في هذه الأيام المباركة تمر ذكرى عطرة على هذه البلاد الطاهرة، ألا وهي ذكرى تولي خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - مقاليد الحكم؛ هذه الذكرى يفوح شذاها عطاء متدفقا لا محدوداً قدمه خادم الحرمين الشريفين - أطال الله في عمره - خدمة لدينه ووطنه وأمته الإسلامية. فأما جهوده - حفظه الله - في خدمة وطنه فشاهدها التقدم المذهل الذي حققته هذه البلاد في شتى المجالات. وأما ما بذله ويبذله خادم الحرمين الشريفين من جهود مباركة في خدمة الإسلام وقضايا المسلمين؛ فمنطلقه الرسالة التي حملت المملكة العربية السعودية لواءها وهي خدمة الإسلام والمسلمين في شتى أصقاع الأرض، وعلى مختلف الأصعدة؛ فقد قدمت هذه البلاد ومنذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - عطاء مشكوراً في خدمة الإسلام وأهله ومن ذلك: نشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، والدفاع عن قضايا المسلمين، وتقديم المساعدات العينية والمالية، ونجدة المحتاجين، وتعليم أبناء المسلمين. والجانب الآخر ركز عليه خادم الحرمين الشريفين، وأولاه جل اهتمامه؛ لأن التعليم أساس تقوم عليه حياة الشعوب. ويظهر هذا الاهتمام من خلال دعمه - حفظه الله - للجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة التي تعتبر بحق مصدر إشعاع ومنارة علم لأبناء المسلمين في شتى أنحاء المعمورة؛ فقد حظيت هذه الجامعة بعناية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله - شأنها في ذلك شأن بقية الجامعات والمؤسسات التعليمية في بلادنا ولا غرابة في ذلك فهو أيده الله رائد التعليم الأول في هذه البلاد. إلا أن الجامعة الإسلامية امتازت عن أخواتها الجامعات بعناية خاصة من خادم الحرمين الشريفين؛ لأنها النبع الصافي لتعليم أبناء المسلمين إذ تشكل نسبة طلاب المنح الدراسية فيها 85%. ففي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - صدر أمر ملكي برقم «1/189» وتاريخ 25/8/1395ه يقضي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز ولي العهد والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء رئيساً أعلى للجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة. وبعد توليه - حفظه الله - أمر هذه البلاد ومن واقع اهتمامه بأمر هذه الجامعة وحرصا منه - رعاه الله - على متابعة مسيرتها شخصياً، فقد احتفظ لنفسه بحق الإشراف المباشر على هذه الجامعة وصدر بذلك مرسوم ملكي برقم : «1/505» وتاريخ 17/11/1402ه جاء فيه «يعتبر مجلس الوزراء رئيساً أعلى للجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة» . لذلك كان - حفظه الله - يحرص على رئاسة مجلسها الأعلى ما سمح وقته بذلك، كما كان يحرص - رعاه الله - على زيارة الجامعة وتفقد أحوالها ولقاء منسوبيها. وتلمس حاجاتهم، ومد يد العون لهم ومن ذلك تبرعه - حفظه الله - بمبلغ خمسة ملايين من الريالات لشراء وقف يكون سكناً لطلاب أوروبا وأمريكا. ويكفي الجامعة فخرا أنه - أيده الله - أطلق عليها وصفاً تعتز به كثيرا حيث قال في كلمته التوجيهية التي تفضل بها عند زيارته للجامعة يوم الثلاثاء الموافق 16/1/1403ه: «سوف تكون الزيارات ليست فقط هذه الزيارة، ولكن ستكون زيارات متتالية والاجتماع بالإخوان والأساتذة في هذه الجامعة التي نعتبرها جامعة قيادية». وفيما يلي أقدم للقارئ الكريم نبذة موجزة عن الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، شجرة العطاء وارفة الظلال التي غرستها حكومة المملكة العربية السعودية، ورعاها خادم الحرمين الشريفين؛ فقطف أبناء المسلمين من ثمارها اليانعة: فقد صدر أمر ملكي كريم بتأسيسها عام 1381ه ، وبدأت الدراسة فيها يوم الأحد 2/6/1381ه. أهداف الجامعة حدد نظام الجامعة الذي صدر به مرسوم ملكي في 18/5/1386ه أهداف الجامعة بما يأتي: 1- تبليغ رسالة الإسلام الخالدة إلى العالم بالحكمة والموعظة الحسنة عن طريق الدعوة والتعليم الجامعي. 2- غرس الروح الإسلامية وتنميتها في حياة الفرد والمجتمع. 3- إعداد البحوث العلمية وترجمتها ونشرها وتشجيعها في مجالات العلوم الإسلامية والعربية خاصة، وسائر العلوم، وفروع المعرفة الإنسانية التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي بعامة. 