تتسابق القنوات الفضائية ووكالات الأنباء والصحف الآن في عرض وترجمة كتاب «الخديعة الكبرى» للكاتب والمحلل الفرنسي تيري ميسان، فمثلما انفجرت فجأة أحداث 11 سبتمبر وانسابت في جميع قنوات الإعلام انفجرت فجأة أفكار وتحليلات تيري ميسان المثيرة عما حدث يوم الثلاثاء الأسود، ولأنها قراءة مختلفة تحاول ان تزيح الحجب وتكشف الغموض عن أدق التفاصيل ووقائع هذا اليوم وما تلاه، فإن جهات كثيرة تسعى لحوز قصب السبق في تقديم الكتاب والاحتفاء به، وفي العالم العربي على سبيل المثال أقام مركز زايد للتنسيق والمتابعة بأبوظبي احتفالية بالكاتب الفرنسي الذي ألقى محاضرة مهمة عن كتابه وأهم الأفكار الواردة، كما أجرى حواراً مفتوحاً مع عدد كبير من المثقفين العرب. هذا الكتاب الذي يلقى رواجاً شديداً في فرنسا وأوروبا قام مركز زايد بتقديم الترجمة العربية الأولى له تحت عنوان «11 سبتمبر 2001! الخدعة الرهيبة».. من ناحية أخرى تستعد دار نشر مصرية لترجمة طبعة أخرى من الكتاب، على حين انتهت إحدى دور النشر اللبنانية بترجمته فعلاً. كتب ميسان مؤلفه هذا لاعتقاده بأن الجناة ليسوا أولئك الذين أشير إليهم، وانه يجري حالياً تهديد السلام العالمي باسم عدد كبير من الأكاذيب، ولقناعته بالدفاع عن السلام الحقيقي راح يفند الأدلة والقرائن والملابسات التي احاطت بهذا الحادث المروع. يرى ميسان ان ما رددته وزارة الدفاع الأمريكية ان طائرة بوينج 757 فقد أثرها فوق أوهايو، يعني انها قطعت 500 كم فوق التراب الأمريكي دون ان تكتشفها الرادارات المدنية أو العسكرية، أو حتى الطائرات المطاردة التي ارسلت لتعقبها أو الأقمار الصناعية، إلى ان تصل أمام البنتاجون وتخترقه كل هذا يبدو غير منطقي. ويبدي المؤلف دهشته من زعم البنتاجون ان الطائرة اخترقت المكان، على حين ان الثقب في مبنى البنتاجون لا يكاد يرى، ولا يعقل ان تكون اخترقته طائرة وزنها 15 طناً باسطة جناحين بطول 38 متراً، فإحداث هذا الثقب على حد تعبيره يحتاج إلى أسلحة من نوع خاص ليس منها طائرة بوينج، والغالب ان الثقب الذي يبلغ قطره متراً و80 سم حدث نتيجة مقذوف ضرب المبنى وخرج من الجدار مسبباً شعلة كبيرة جداً مما أودى بحياة 125 شخصاً. من ناحية أخرى تفيد شهادة المراقبة الجوية انها رأت على شاشات الرادار ظهور نقطة بطريقة مفاجئة بدأت تتحرك كبيرة تجاه البيض الأبيض ثم غيرت اتجاهها فجأة نحو البنتاجون، والطائرة بطبيعة الحال لا تستطيع القيام بمناورة بهذه السرعة. كما يكشف ميسان ان القسم الذي تم ضربه من البنتاجون لا يخص وزير الدفاع وقيادة الأركان، وإنما هو قسم يخص البحرية الأمريكية وكان خاضعاً لصيانة آنذاك، والملاحظ ان الادميرال كلارك قائد البحرية غادر البنتاجون وقتها على عجل. أما بالنسبة لتفجير برجي مركز التجارة الدولي، يرى ميسان ان الطائرتين لم يكن على متنهما أي انتحاريين وانه كان يتم توجيههما بأجهزة تحكم عن بعد من الأرض، ويمكن استخلاص هذه النتيجة من المناورات شديدة التعقيد التي قامت بها الطائرتان حتى تضربا البرجين في الواجهة بالذات، ولا يمكن للخاطفين مهما كانت الساعات التي قضوها في التدريب ان يقوموا بمثل هذه المناورة المعقدة، ونظراً لسرعة