السياسي الحكيم، الدبلوماسي الحاذق، الفطن المجرب لا يقول ما لا يدرك أثره وتأثيره. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. لا يمكن إلا وأن يكون ذلك الرجل الذي يعي ما يقول ويدرك تمام الإدراك لتأثيره وغايته منه، ولو فهم ما قاله عن الأعمال العسكرية في المؤتمر الصحفي بجانب الرئيس الأمريكي قد فهم بمعناه المجرد من التأويل الذي امتطاه البعض ليخرجه عن القصد منه. أمير دولة الكويت الشيخ صباح قال: ما فهمتُ منه، أنه يعلم بأن الدول الأربع المقاطعة لقطر، أمام مشاهد توافد القوات الأجنبية على قطر. لا شك ستعد ما يقتضيه الموقف. الشيخ الأمير قضى جل عمره وزير خارجية لدولة الكويت الشقيق، كان خلالها ممارسًا بارعًا، ونجمًا ساطعًا في سماء الدبلوماسية. أكسبته المواقف الصعبة الحرجة كثيرًا من حكمة التصرف بالقول والعمل الذي به يجنب الموقف من الانزلاق للأخطر. وأذهب بفهمي لحديثه عن تجنب العمل العسكري. الذي أظن أني أدركت الغاية والمقصد منها. فالغاية: فتهوين الحاصل الآن على مواطني الدول الأربع المقاطعة، وبين قطر، أمام الأسوأ مما كان سيكون لو لم تنجح المساعي للحد من التصعيد، بمبادرته للوساطة بين الطرفين، رغم ما يشعر به من مرارة من تصرفات قطر تجاه الكويت. وقد عبر عن ذلك بكل وضوح ومرارة، والقصد: الحيلولة دون ما كان يمكن أن يحدث حينما رأى القوات التركية تصل تباعا على عجل إلى قطر. فأدرك بحكمته أن الأطراف الأخرى أمام هذا المشهد لن تقف مكتوفة الأيدي أو تتهاون مع قطر، وستكون على أهبة الاستعداد للتصدي فيما لو حاولت قطر اللعب بنار غيرها الحية. هذا ما ذهبت إليه من فهم لمعنى العمل العسكري الذي عناه سمو الشيخ صباح الأحمد. فهو من الحكمة والوعي السياسي ما يمكنه من الإدراك المسبق لأثر ونتائج كلامه. فكما كان المتنبي مدركاً لأثر شوارد أبياته. بقوله: أنام ملء جفوني عن شورادها * ويسهر الخلق جراها ويختصم. يعلم مسبقا أن الناس ستختلف حولها. أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد قال ما يعي ما بنى عليه القول، ويعي الأثر الذي سيتركه لدى السامعين. وأن استمرار الحال على ما هي عليه فهي أهون الضررين. وتعتبر بحكم المواقف القطرية خلال المائة يوم الماضية. أعتقد أن أزمة الدول العربية الأربع المقاطعة لقطر انتهت بموقفهم الصارم المسيج بالحيطة والحذر بعد كشف منهج وخطط قطر منذ عشرين عاماً مضت. وعنادها المستمر، وإهانة الوسيط أكثر من مرة، حربإبقاء المقاطعة واعتبارها الأصل ورفعها هو الاستثناء ما لم تغير قطر منهجها وتنفذ تعهداتها وتعتذر للوسيط فهو الموقف الملائم في الظروف الراهنة، أما الضربة العسكرية فلم تكن واردة ولن تكون.