مهرجان ولي العهد بالطائف .. الهجن السعودية تسيطر على "الجذاع"    الدرعية يبدأ Yelo بهوية جديدة    القبض على 14 مخالفًا لنظام أمن الحدود بمنطقة جازان لتهريبهم 280 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو    انطلاق أولى ورش عمل مبادرة "سيف" بمشاركة أكثر من 40 جمعية من مختلف مناطق المملكة    منسوبو أسمنت الجنوبية يتفاعلون مع حملة ولي العهد للتبرع بالدم    ‏أمير جازان يستقبل رئيس وأعضاء مجلس الجمعيات الأهلية بالمنطقة    وزير الحج والعمرة يبدأ زيارة رسمية لتركيا    الأخضر الأولمبي يخسر وديته الثانية أمام روسيا بثلاثية    الذهب عند قمة جديدة بدعم من توقعات خفض الفائدة الأمريكية    تونس تتأهل لكأس العالم 2026 بفوزها على غينيا الاستوائية    إيران تقرر استئناف المفاوضات النووية مع أمريكا    أمير دولة الكويت يستقبل سمو الأمير تركي بن محمد بن فهد    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقّع اتفاقية تعاون مشترك لتأهيل آبار منطقة دوما بريف دمشق    التحالف الإسلامي يطلق مبادرة توعوية لمواجهة الخطاب المحرّض على الإرهاب    عقارات الدولة تطرح 11 فرصة استثمارية بمددٍ تصل 25 سنة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: "التماسك بين الشعب والقيادة يثمر في استقرار وطن آمن"    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا في تصنيف "Nature Index 2025"    7 توصيات في ختام المؤتمر الدولي ال5 لمستجدات أمراض السكر والسمنة بالخبر    مجلس إدارة جمعية «كبدك» يعقد اجتماعه ال27    إسبانيا تُعلن تسعة إجراءات تهدف لوقف "الإبادة في غزة"    صندوق الاستثمارات يوقع مذكرة تفاهم مع ماكواري لتعزيز الاستثمار في قطاعات رئيسية بالسعودية    وزراء خارجية اللجنة العربية الإسلامية بشأن غزة يعربون عن رفضهم لتصريحات إسرائيل بشأن تهجير الشعب الفلسطيني    أبرز التوقعات المناخية على السعودية خلال خريف 2025    أمانة الشرقية تفعل اليوم الدولي للعمل الخيري بمشاركة عدد من الجمعيات    محافظ عفيف يدشن مبادرة نأتي اليك    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    جمعية حرف التعليمية تنفذ فعالية الرصد الفلكي للخسوف الكلي للقمر بجازان    المرور يحذر من سحب أو حمل أشياء عبر الدراجات    حين يتحدث النص    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    الأميرة أضواء بنت فهد تتسلم جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز «امتنان» للعمل الاجتماعي    بنجلادش تكافح موجة متصاعدة من حمى الضنك وحمى شيكونجونيا    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    الأخضر السعودي يختتم استعداده لمواجهة التشيك    بعد أول خسارة في التصفيات.. ناغلسمان يعد بتغييرات على تشكيلة ألمانيا    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    السمكة العملاقة    في نهائي كأس السوبر للسيدات.. الأهلي والنصر يجددان المواجهة    إطلاق جائزة "مدن" للتميز.. تعزيز الابتكار والاستدامة في الصناعات السعودية    أمريكي يصطاد ابنته بدلاً من «الطائر»    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    شرطة لندن تضبط «نصابة» المواصلات    النسور.. حماة البيئة    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    «الصحة» تستكمل فحص الطلاب المستجدين    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    حين تتحول المواساة إلى مأساة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحريم القراءة
نشر في الجزيرة يوم 15 - 08 - 2015

كلما تقدم الزمن وازدادت القراءات تأكد لي أن المسألة لدينا هي مسألة «وعي» كيف نحاول أن نبقى واعين بما يحيط بنا... واعين بالذات.. واعين بالآخر.. واعين بالعلاقات، كما أن حالات غياب الوعي التي يتعمدها الإنسان أو يبتلى بها تقف في المقابل كجزء من الصورة التي لابد من اكتناه أسرارها..
إن الوعي بالوعي هو السبيل إلى أن تتحكم الذات في وعيها، ولكن ذلك أمر صعب يحتاج إلى معرفة أنظمة التحكم في الوعي وتفكيكها وتحليلها من خلال ملاحقة الراهن الإيديولوجي واختيار أن تكون المواجهة في ساحته من خلال خلخلة القواعد من أسسها ليخر السقف الإيديولوجي دفعة واحدة وليتحرر الوعي.. ويتحرر الإنسان ..
