«المهندسون» هذه الكلمة في كل بلد تعني فئة تهتم بحضارته وتقدمه.. فالمهندسون هم الذين يقومون بالتخطيط المعماري والهندسي.. وهم الذين يشرفون على الطرق والكباري وسكك الحديد.. وهم الذين يصممون شبكات الكهرباء والدوائر الإلكترونية المعقدة.. وهم الذين يساهمون في بناء المصانع وتشغيلها.. ولكن هذه الفئة لدينا لا تزال «منسية» فئة لم تحصل على حقوقها التي توازي ما تبذله من جهود وما بذلته من جهود في الدراسة.. لم أقابل مهندسا إلا وأراه يشتكي من هذا الإهمال وهذا النسيان لفئة تضعها جميع دول العالم المتقدم في مقدمة فئاتها.. وترصد لها الخطط والبرامج وتشبع حاجاتها المادية والنفسية.. ولا يعني الحديث عن هذه الفئة أنني أقلل من جهود الفئات الأخرى وإنما أتحدث عن فئة أتمنى لها بحكم معرفتي لهذه الفئة ومعرفتي لزملاء المهنة.. ولا يعني بأي حال من الأحوال انتقاص الفئات الأخرى عدم الحديث عنها من شخص لا يعرفها.. ولكن كما يقول المثل الشعبي «كل على همه سرى» .. إن جميع الفئات المهنية والجامعية في المجتمع لا تقل أهمية عن «المهندس» ولكن المهندس في أي مجتمع له دور كبير في بناء البنية التحتية الاقتصادية والعمرانية لهذا المجتمع ويطال تأثيره جميع الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. ولقد كان المهندسون في بداية نهضتنا المباركة يعدون على الأصابع وتخرجوا من جامعات خارج بلادنا.. في وقت لم توجد فيه كلية للهندسة.. أما الآن فيوجد أكثر من 5 كليات للهندسة إضافة إلى حوالي 4 كليات للعمارة والتخطيط تخرج في كل سنة عدداً كبيراً من المهندسين الذين يذهب جهدهم ودراستهم هباء تنميه الهوة الكبيرة بين الدراسة وواقع العمل الوظيفي الخاص والقطاع العام فليس هناك تناسب بينهما. أكثر من 000 ،60 مهندس يحتاجون إلى إعادة دراسة وضعهم الوظيفي ودراسة إيجاد كادر خاص بهم أسوة بالفئات الأخرى.. والمهندس هو الخريج الوحيد الذي لم يتم حتى الآن بحث وضعه الوظيفي ووضع حوافز تشجيعية له.مع العلم أنه درس بكلية علمية حوالي 6 سنوات بلغة إنجليزية صعبة وقام ببحوث ومشروع تخرج يشبه رسالة الماجستير وجهده في الدراسة والبحث يقارب إن لم يساو جهد زميله الطبيب.. وأنا هنا لا أقلل من جهد الفئات الأخرى فكلنا جنود لخدمة هذا الوطن كل في مجاله.. ولكن المهندس أقل من غيره في الحوافز بشكل كبير بل إن المساواة «وأؤكد على كلمة المساواة وأضع تحتها خطين» معدومة تماماً في حالة المهندس وحان الوقت لتغيير هذا الوضع وعلى أقل تقدير إذا كان وضع كادر وظيفي خاص بالمهندسين صعباً أو بحاجة إلى دراسة لماذا لا يتم اختصار سنوات الترقية للمهندس إلى 3 سنوات أو سنتين في كل مرتبة، وبهذا نضمن المساواة وعودة المهندسين إلى أعمالهم الوظيفية بهمة ونشاط وقد أثبتت دراسة أجريت مؤخراً أن 50% من المهندسين السعوديين لا يعملون في مجالات عملهم الأساسية التي درسوها.. فمعظمهم حينما وجد أن غيره من الخريجيين الذين بذلوا جهداً أقل منه بكثير أفضل منه وظيفياً اتجه إلى مجالهم وترك عمله الأساسي وهو معذور في ذلك فهذه الوظائف أقل جهداً وأكثر راتباً وحوافز تشجيعية وما لم يتغير هذا الوضع سيستمر نزيف المهندسين إلى