4- تثقيف من يلتحق بها من طلاب العلم من المسلمين من شتى الأنحاء، وتكوين علماء متخصصين في العلوم والمعارف بما يؤهلهم للدعوة للإسلام، وحل ما يعرض للمسلمين من مشكلات في شؤون دينهم ودنياهم على هدي الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح. 5- تجميع التراث الإسلامي والعناية بحفظه وتحقيقه ونشره. 6- إقامة الروابط العلمية والثقافية بالجامعات والهيئات والمؤسسات العلمية في العالم وتوثيقها لخدمة الإسلام وتحقيق أهدافه. والجامعة لم تأل جهدا في تحقيق تلك الأهداف النبيلة بدعم مستمر من ولاة الأمر، ولذلك أنشأت الكليات والمعاهد العلمية المختلفة. كليات ومعاهد الجامعة نص النظام الأساسي للجامعة في مادته السابعة على أن الجامعة تتكون من قسمين «عال وثانوي» فالقسم العالي يشمل الكليات والدراسات العليا التابعة لها، وكانت كلية الشريعة أولى كليات الجامعة تأسيساً وكان ذلك عام 1381ه، ثم تليها كلية الدعوة وأصول الدين، ثم كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية، فكلية اللغة العربية، ثم كلية الحديث والدراسات الإسلامية، وهذه الكليات يتبعها أقسام علمية مختلفة للدراسات العليا تشرف عليها عمادة الدراسات العليا بالجامعة. وأما القسم الثانوي فيشمل «دارين للحديث في مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، ومعهدين متوسط وثانوي في مقر الجامعة في طيبة الطيبة. وهذه المعاهد والدور تهدف إلى تأهيل الطلاب للالتحاق بالتعليم الجامعي. وتضم الجامعة في جنباتها معهداً لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، كما تشرف الجامعة على مركز خدمة السنة والسيرة النبوية والذي يعنى بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته جمعاً وتوثيقاً ونشراً. وهذه الكليات والمعاهد تبذل جهداً مباركاً في سبيل تحقيق أهداف الجامعة بمؤازرة من العمادات المساندة «عمادة القبول والتسجيل وعمادة شؤون الطلاب وعمادة شؤون المكتبات وعمادة البحث العلمي وعمادة خدمة المجتمع». والطالب الدارس في تلكم الكليات أو المعاهد يحصل على الكثير من الميزات منها: «المكافأة الشهرية، والسكن المريح، والرعاية الصحية والثقافية والرياضية، وتنمية المهارات، وتقديم المساعدات المالية والعينية، عن طريق صندوق البر، والتذاكر السنوية المجانية بالنسبة للطلاب من خارج المملكة العربية السعودية». جهود أخرى لم تقتصر جهود الجامعة الإسلامية في خدمة الإسلام والمسلمين على الجانب الأكاديمي فقط؛ بل شملت جوانب أخرى منها: إقامة الدورات التدريبية لمعلمي اللغة العربية والثقافة الإسلامية في كثير من البلدان الإسلامية. التعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية في إرسال الدعاة والأئمة إلى المسلمين في أنحاء كثيرة خلال شهر رمضان المبارك. إقامة الندوات والمؤتمرات والملتقيات العلمية التي من شأنها تحقيق أهداف الجامعة. طباعة الكتب والبحوث العلمية المحكمة وتوزيعها. قطف الثمار الجامعة الإسلامية هذه الشجرة المباركة التي غرستها المملكة العربية السعودية في مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتعليم أبناء المسلمين أتت أكلها وقطف المسلمون ثمارها؛ إذ تخرج في هذه الجامعة منذ تأسيسها عام 1381ه وحتى نهاية العام الدراسي 1421/1422ه أكثر من ثلاثين ألف طالب ينتمون لأكثر من مائة وثمانين دولة واقليماً. حصل منهم على درجة العالمية «الماجستير» ما يقارب من «600» طالب، ونال منهم درجة العالمية العالية «الدكتوراه» ما يزيد على «360» طالباً. وتبلغ نسبة طلاب المنح من هؤلاء الخريجين ما يزيد على «85%»؛ عادوا إلى أوطانهم يحملون مشعل نور وهداية، عادوا دعاة وقد تسلحوا بالعلم النافع والحكمة الحسنة. فقاموا بواجبهم ونشروا العلم بين ذويهم، تسلم الكثير منهم مناصب قيادية في بلدانهم. وما كان لهذا الخير أن يتم وهذا النور أن يعم؛ لولا فضل الله عز وجل ثم دعم ولاة الأمر في هذا البلد المعطاء فبدعمهم ومتابعتهم، وبجهود القائمين على هذه الجامعة أصبحت نهراً من العطاء العلمي يرتوب منه أبناء المسلمين في أصقاع الدنيا. وسوف تظل هذه الجامعة قيادية في خدمة الإسلام والمسلمين برعاية ودعم من حكومة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - ومتابعة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة.