تلكَ الحجارة

بقايا نَيازِكَ مَجدولةٌ بخُصُلاتِ شَعرٍ طَيَّرَها العِشقُ،
بعلبك!
تلكَ الحجارةُ التي تنظرُ إلينا بعيونٍ كبيرة، تُنبئنا بوصولِ
البدرِ السَّعيد
من سماواتٍ قريبةٍ يَفدُ البدرُ، حَجَراً آخرَ مصقولاً
هل هو الوديعةُ أم حاملُ الوديعةِ هذا الذي لا تَلحَظُ حركتَهُ العين؟
يتدلّى كعنقودِ عنبٍ مُلتَمعٍ فوقَ معبد باخوس، ثمّ يمضي خلسةً
في اتجاهِ الأعمدةِ الستّةِ، يُلامسُها.
ستّةُ أوتارٍ، ستُّ دموعٍ مُتَجَمِّدةٍ سقطَت
من سماءِ البشر
من أيدي الذين حفَروا وبنَوا
صمتُ الينابيعِ يَجري في عروقها.
الحجرُ الدائريُّ المكلَّلُ بذاتهِ انفكَّ، ليلَ أمس،
عن حجارةِ الهيكل وآلهتِه
انعتقَ من الجاذبيّةِ ومضى
كفراشةٍ هائلةٍ
كشراعٍ أبيضَ تَدفَعُهُ أنفاسُ الحالمين
المنتظرينَ عودةَ الفجر.
تلكَ الحجارةُ
نُثارُ الجسدِ المبعثَرِ يَقفُ قُبالتَه جوبيتير مبتسماً،
يتمتمُ:
مُقيمونَ همُ الذينَ عبَروا
وإلاّ كيفَ جاءَ مَن جاءَ بعدَهُم؟
تَمتَماتٌ أم خريرُ ماءٍ يَقولُ سرّاً ما يَجهرُ به الرَّعدُ:
الذين يولدونَ ويموتون هم شخصٌ واحدٌ يتكرَّر.
الماثلةُ في المكانِ السابقِ للأمكنة، المُستَقوِيَةُ
بحُطامِها، بعيداً عن التّاجِ والعَرش، تَحتفي الآنَ بنفسها.
مُرتَفَعٌ فوقَ مَوجةٍ ثابتة
هندسةُ الدَّهشةِ والدُّوار...
لا يَحتاجُ الجَمادُ، هنا، إلى حَراكٍ ليتحرَّك
نَستدلُّ عليهِ حينَ يَتَلوَّى الصَّمتُ وتَتَذَهَّبُ أطرافُه.
من لا يأبهُ بالوقتِ لا يحتاجُ إلى قِناع
في عُريِ مَصيرِهِ يَطيرُ
ويَخفِقُ في الآتي.