وثمة سبل متعددة لتنمية الوعي وتحريره، ولعل من أهمها القراءة إن القراءة وخصوا قراءة الأدب تعطينا المتعة الجمالية كما يسميها ياوس، وهي توجد وعيا يفتحنا على إحساس مزدوج بالحرية والإبداع لأنها تصدر عن زمنين: هدم العالم الواقعي الذي تتخذ الذات إزاءه مسافتها، ووضع عالم جديد انطلاقا من علامات الموضوع المتأمل فيه كما يقول سارتر...
ولذا تظل القراءة من أنجع السبل لتحرير الإنسان وخصوصا القراءة في النصوص السردية لأنها نقل لتجربة كاملة يشتبك فيها القارئ مع عدة مجالات اللغة.. الأحداث.. الشخصيات.. المغزى أو الأقنعة التي تمثلها الرواية أو القصة.. يأتي بعد هذه العمليات الإداركية عملية المقارنة بين الواقع الذي يعيشه القارئ وواقع المتخيل السردي المقارنة بين تجربة القارئ وتجربة الشخصيات وبعد المقارنة التي تتم آليا دون وعي تأتي اللحظة الهامة وهي كشف الأقنعة التي تتم على مستوى واقع القارئ وعلى مستوى النص ليصل القارئ إلى هدم تجربة وبناء تجربة إدراكية أخرى...
بيد أن مما هو معروف أن التحذير من القراءة بشكل عام، وخصوصا قراءة آراء الخصوم او قراءة الأدب الذي لا فائدة فيه هو السلاح الأوحد الذي تواجه به الإيديولوجيا محاولات الخروج من الوعي الإيديولوجي إلى الوعي الطبيعي، لذا تجد التحذير من قراءة كتب أهل الأهواء ومن مجالستهم ومن الاهتمام بالأدب لأنه يدعو إلى الفحش والفجور.. وهنا يظل الضحية الذي يوجه له قانون القراءة الإيديولوجية خائفا من النبذ الإيديولوجي إن هو خالف قواعد تحريم القراءة
نعم هنالك تحريم معلن للقراءة إلا في الكتب التي ينصح بها موجهو الإيديولوجيا أتباعهم.. هنالك تحكم في نوع القراءة يؤدي بالضرورة إلى استمرار التحكم في عقل التابع، وهنالك تشويه لأي قراءة أخرى...
وإذا ما رجع الباحث عن النصوص التي تحرم قراءة الآخر، وجدها نصوصا عن من يسمون أنفسهم علماء وليست من النصوص التأسيسة في الإسلام، وليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الآخر المخالف...
إن القراءة المفتوحة هي حق لموجهي الإيديولوجيا دون أتباع الإيديولوجيا وهي قراءة مخصصة للتشويه والتصنيف والرد السريع ثم تحريم القراءة .
ما هو مطلوب منا لتحرير الوعي هو تحرير القراءة ونشرها ولن يكون ذلك بوضع قواعد وتحذيرات فما يشفي من قراءة الكتب الردئية هو قراءة المزيد من الكتب ومايدلك على كيف تقرأ وكيف تتحرر وكيق تحكم هو مزيد من قراءة الكتب، وما يجعل عالمك أفضل وحياتك أكمل هو قراءة مزيد من الكتب، وما يجعلك جدير بتكريم الخالق هو قراءة مزيد من الكتب لا قواعد في القراءة سوى التوصية بالنهم في القراءة وبالمزيد من القراءة.. دائما ما أردد لطلابي: هل رأيتم حيوانا يتصفح كتابا ويقرأ. وأقول يزداد الإنسان إنسانية وعقلا وقيما كلما قرأ فاقرأوا كل ما تقع عليه أيديكم.. حولوا القراءة إلى إدمان.. كونوا جديرين بتكريم الله لكم .
في المقابل ستجد الموجه الإيديولوجي يقول لك اقرأ هذا الكتاب ولا تقرأ هذا الكتاب بهذه القراءة الموجهة وبالموجهيين الإيديولوجيين نفق سوق كتب تافهة وطبعت منها ملايين الطبعات، وماتت في أرفف المكتبات كتب رائعة..
إن أول شرط يجب الاتفاق عليه هو إعادة الاعتبار للقراءة وإصدار فتوى جديدة بعدم تحريمها وعدم حظرها وعدم مراقبتها.. فإنما يحاسب الناس على أفعالهم في منظومة قانونية محددة وواضحة، وليس على قراءاتهم أو آرائهم أومعتقداتهم.
وليعرف القارئ من بعد أن النص الذي يقرأه في مجال من المجالات ليس سطحا كما يظهر فالنص حجم و كتلة هو ترحال للنصوص كثيرة ولذا لا يكتفى في العادة بقراءة واحدة للكتب المهمة والرائعة بل يجب إعادة قراءتها لفك شفراتها وللوصول إلى مكنوناتها ..