غير مجالاتهم وهم حوالي «000 ،60» مهندس. أيضاً لابد من دراسة تصنيف المهندسين حسب مجالات عملهم وحسب خبرتهم العملية إلى مجالات أدق وأكثر تفصيلاً فمثلاً المهندس المدني يتخرج بشهادة هندسة مدنية تشمل مختلف مجالات الهندسة «هندسة طرق وكباري هندسة إنشاءات هندسة صحية هندسة مساحة هندسة تربة» ولكن من الملاحظ أن المهندس في عمله يتخصص في أحد هذه المجالات بحكم ممارسته لعملها وبالتالي يكون أكثر إلماماً بأحد هذه التخصصات وربما لا يجيد المجالات الأخرى وربما في كثير من الأحيان ينساها.. وبالتالي يجب تصنيف المهندسين السعوديين إلى مجالات أكثر دقة ووضع قاعدة بيانات لهم وإعطائهم شهادات الممارسة بناء على سنوات خبرتهم وحصر الكفاءات الهندسية السعودية في كل تخصص وإعداد قاعدة معلومات عنهم وعن خبراتهم وإصدار مجلد سنوي لهؤلاء المهندسين لكي يكون رابطا بينهم للتعارف والاستفادة. أما الهيئة أو الجمعية السعودية للمهندسين فهي بمثابة بيت خبرة لهؤلاء المهندسين وملتقى يلتقون فيه لتبادل الخبرات فيما بينهم وتنظم لهم دورات تدريبية متخصصة «تطبيقية» وأركز على كلمة تطبيقية فالدورات التي يتم تنظيمها حالياً تقتصر على الجامعات السعودية فبرغم أهمية هذه الدورات إلا أنها تظل في النطاق الأكاديمي النظري البعيد عن التطبيق العملي وبالتالي الرجوع إلى دورة الدراسة الأكاديمية البحتة. كما أن هذه الهيئة أو الجمعية يعلق عليها المهندسون آمالاً كبيرة في أن تقوم بترجمة الأبحاث العلمية التي تقوم بها الهيئات الهندسية ومراكز البحث العلمي في مختلف أنحاء العالم إلى اللغة العربية حيث تقف اللغة الإنجليزية حائلاً دون فهم معظم هذه الأبحاث وإن ادعى مدع أنه يجيد اللغة الإنجليزية ويفهم ما يؤلف فيها. كما أن للمكاتب الاستشارية والهندسية دوراً كبيراً في النهضة العمرانية وضبطها وكذلك النهضة الصناعية والاقتصادية في مختلف المجالات فهذه المكاتب والدور ذات أثر مباشر في متابعة التخطيط والتنمية عن طريق استشاراتها المميزة التي تقدمها. والهيئة أو الجمعية الهندسية السعودية الموعودة ستكون ذات دور في تنظيم عمل هذه المكاتب والإشراف عليها ومحاولة تطويرها إلى الأفضل أي إنها جهة رقابية لمحاولة الوصول إلى الأفضل وتصنيف هذه المكاتب في مجالات عملها واختصاصاتها ووضع قاعدة معلومات شاملة عنها. ويمكن أن يكون في كل حي من أحياء المدينة مكتب هندسي به مهندس متخصص في التخطيط والعمارة أو الهندسة المدنية لضبط التنمية العمرانية في كل حي على حدة والإشراف على الفلل والعمائر من حيث الارتدادات والارتفاعات ونظام الواجهات الذي يجب أن يكون على نمط واحد في كل شارع على أقل تقدير وأن يكون هذا المهندس ذا صلة بالأمانة أو البلدية ليعطى الصفة الرسمية والسلطة الرقابية وبالتالي مساهمة المكاتب الهندسية في الوصول بمدننا إلى الشكل الأروع والأجمل بمساعدة البلديات والأمانات. ويجب أن يتفرع عن الهيئة الموعودة عدة هيئات فرعية لكل تخصص من تخصصات الهندسة «هندسة مدنية كهربائية ميكانيكية صناعية عمارة حاسب آلي». ومن الأفضل أن يكون لهذه الهيئة فروع في كل منطقة من مناطق المملكة لكي تكون موئلاً وملتقى لمهندسي كل منطقة.