الشاعر عبدالله بن سالم الحميد التي نشرت في عدد سابق من الجزيرة العظيمة بعنوان (البديل) جاءت على البحر المتقارب وهو: (فعولن فعولن فعولن فعولن في كل شطر) وهو بحر مطروق كثيراً وخاصة في الأناشيد والأغاني: ومنه «بلادي بلادي منار الهدى»، اذا الشعب يوما اراد الحياة» «أخي جاوز الظالمون المدى». والعنوان (البديل) اشتهر أخيراً وذاع بكثرة بعد الاتفاق على نبذ الحرب واللجوء إلى الحل السلمي لقضية فلسطين وإلا «الذي لديه بديل فليأتنا به». 1 يريدون غيري الغداة بديلا يلمّ الشتات وينهي الفصولا ويظهر ان الشاعر فشل في لم الشتات وانهاء فصول التخاصم والفرقة مما دعاهم (؟) إلى البحث عن بديل. وبالمناسبة تدخل الباء على المبدَل (المستغنى عنه) عنه. قال تعالى: {أّّتّسًتّبًدٌلٍونّ پَّذٌي هٍوّ أّّدًنّى" بّالَّذٌي هٍوّ خّيًرِ}. فالذي هو ادنى هو ما يريده بنو إسرائيل {مٌمَّا تٍنًبٌتٍ الأّّرًضٍ مٌنً بّقًلٌهّا وّقٌثَّائٌهّا وّفٍومٌهّا وّعّدّسٌهّاوّبّصّلٌهّا} باستبدالها بالمن والسلوى. والغداة ما بين الفجر وطلوع الشمس والشاعر يقصد بالغداة الوقت الحاضر. 2 يريدون غصناً طريَّ التثنّي فقد مل صحبي الكرام الكهولا أولاً : التجديد والدماء الشابة مطلوبة فالمستقبل للشباب: نحن الشباب لنا الغدُ ومجده المخلدُ أما الكهول والشيوخ فلهم الماضي. واذا تحدث الشباب عن الغد والمستقبل فإن الشيوخ يتحدثون عن الماضي: «كُنا وكُنتُ» ولذا سُمُّوا «الكُنْتِيّون». ثانياً: غصناً طريَّ التثنّي بحيث يُثقف ويُقوّم ويستجيب (الشباب) بعكس الخُشُبُ والحَطَب اذا قوّمتها انكسرت. قال الشاعر: إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ولا تلين اذا قوّمتها الخُشُبُ ثالثاً: التعليم مع أنه من المهد الى اللحد لكنه عبء وشاقّ على «الشيوخ» العْوِدِه قالت الأعرابية: أنشا يمزّق أثوابي يؤدبني أبعد شيبيَ يبغي عندي الأدبا ويقول العامة (بعدما شاب ودّوه الكتاب). رابعاً: الكهول: الكهل ما يزال فيه بركة (من الثلاثين إلى الخمسين). ولعل الشاعر يقصد الشيوخ (فوق الخمسين: فوق الكهل ودون الهَرِم). (الهَرِم يبلغ أقصى الكبر). خامساً: أشدّ الناس زهادة في الشيوخ والكبار هن النساء العذارى والصبايا والغواني قال الشاعر: يا قاتل الله وصلٍ الغانيات إذا أيقنّ أنك ممن قد زها الكبرُ وقال شاعر يصف شَعْره (وقد شاب) وشُعور الغانيات عند رؤيته: تراه كالثُّغامِ يُعَلُّ مسكاً يسوء الفاليات إذا فَلَيْني والثُّغام جمع ثُغامة: شجرة بيضاء الثمر والزهر تنبت في قُنَّة الجبل واذا يبست اشتد بياضها. ورجاءً ممن يعرف عنها شيئاً أن يخبرنا أو يرينا صورتها. والشاعر (ليس الحميد) كبر ويبس واشتد بياض شعره كالثغام وهذه مقارنة لطيفة بين شعره والثغام لأن الثغامة كلما يبست اشتد بياضها. والفاليات اللاتي يبحثن في شعره عن القمل - (والشاعر المقمّل) حوله فاليات لا فالية واحدة بطران، وشَعْره يسوءهن ببياضه (شايب لا خير فيه ولا فائدة منه). (وفَلَيْنِي) بدون نون الوقاية لغة في فَلَيْنَنِي والشاعر شعره مُعَطّر بالمسك ومضمّخ به. 3 يريدون بدراً عليَّ المجالي يضيء على ذروتيه السبيلا إن كانوا يريدون الجمال فالشاب بدر والشياب محاق وإن كانوا يريدون الإنارة (المعنوية والهداية) فالشيخ نور والشاب نار. المجالي: بالجمع لعلها جمع مجال. وغنىّ الراحل عبدالوهاب قصيدة (الجندول) لعلي محمود طه وهي قصيدة رومانسية مترفة ومطلعها فيه كلمة (المجالي): أين من عينيَّ هاتيك المجالي ياعروس البحر ياحلم الخيالِ وذروتا القمر..؟ 