ولأن العالم الحديث المتمدن حريص كل الحرص على الحقوق بشكل عام وعلى حفظها نجدهم يمنحون القارئ حقوقا للقراءة غير قابلة للتقادم كما يقول دانيال بيناك وهي: 1- الحق في عدم القراءة 2- الحق في القفز على الصفحات 3- الحق في عدم إنهاء الكتاب 4- الحق في إعادة القراءة 5- الحق في قراءة أي شيء 6- الحق في البوفارية ( العدوى المنقولة نصيا)، 7- الحق في القراءة في أي مكان 8 – الحق في الاقتطاف 9 الحق في القراءة بصوت مرتفع 10 – الحق في القراءة الصامتة.
هذه الحقوق توضح بجلاء كيف تغتال الإيديولوجيا قراءتنا وكيف ينمي الإنسان الحديث هذه القراءة تعامل القارئ كإنسان حر كامل المسؤولية والأهلية من خلال وعي حر تخلقه القراءة ذاتها ولذا يقول بورخيس « فليفخر الآخرون بالصفحات التي كتبوا، أما انا فأفخر بتلك التي قرأت « انظر: فانسون جوف: القراءة، ترجمة محمد ايت لعميم ونصر الدين شكير.
في المقابل نعرض توجيهات القراءة المؤدلجة وهي كالتالي من مقال في أحد المواقع: 1- ابدأ بأكابر أهل الدين لتعرف الإسلام بدراية وعلم، وليكن لك حبل متين مع علماء السلف رضوان الله عليهم (هذا شرط رئيسي ولا يذكر لماذا هؤلاء العلماء أكابر وكيف وصلوا إلى هذا الكبر، وتجد مثل ذلك عند بقية الطوائف من شيعة أو أباضية او غيرهم علماؤهم أكابر.. وما المقصود بالعلم هو العلم الموضوعي والمقدرة العلمية التي تستعمل الأدوات العلمية في أحدث صورها أو حفظ نصوص المذهب فقط أو لأنه اشتهر بالورع والصلاح والسمت الظاهري، وكيف ندرك تميزه العلمي عن غيره ؟)
2- ثم اقرأ لفضلاء أهل العصر الذين يوثق بعلمهم وأمانتهم ( لاحظ الفعل المبني للمجهول) يوثق من الذي وثقهم وكيف تمت عملية التوثيق وكيف قسنا درجة أمانته ونوعها.
3 – اقرأ للأدباء والمفكرين والكتاب الذين لا يعرف عنهم سوء نية أو طوية باستقراء ماكتبوه. وهنا الحكم على النوايا من خلال استقراء، أما كيف تم الاستقراء ومن قام به ومن أصدره فأمور مجهولة... المهم أن ثمة لائحة سوداء بأسماء محرمة أن يقرأ لها.
4- اقرأ للمخالفين حتى تعرف وجهة نظرهم بشرط أن يكون لديك علم يدرأ الشبهات واحذر مخالفي العقيدة إن لم يكن لديك مزيد علم بها فشبههم تحتاج إلى علم راسخ، وهنا يظهر المكر الإيدويولوجي في أجلى صوره فقراءة الآراء الأخرى وظيفية للرد عليهم فقط ولتقوية الإيديولوجيا، ولكنها ليست قراءة منصفة تقوم على الدليل والحجة وليست موضوعية، وهنالك إشارة العلم الراسخ والمقصود بها بالطبع إيديولوجيا راسخة كالصخرة لا تتزحزح لا تقبل علما ولا حجة.
5- اقرأ للأعداء حتى تأمن شرهم عليك وعلى أمتك وهنا قراءة وظيفية الهدف منها الدفاع عن الإيديولوجيا واستعمل أمن الشر على القارئ وعلى الأمة لإيهامه بأن الآخر عدو مع أنه بالضرورة ألا يكون عدوا ولا صديقا حتى، إن الإيديولوجيا مسكونة بالخوف من الآخر الذي ليس لديه إلا الشر.
بهذا الغلق المحكم والتحريم الواضح من الناحية العملية للقراءة، وربطها بالإيديولوجيا أفي الممكن أن تهذبنا القراءة؟... أيمكن أن تزيد في عقولنا؟... في إبداعنا؟.. في إمتاعنا...؟ في احترامنا للآخر... في بناء إنسان وحضارة وقيم!
إن أساليب التمويه والخداع الإيديولوجي وتصنيف الناس والضحك على عقولهم والوصاية عليهم هو ناتج هذه القراءة، ولك أن تقارن مناشط القراءة بما يحدث في المدارس والجامعات وترى كيف تتم تلك المناشط ومن يشرف عليها لتصل إلى نتيجة مرة مرة جدا... انها قراءة لقتل القراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.