انهيار البرجين على غير المتوقع من الناحية النظرية أشار ميسان إلى احتمال وجود مواد متفجرة مخزنة في أسفل البرجين. حجج كثيرة يسوقها تيري ميسان في قراءته المثيرة لتفاصيل ما حدث والتضليل الإعلامي الكبير الذي صاحب الأحداث ومن بينها سرعة اتهام ابن لادن والقاعدة بتدبير وتنفيذ هذه العملية، عقب وقوعها بدقائق معدودة، من هنا فند ميسان أدلة الاتهام، فعلى سبيل المثال القوائم التي قدمتها شركات الطيران لا نجد عليها أسماء من أسماء الانتحاريين ال19 وهو ما أوردته أيضاً صحيفة الجارديان البريطانية من قبل. ولا يعقل ان يتهم المصري محمد عطا كما يرى ميسان لمجرد العثور على جواز سفره، ولا يعقل ان يتدرب هؤلاء العرب المتهمون على الطيران من خلال كتب مترجمة باللغة العربية، فمن المفترض انهم يعيشون في أوروبا وأمريكا ويجيدون اللغة الإنجليزية على الأقل، فمن المضحك ان يكون من بين أدلة الاتهام كتب تعليم الطيران باللغة العربية. مثل هذا الكلام لا يعني ان ميسان يبرئ ابن لادن وجماعة القاعدة وإنما كل ما هناك انه يؤكد على ان الأدلة التي سيقت متناقضة إلى حد الكذب وغير معقولة، ويعزز هذا ان الكونجرس الذي يحقق دائماً في كل صغيرة وكبيرة تحدث لم يباشر مهامه ولم يقم بأي تحقيق جنائي حقيقي حتى الآن، وأضاف في تفسيره للأشرطة التي توزع وفيها يعلن ابن لادن مسؤوليته عن الحادث ان هذه الأشرطة توزعها وزارة الدفاع الأمريكية نفسها ويقول فيها ان ابن لادن ما ترجوه الوزارة منه، فلا يعقل ان ابن أرسل طائرة بوينج 757 لضرب البنتاجون، ودوره مجرد بوق دعاية أمريكية صرف، وبذلك فهو في رأي ميسان عدو للعالم العربي والإسلامي، ويساهم في تشويه وتوجيه اصابع الاتهام إليه على انه المجرم والجاني. السؤال اللغز والمثير أكثر من ألغاز الروايات البوليسية، إذا كان ابن لادن بوقاً لمخطط أمريكي يؤدي ما يطلب منه.. فمن الفاعل والمستفيد من كل ما حدث؟ يجيب ميسان عن هذا بأن ما حدث جاء في خضم صراع داخلي، أمريكي أمريكي، فهو صراع في أعلى السلطة بين تيار الاعتدال وتيار التطرف العسكري الراغب بالهيمنة على العالم جوياً وبرياً وبحرياً وفضائياً أيضاً.. أي ان ما حدث كان ببساطة انقلاباً عسكرياً لفرض شروط معينة على الرئيس بوش، من خلالها يتم السماح لC.I.A بقلب أنظمة الحكم في 80 دولة في العالم، وإعادة رسم خرائط بعض المناطق ومن بينها الشرق الأوسط جغرافياً وديموفغرافياً، ورفع الميزانية العسكرية بصورة غير مسبوقة إلى 396 مليار دولار لتعادل ميزانية 25 جيشاً من أكبر جيوش العالم، واتاحة الفرصة للبنتاجون ليفعل ما يشاء بعيداً عن وصاية ورقابة الكونجرس. ويواصل ميسان تحليله بأن هناك خمسة أجهزة استخباراتية على الأقل انذرت الولاياتالمتحدة وكانت على علم بالعمليات ومع ذلك لم تتحرك الحكومة الأمريكية وتتخذ الإجراءات المناسبة وبدا ان هناك تواطؤاً وتوقع ان عملية ما ستقع. السؤال الأخير: هل يعني هذا ان الولاياتالمتحدة تعرف الجناة الحقيقيين وتتستر عليهم؟ وهل فعلاً وظفتهم بطريقة خاصة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب؟ هذا السؤال وغيره يحتاج إلى أكثر من قراءة وليس فقط القراءة الفرنسية التي قدمها تيري ميسان.