4 وصار رفيق الدروب عصيّاً شديد المراس.. يريد الوصولا والشعر يلجىء الشاعر إلى الضرورات والا فللشاعر رفيق درب لا دروب. شديد المراس. جَلْدٌ ذو ممارسة والبيت يذكّرني ببيت مالك بن الريب: خذاني فجرّاني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعباً قيادياً 5 وكنت خفيف الظلال، ولكنْ ثقلت وهم يكرهون الثقيلا وما قيل في البيت الرابع يقال هنا (خفيف الظل لا الظلال). واذا ثقلتَ وكبرتَ (لغة ومعنى واصطلاحاً) فابحث عمن هم مثلك اذهب إليهم وحادثهم واستمع منهم (ودعك من غيرهم فان آذانهم عنك صماء والجلوس معهم يضيع هيبتك). 6 أتيت إليهم فرادى بصوت وحيد، فجاءوا إليَّ قبيلا وفرادى أيضا من إلجاء الشعر للضرورات فرادى جمع قال تعالى: {وّلّقّدً جٌئًتٍمٍونّا فٍرّادّى"} والأَولى أن تأتيهم فردا.. {وّكٍلٍَهٍمً آتٌيهٌ يّوًمّ پًقٌيّامّةٌ فّرًدْا}. والقبيل: الجيل والجماعة قال تعالى عن الشيطان: {إنَّهٍ يّرّاكٍمً هٍوّ وّقّبٌيلٍهٍ} وقال سبحانه: {أّوً تّأًتٌيّ بٌاللَّهٌ وّالًمّلائٌكّةٌ قّبٌيلاْ} 7 وخضت مياه السلام إليهم وخاضوا بدمعي ودمّي سيولا بدايةً لابد أن يكون سلاماً عادلاً ودائماً وشاملاً ترضى عنه الاجيال القادمة. ثم اذا خضت مياه السلام فالأولى أن يخوضوا نيران الحرب مقابلة والدمُّ بالتشديد (صح). والدمع والدم متلازمان قال الراحل فهد بلان: ما لوم عيني لو بكت دمعها دمّّ ما لومها لو طوّلت في سهرها ويلي على اللي فارق الدار يا عمّْ من كثر السهر زال منها بصرْها يا بنات المكلا... 8 يريدون دوراً جديداً فدوري تجاوز في حلمه المستحيلا والحق بأيديهم ما دمت تجاوزت المستحيل فدورك من رابع المستحيلات. أما الثلاثة المستحيلات عند العرب منذ الجاهلية إلى اليوم فهي: قالوا بأن المستحيل ثلاثةٌ: الغول والعنقاء والخل الوفي والغول: تزعم العرب أنه نوع من الشياطين تظهر للناس في الفلاة فتكون لهم في صور شتى وتغولهم: أي تضللهم وتهلكهم. والصغار يتصورونه وحشاً جنياً سيأكلهم. اما العنقاء فطائر متوهَّم لا وجود له. قال الشاعر: أرى العنقاء تكبر أن تُصادا فعاند من تطيق له عنادا وأبيات الشاعر السابقة ومقارنته (بينه وبينهم) تذكرني بأبيات المقنّع الكِنْدي: واسمه محمد بن ظفر بن عمير أموي سَرِيٌّ (سيد) شريف جواد جميل اذا دخل السوق تقنع مخافة افتتان النساء بجماله وقيل مخافةَ العين (وقيل تقنع لقبحه). قال: يعاتبني بالدَّيْنِ قومي وإنما ديونيَ في أشياء تكسبهم حمدا أسدُّ به ما قد أخلُّوا وضيَّعوا ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدّا وفي جفنة ما يغلق الباب دونها مكللة لحماً مدفّقة ثردا (فتّة) وفي فرس نهدٍ عتيق جعلته حجاباً لبيتي ثم أخدمته عبدا ( بدل غاسل السيارات). وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمّي لمختلفٌ جدّا فان أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هَوُوا غَيِّي هَوِيْتُ لهم رشدا وإن زجروا طيراً بنحس تمرّ بي زجرت لهم طيراً تمرّ بهم سَعْدا ولا أحمل الحقد القديم عليهمُ وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا لهم جلُّ ما لي إن تتابع لي غنىً وإن قلَّ ما لي لم أكلفهمُ رفدا وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً وما شيمةٌ لي غيرها تشبه العبدا 9 أنادي فيرتد َّصوتي صدىً يجلجل لا شيء يرضي الدخيلا كالصارخ في واد والنافخ في رماد قال الشاعر: لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيّا ولكن لا حياة لمن تنادي 10 - سئمت الحلول.. رهان التحدي وكان فؤادي يحبُّ الحلولا والظاهر أنها كحلول قضية فلسطين التي أصبحت مثلاً. ألف حل وقرار ولجنة ولا فائدة. 11 وران القنوط على مهجتي وضيعَ دربي الدليل الذليلا والقنوط واليأس لا يجوز وخاصة من رحمة الله إلا الداعية الى الله فإنه يجب أن ييأس مما في أيدي الناس 12 وعاف مدادي سطور التشكّي وملّ يراعي الخطاب الطويلا والشكوى لغير الله مذلة. إلا قول الشاعر: ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يترجعُ والخطاب الطويل لا داعي له الا في المدح. أما عند الحاجة فخير الكلام ما قل ودل والبلاغة في الإيجاز. 13 وعفَّ لساني عن الترّهات وتمتم يرثي البكاء العويلا والترّهات جمع ترّهة وهي الفلاة والطريق الصغير المتشعب عن الطريق الأعظم، والباطل، والقول الخالي من نفع، والأخيران يصلحان لما قصد الشاعر بالترهات. والبكاء: بَكَى بكىً وبكاءً دمعت عينه حزناً والعويل والعَوْلة رفع الصوت بالبكاء والصياح وكان عليك أن يعف لسانك ابتداء ياليت 14 تركت الحصان وحيداً أمامي يحمحم يدعو الحصان الأصيلا ولعلك لو وضعت العربة أمام الحصان يكون أحسن فتريح الحصان من الحمحمة وتستريح أنت. 15 ويركض حتى تسوخ خطاه عميقاً.. ويفقد حتى الصهيلا تسوخ خطاه أي تنغرس حوافره في الأرض وليس عيباً أن أقول إني ما عرفت ما يريد الشاعر بالحصان ولا منه ولا ما يكني به عنه. وعلي فكرة الحصان إذا شاخ قتلوه رمياً بالرصاص. واذا كُسر فَكَسْره.. (كَكَسْرِ الزجاجة لا ينجبرْ) 16 يريدون قتليَ حيّا عَيْانَا لكي يشهدوني الجريح القتيلا قتلك حيّاً.. وهل يقتلونك ميتاً؟ الجريح القتيلا.. هل سيعذبونك قبل القتل؟ يشهدوني: النون هذه للوقاية تقي الفعل من الكسر. أما نون الأفعال الخمسة فحذفت لأن الفعل منصوب بكي. 17 دعوت الضمير ولات مجيبٌ وحار اللبيب يناجي العقولا والقول الأشهر أن «لات» تعمل عمل ليس ولا يذكر بعدها إلا أحد المعمولين قال تعالى { فّنّادّوًا وّلاتّ حٌينّ مّنّاصُ } الاسم محذوف تقديره لات الحينُ حين مناص. والغالب أن يذكر المنصوب (الخبر) ويحذف المرفوع (الاسم) لكن الشاعر هنا حذف المنصوب حيث كتب (لات مجيب) لا (لات مجيباً). 18 تشنج فكري فلا يقظةٌ.. تشتت هذا الركام الذهولا والتشنج تقبُّض عضلي عنيف غير إرادي لا يقظةٌ: وهذه لا التي تعمل عمل ليس وخبرها محذوف والأفضل أن تستيقظ وتدع عنك الذهول حتى لا تُتَّهم بما لا تريد . 19 وصاح النذير بصوت الوعيد يغنّي الرحيل ويدني البديلا نسأل الله حسن الختام (أو الخاتمة) النذير والوعيد لا يغنّي وانما يصرخ ويتوعد (وعلى الأقل ينوح) ويدني البديل. والبديل شاب وأنت شيخ ولا بأس ان تقترح عليه فيعيِّنك مستشاراً. نزار رفيق بشير /الرياض