الإحصاء: الإيرادات التشغيلية في قطاع الأعمال تنمو بنسبة 3.9% خلال 2024م    بإشراف وزارة الطاقة ..السعودية للكهرباء و إي دي إف باور سلوشنز تفوزان بمشروع صامطة للطاقة الشمسية    ارتفاع الوفيات المرتبطة بالحرارة عالميا 23٪ منذ التسعينيات    125 مشروع بحث علمي لطلبة الأحساء في معرض " إبداع 2026 "    رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    أوكرانيا تستهدف موسكو بمسيرات لليلة الثالثة    الإجنماع الأول للتعريف ببرنامج المُدن الصحية    ترامب: إنجاز اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية "قريب جدا"    ارتفاع اسعار الذهب    تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بما يخدم المصالح المشتركة.. إطلاق تعاون اقتصادي بين السعودية وباكستان    الاحتلال يشن غارة جوية على الضفة الغربية    إدانة دولية لقتل المدنيين.. مجلس السيادة السوداني: سقوط الفاشر لا يعني النهاية    أطلقها نائب وزير البيئة لدعم الابتكار.. 10 آلاف مصدر علمي بمنصة «نبراس»    استعرض معهما العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين.. الرئيس السوري يبحث مع وزيري الداخلية والخارجية تعزيز التعاون    تحاكي الواقع وتقيس الكفاءة والدقة.. مسابقات بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ.. إثارة وتشويق    الاتحاد يقصي النصر من كأس خادم الحرمين الشريفين    أكد أن الاتفاق مع باكستان امتداد لترسيخ العلاقات الأخوية.. مجلس الوزراء: مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار يدفع نحو التنمية والازدهار    بدء التقديم على برنامج ابتعاث لتدريس اللغة الصينية    التعلم وأزمة المعايير الجاهزة    استعرض تميز التحول الاقتصادي وثمار الرؤية بقيادة ولي العهد.. الرميان: العالم يأتي إلى المملكة وثروتها تقاس بازدهار الإنسان    الإعلام السياحي على مجهر «ملتقى المبدعين»    «من أول وجديد» 15 حلقة    تبوك تستعد للأمطار بفرضيات لمخاطر السيول    سعود بن بندر يطلع على أعمال "آفاق"    نفوذ بلا ضجيج.. القوة الناعمة في الإعلام    تعزيز العلاقات التركية - السعودية وسط الفرص والتحديات    يايسله يؤكد جاهزية جالينو    المناطيد تكشف أسرار العلا    "وثيقة تاريخية" تبرز اهتمام المملكة بالإرشاد التعليمي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    منتديات نوعية ترسم ملامح مستقبل الصحة العالمية    قصيدة النثر بين الأمس واليوم    صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية    أفراح ابن سلطان والعزام    الهلال يكسب الأخدود ويبلغ ربع نهائي كأس الملك    بنزيما: الاتحاد أظهر رغبته في الفوز على النصر منذ البداية    فيصل المحمدي من بيت امتلأ بالصور إلى قلب يسكنه التصوير    انطلاق منافسات بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ بسباق تسلق البرج بالسلالم    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    أجور الحدادين والرمل والأسمنت ترفع تكاليف البناء    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    54 مليون قاصد للحرمين خلال شهر    أمير منطقة جازان ونائبه يقدمان واجب العزاء للدكتور حسن الحازمي في وفاة نجله    السعودية تدين الانتهاكات الإنسانية الجسيمة لقوات الدعم السريع في الفاشر    تعديل مواد في نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    أمير تبوك يستقبل مدير شرطة المنطقة    نائب أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء بالمنطقة    أمير جازان يستقبل المستشار الشرعي بفرع الإفتاء في المنطقة    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    القيادة تعزّي ملك مملكة تايلند في وفاة والدته الملكة سيريكيت    نائب أمير الشرقية يطّلع على جهود "انتماء وطني"    رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية يغادر المدينة المنورة    أكثر من 11.7 مليون عمرة خلال ربيع الآخر    أثنى على جهود آل الشيخ.. المفتي: الملك وولي العهد يدعمان جهاز الإفتاء    المعجب: القيادة حريصة على تطوير البيئة التشريعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحمد الرحمن على نعمة الاجتماع وبيعة الملك سلمان
نشر في الجزيرة يوم 28 - 01 - 2015

لقد تلقى الشعب السعودي خبر فقد ورحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله - بقلب المؤمن الصابر الذي سلَّم بقضاء الله وقدره، ورغم فداحة الخطب وعظم المصاب فلا نقول إلاّ ما يرضي الله سبحانه وتعالى، فلله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمّى والفقيد - رحمه الله - خدم الإسلام والمسلمين، ودافع عن قضايا الأمة في المحافل الدولية فنسأل الله أن يتغمده بالرحمة والمغفرة، ويرفع درجاته في عليين وأن يجزيه عن الأمة الإسلامية خير الجزاء.
