: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت»، متفق عليه، وخطورة شهادة الزور تكمن في أن صاحبها يستبيح ما حرم الله عليه، إما بدافع الحمية لمناصرة المشهود له بالباطل، أو بدافع الطمع بما يعطيه المشهود له من مالٍ ونحوه، وما علم شاهد الزور أنه من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، لأنه قلب بشهادته الحق باطلاً، والباطل حقاً، كما أنه قد أسهم في مساعدة أهل الإجرام على ارتكاب جرائمهم، وعلى الإفلات من العقوبة الشرعية التي تنتظرهم، كما أن شاهد الزور هو السبب الرئيس في ضياع الحقوق الواضحة، لذلك كانت شهادة الزور مفسدة للدنيا والدين.
ومن الأمور التي يجب أن لا يتساهل بها بعض المسلمين الكذب في البيع والشراء، والكذب من البائع أو المشتري يمحق بركة البيع، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» متفق عليه، وأعظم من ذلك إذا اقترن إنفاق السلعة بالحلف الكاذب، فقد ورد فيه الوعيد الشديد لمن فعل ذلك، فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال: فكررها رسول الله صلى الله ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» رواه مسلم.
عادة مرذولة
ويحذر آل مبارك من عادة مرذولة حيث الكذب على الأولاد، فقد يتساهل كثير من الآباء والأمهات في هذا الأمر، ولا يرون به بأساً، مع أن فيه ضرراً كبيراً، إثم الكذب، وإثم القدوة السيئة، وتعليم الناشئة التهاون بالكذب، والتعود عليه، فعن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: «دعتني أمي يوماً - ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا - فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه ثمراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة» رواه أدو داود والبيهقي، وأيضاً يجب الحذر من الكذب حتى في المزاح، وقصد إضحاك الآخرين، لأنه قد ورد فيه الوعيد المؤكد في حق من فعل ذلك فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويل لمن يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ويل له» رواه أحمد والترمذي وأبو داود، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا يا رسول الله! تداعبنا، قال: «إني لا أقول إلا حقاً» رواه الترمذي، كما يحرم الكذب في الرؤيا المنامية، وهو من أشد الأكاذيب إثماً، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أفرى الفرى أن يرى الرجل عينيه ما لم تريا» رواه البخاري.
مراقبة الله في اللسان
ويقول الشيخ عبدالمجيد العُمري: إن الصدق يتمثل في مراقبة الله سبحانه وتعالى في كل كلمة ينطق بها اللسان، وتحري الصدق والمسؤولية أمام الله عليه، فإن الإنسان ينطق بالكلمة لا يحسب لها حساباً فتهوي به سبعين خريفاً في نار جهنم، والكذب هو نقيض الصدق وهو من الأمور المحرمة شرعاً، ويجب اجتناب كل كذب لأنه محرم، وما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب، قال الله تعالى: {هّذّا يّوًمٍ يّنفّعٍ الصَّادٌقٌينّ صٌدًقٍهٍمً} ، وقد يظن الكاذب أنه يجلب لمحدثيه فضلاً ومسرة، وهو يجلب نقصاً وفضيحة، فالكذب رذيلة محضة من أرذل الرذائل تنبئ عن فساد النفس وصاحبها، وعن سلوك يسهم في تصدع العلاقات بين المجتمع وتختل به الأمور، والكذب دائماً يسقط صاحبه من العيون، ولا يعتد بقوله ولا يوثق به في عمل ولا يرغب له في مجلس وأحاديثه عند الناس متروكة وشهادته مردودة.
ويضيف الشيخ العُمري: ولقد حذرنا الإسلام من الكذب، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي الى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»، متفق عليه، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذبة فما يزال في نفسه عليه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة، وفي الحديث الآخر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا، رواه مالك والبيهقي في شعب الإيمان، ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكذب يهدي إلى الفجور وأن الفجور يهدي إلى النار أول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق، ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق، وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب، فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق، وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤه الكذب.
الكذب بريد النفاق
أما الأستاذة حصة بنت محمد الماضي المشرفة المركزية بالإدارة العامة لتوجيه وارشاد الطالبات بتعليم البنات فتقول: إن الكذب بريد الكفر والنفاق وقائده، فلا يجتمع الكذب والإيمان إلا ويطرد أحدهما الآخر، فالكذب من قبائح الذنوب وهو من علامات النفاق، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» متفق عليه.
وعلى كل مسلم أن يحذر من الكذب، ويطهر لسانه منه، بقدر ما يستطيع، وليتفكر في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع» رواه مسلم، ولنا في سلفنا الصالح قدوة حسنة في تجنب الكذب، فهذا ربعي بن حراش كان له ولدان عاصيان للحجاج، وأقبلا من خراسان فجاء رجل إلى الحجاج فقال: أيها الأمير إن الناس يزعمون أن ربعي لم يكذب قط، وقد قدم ابناه من خراسان، فقال الحجاج علي به، فلما جاء قال: أيها الشيخ، قال: ما تشاء؟: قال: ما فعل ابناك؟ قال: الله المستعان خلفتهما في البيت قال: لا جرم والله لا أسوؤك فيهما هما لك
وقال الشاعر العربي الفصيح:
لا يكذب المرء إلا من مهانته
أو فعلة السوء أو من قلة الأدب
الكذب يعظم أثره وإثمه
ويضيف د. محمد بن عبدالله السحيم عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض بقوله: إن الكذب يعظم إثمه، بعظم أثره، فالكذب على الله ليس كالكذب على سائر البشر، وكذلك الكذب الذي ينتشر بسرعة ويعم الآفاق، إما بسبب الموضوع أو بسبب الزمن المتعلق فيه أم بسبب الشخص الذي يتناوله الحديث، حيث جاء في الحديث الوعيد الشديد للذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق، ويطير خبرها، كما قال صلى الله عليه وسلم :«أتاني الليلة آتيان وإنما ابتعثاني وأنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما... إلى أن قال: فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخراه إلى قفاه وعيناه إلى قفاه، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصبح الجانب الأول كما كان، ثم يعود فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى، قال: قلت سبحان الله ما هذا؟ إلى أن قال: وأما الرجل أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه وعينه إلى قفاه ومنخراه إلى قفاه فإن الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق» رواه مسلم وأحمد في مسنده والبخاري في صحيحه.
ولا شك أن الكذب اليوم على الولاة والعلماء وذوي الشأن مما تطير به وسائل الإعلام وشبكة المعلومات حتى يبلغ الآفاق.
ويتساءل د. السحيم: ولو علم الإنسان خطورة الكذب وعظيم مغبته، فإن عليه أن يجتنبه، ويلزم نفسه باجتنابه والحذر منه لئلا يكتب عند الله كذاباً، والأسرة المسلمة مطالبة أن تربي أولادها على الصدق، وليس غيره، حتى يكتبوا من الصديقين، فإن العبد لا يزال يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، فيلزم الصدق في مخبره ومظهره في قوله وعمله.. ومما ينبغي أن نتفطن له أن كثيراً من الناس قد يظهن أن الكذب مقصور على الحديث وهو أعم من ذلك، فكل إخبار مخالف لما وقع داخل في الكذب، سواء كان ذلك في الحديث أو في التقارير المكتوبة أم شهادات المطابقة والاستلام، أم في تقارير تقويم الأداء بل قد يجتمع في هذه الكذب وظلم الآخرين وخيانة الأمانة وغش الولاة وغيرها من الموبقات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.