وقد بايع المسلمون ولي عهده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله - ملكا على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز وليا للعهد وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود ولياً لولي العهد، ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية.
وخادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله - هو خير خلف لخير سلف، وهو عزاؤنا في فقيد الأمة خادم الحرمين الملك عبد الله - يرحمه الله -.
فقد عرف الجميع عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - أخلاقه الكريمة، وصفاته الحميدة، وسداداً في الرأي، وقوة في الحق، كل ذلك مع تواضعه الجم، وحرصه على نفع الناس، وقضاء حاجاتهم، ومما يدل على ذلك توجيهه - حفظه الله - بتأسيس جمعية للأعمال الخيرية بدلاً من إقامة احتفالات شكلية بمناسبة مرور أكثر من خمسين عاماً على تقلده إمارة منطقة الرياض، فهو بحق رائد العمل الخيري ولو نظرنا في سيرته الذاتية لوجدناها حافلة بالبذل والسخاء، والنفع والعطاء، وحافلة بالإنجازات العظيمة، والإسهامات الكريمة.
وكان بين خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وسماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - مكاتبات نشرت في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، مما يدل على حرص سموه - حفظه الله - على الرجوع إلى العلماء والأخذ عنهم وهذا شأن ولاة الأمر - حفظهم الله - في هذه البلاد المباركة ونورد لذلك بمثالين:
المثال الأول:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم / سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس جمعية البر بالرياض
وفقه الله لكل خير آمين
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإشارة إلى كتاب سموكم رقم 1398 وتاريخ 15 - 8 - 1407ه المتضمن طلبكم الإفادة عن رأيي حول أخذ العروض في الزكاة.
أفيد سموكم بأنه قد اختلف العلماء - رحمهم الله - في جواز أخذ العروض في الزكاة والأرجح جواز ذلك بحسب السعر حين الإخراج سواء كان ذلك طعاما أو ملابس أو غير ذلك، لما في ذلك من الرفق بأصحاب الأموال والإحسان إلى الفقراء، ولأن الزكاة مواساة فلا يليق تكليف أصحاب الأموال بما يشق عليهم، وإنما الذي عليهم أن يواسوا إخوانهم الفقراء. (الجزء رقم: 14، الصفحة رقم: 250).
المثال الثاني:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وفقه الله وزاده من العلم والإيمان آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فأشير إلى سؤالكم الشفهي عن تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، ورغبة سموكم في أن يكون الجواب خطياً. وأفيدكم أن علماء التفسير - رحمهم الله - ذكروا أن الله سبحانه لما شرع صيام شهر رمضان شرعه مخيرا بين الفطر والإطعام وبين الصوم، والصوم أفضل، فمن أفطر وهو قادر على الصيام فعليه إطعام مسكين، وإن أطعم أكثر فهو خير له، وليس عليه قضاء، وإن صام فهو أفضل؛ لقوله عز وجل: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}، فأما المريض والمسافر فلهما أن يفطرا ويقضيا؛ لقوله سبحانه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أُخر}، ثم نسخ الله ذلك وأوجب الصيام على المكلف الصحيح المقيم، ورخص للمريض والمسافر في الإفطار، وعليه القضاء، وذلك بقوله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخر يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وبقي الإطعام في حق الشيخ الكبير العاجز والعجوز الكبيرة العاجزة عن الصوم، كما ثبت ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وجماعة من الصحابة والسلف - رضي الله عنهم -، وقد روى البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - معنى ما ذكرنا من النسخ للآية المذكورة، وهي قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}.
وروى ذلك عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وجماعة من السلف - رحمهم الله - . ومثل الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة المريض الذي لا يرجى برؤه والمريضة التي لا يرجى برؤها فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة. ويجوز إخراج الإطعام في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره، أما الحامل والمرضع فيلزمهما الصيام، إلا أن يشق عليهما فإنه يشرع لهما الإفطار وعليهما القضاء كالمريض والمسافر، هذا هو الصحيح من قولي العلماء في حقهما، وقال جماعة من السلف: يطعمان ولا يقضيان كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة. والصحيح أنهما كالمريض والمسافر تفطران وتقضيان، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - من حديث أنس بن مالك الكعبي ما يدل على أنهما كالمريض والمسافر.
وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
(الجزء رقم : 15، الصفحة رقم: 171 - 173)
ونحمد الله أن بايع المسلمون خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز ملكاً على البلاد بيعة شرعية على كتاب الله وعلى سنة رسوله - صلى الله عليه وسلَّم - ، كما بايعوا الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد، فالواجب الاجتماع على هذه البيعة المباركة امتثالاً لنصوص الكتاب والسنة التي أمرت بالاجتماع على إمام المسلمين وعدم التفرق ومن هذه النصوص قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا )، وقال تعالى (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وحبل الله هو كتابه، ودينه وأمره الذي أمر به عباده، وعهد إليهم به، وهو الذي أمر بالاجتماع عليه، ونهى عن التفرق فيه قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أمرهُمْ إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) وقال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمنوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). وهذا الاختلاف المقصود به الذي يكون معه التضليل والمعاداة بعضهم لبعض، ثم بعد ذلك يكون القتال والتفرق وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - أنه قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا له شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال)، فهذه النصوص وأمثالها تدل على وجوب جمع كلمة المسلمين واجتناب كل ما يكن سببا للخلاف، حتى في مسائل العلم الاجتهادية التي ينشأ عنها تفرق، ومعاداة، وتكفير، وتفسيق، ولعن، وذلك لأن الاجتهاد السائغ لا يبلغ مبلغ الفتنة، والفرقة إلا مع البغي والعدوان، ولهذا قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) وقوله تعالى: (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ)، فبيَّن تعالى أن الاختلاف الموجب للفتنة والفرقة إنما هو بغي، وعدوان، فلا تكون فتنة وفرقة مع الاختلاف السائغ شرعاً وكل ما أوجب فتنة أو فرقة بين المؤمنين فليس هو من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً، ولهذا جاءت النصوص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - بالأمر بقتل من خرج بطلب السلطة، والمسلمون لهم سلطان قائم، لما في ذلك من الفتن والتفرق كما في صحيح مسلم عن عوف بن عرفجة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - يقول: (ستكون هنات، وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان) وفي النسائي، وعن أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (أيما رجل خرج، يفرق بين أمتي فاضربوا عنقه)، وفي صحيح مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عُمِيّة، بغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، فقتل، فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها، فليس مني، ولست منه) وفي الصحيحين، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية)، والمقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلَّم - حذر من الخروج عن الطاعة، ومفارقة الجماعة وذم ذلك، وجعله من أمر الجاهلية، لأن أهل الجاهلية، لم يكن لهم رئيس يجمعهم، وشأنهم التفرق والاختلاف، ويرون السمع والطاعة مهانة وذلة، والخروج عن الطاعة وعدم الانقياد عندهم فضيلة، يمتدحون بها فجاء الإسلام مخالفاً لهم في ذلك، آمراً بالصبر على جور الولاة، والسمع والطاعة لهم في غير معصية، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلَّم - الحديث الذي أخرجه الترمذي وصححه (وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن، السمع، والطاعة، والجهاد، والهجرة، والجماع، فإنَّ من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، وفي خطبة عمر - رضي الله عنه - المشهورة التي ألقاها في الجابية، قوله: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد) وفي صحيح مسلم عن حذيفة، قال:( قلت يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: صفهم لنا؟ قال: نعم، قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم. قلت: فإنَّ لم يكن لهم جماعة ولا أمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك) وفي لفظ آخر: ( قلت: وهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع)، والإسلام جاء بتأليف القلوب، وجمعها على الحق، ومناصرة المؤمنين، ومعاونتهم على البر والتقوى كما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فلهذا حرم السب، والسخرية، واللمز، والتنابز بالألقاب، وما أشبه ذلك مما يسبب الفرقة ويجلب العداوة والبغضاء، ويؤدي لتنافر القلوب.
قال النووي - رحمه الله - : (وتنعقد الإمامة بالبيعة، والأصح بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم)، أما بقية المسلمين فيكفي انعقاد البيعة بالقلب، واستشعار لزومها، وحرمة الخروج عنها.
نسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يجمع شملنا، وأن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان، وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز وولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف للتوفيق والسداد، والهدى والرشاد، ولما فيه صلاح البلاد والعباد إنه سميع الدعاء قريب الإجابة.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
د. حمود بن محسن الدعجاني - عضو هيئة التدريس في جامعة شقراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.