فائض الميزان التجاري السعودي يتجاوز 30 مليار ريال في فبراير 2025    يايسله يحذر لاعبيه من الوقوع في فخ نشوة الفوز بدوري أبطال آسيا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    125.7 ألف زائر يسدلون الستار على 12 يوماً من المتعة والمعرفة ل"الشارقة القرائي للطفل" 2025    أمير حائل يدشّن برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لبناء وترميم المساجد والعناية بها    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة رسمية للمغرب    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    سماع دوي انفجارات بمدينة بورتسودان السودانية    مركز تأهيل إناث الدمام يعقد ورشة عمل في مهارات العرض والإلقاء    نائب أمير المنطقة الشرقية يترأس اجتماع محافظي المحافظات    أمير حائل يرعى حفل التخرج الموحد للمنشآت التدريبية للبنين والبنات بحائل    الذكاء الاصطناعي: رافعة لتحقيق الاستدامة.. وتحديات تفرضها الثورة الرقمية        المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    "سعود الطبية " تنظّم أول مؤتمر وطني لجراحة مجرى التنفس لدى الأطفال    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    أمير منطقة الجوف يستقبل محافظ صوير    أجنبيًا لخلافة المفرج في الهلال    باكستان: نواجه نقصا في المياه بنسبة 21% خلال بداية الخريف    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يُنفّذ (2,077) زيارة تفتيشية    حرس الحدود بقطاع الوجه ينقذ مواطنًا من الغرق    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    رياح نشطة في معظم مناطق المملكة وزخات من البرد في الجنوب    بنسبة نضج عالية بلغت (96 %) في التقييم.. للعام الثالث.. السعودية الأولى بالخدمات الرقمية في المنطقة    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    في إياب دور الأربعة لدوري أبطال أوروبا.. بطاقة النهائي بين إنتر وبرشلونة    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    في أمسية فنية بجامعة الملك سعود.. كورال طويق للموسيقى العربية يستلهم الموروث الغنائي    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    هاري كين يفوز بأول لقب في مسيرته    الإدارة الذاتية: رمز وطني جامع.. سوريا.. انتهاء العمليات القتالية في محيط سد تشرين    دعت إسرائيل لاحترام سيادة لبنان.. 3 دول أوربية تطالب باتفاق جديد مع إيران    السديس: زيارة وزير الداخلية للمسجد النبوي تعكس عناية القيادة بالحرمين وراحة الزوار    أزمة السكن وحلولها المقترحة    تعزيز الربط بين الحافلات وقطار الرياض    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أخضر الناشئات يختتم معسكر الدمام    القبض على (31) لتهريبهم (792) كيلوجرامًا من "القات"    جامعة الملك سعود تستضيف مؤتمر "مسير" لتعزيز البحث العلمي والشراكات الأكاديمية    12024 امرأة يعملن بالمدن الصناعية السعودية    النزاعات والرسوم الجمركية وأسعار النفط تؤثر على توقعات اقتصاد دول الخليج    ممنوع اصطحاب الأطفال    الهند وباكستان تصعيد جديد بعد هجوم كشمير    السيطرة والبقاء في غزة: أحدث خطط الاحتلال لفرض الهيمنة وترحيل الفلسطينيين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    من جيزان إلى الهند.. كيف صاغ البحر هوية أبناء جيزان وفرسان؟    سعد البريك    أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة العدل بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد قرن على المذبحة البشرية الكبرى عام 1914
نشر في الحياة يوم 23 - 01 - 2014

مع حلول العام الجديد، وبمناسبة مرور قرن على انفجار الحرب العالمية الأولى، تنشط مراكز بحوث ومعاهد علم وجامعات ومراكز تفكير في مراجعة وتحليل أحداثها. من الصعب تحديد اليوم الذي بدأت فيه تلك الحرب، ولكن النشاطات التي نظمت لدراستها ستستمر على مدار عام 2014، وسيخصص الكثير منها لرفع الستار عن أسرار هذا الفصل المأسوي من تاريخ البشرية وتحديد أسبابه بدقة أكبر والتداول في الطرق الأنجح لمنع تكراره.
لقد سقط في هذه الحرب قرابة 37 مليون ضحية بين قتيل وجريح. بين الأخيرين كان من المستطاع إنقاذ عدد من المصابين من الجروح التي أصيبوا بها، ولكن ملايين من الجرحى، بينهم قرابة ثلاثة ملايين جندي قدر لهم أن يعانوا بقية حياتهم من عاهات دائمة. وتسببت الحرب أيضاً في خسائر بشرية غير مباشرة وضخمة مثل الملايين الذين قتلتهم الإنفلونزا والأوبئة الأخرى التي انتشرت بسبب عدم توافر العناية الصحية الكافية في سائر الدول المتحاربة، هذا فضلاً عن الملايين الذين تشردوا من بلدانهم بعد أن استفحلت النزاعات الإثنية والقومية والطبقية خلال الحرب، ما زاد من حجم آثارها الكارثية على الإنسانية.
وكما كان حجم الخسائر البشرية مرعباً، كان حجم الخسائر المادية هائلاً. فالخسائر المادية المباشرة للحرب وصلت إلى ما يقارب 208 بلايين دولار (حسب أسعار العملة آنذاك). ولكن الخسائر المادية لم تتوقف عند ذلك، إذ إن الحرب خلفت انهيارات اقتصادية في أوروبا عموماً كان من أبرزها الارتفاع الهائل في الأسعار. وبلغ التضخم في في بعض الدول التي شاركت في الحرب، خصوصاً في ألمانيا، أرقاما فلكية حيث بلغ ثمن رغيف الخبز أحياناً 428 بليون مارك! كما جاء في الأرشيف البريطاني. وكما هو معروف، فإن النتائج الاقتصادية والسياسية للحرب الكبرى لم تتوقف مع نهايتها ومع توقيع معاهدة السلام. ذلك أن الحرب أنجبت الأنظمة الأوروبية الشمولية التي جرّت العالم إلى الحرب الكونية الثانية.
وللتقليل من بشاعة الحرب، ومن ثم من مسؤولية القوى الأوروبية الكبرى التي أشعلتها، أو من مسؤولية بعضها على الأقل، حاول بعض المؤرخين ورجال السياسة إضفاء مشروعية عليها بالاستناد إلى القوانين والأعراف الدولية وإلى نتائج متخيلة لذلك الفصل المأسوي من تاريخ العالم.
لقد أسبغ المنتصرون على الحرب صفة «الحرب العادلة»، ولكن هذه الصفة التي رسختها دعاية المنتصرين، باتت موضع مراجعة واسعة تمحورت حول مدى انطباق الشروط الأربعة للحرب العادلة على تلك الحرب. حتى الآن يمكن القول إن أياً من هذه الشروط لم يتوافر في الحرب العالمية الأولى. فالطريق إلى حل المشاكل بين الدول الكبرى التي دخلت الحرب لم يكن مسدوداً بحيث تكون الحرب هي الوسيلة الوحيدة - بالتالي المشروعة والعادلة - لحسم الصراع بين هذه الأطراف الدولية. الدليل على ذلك هو أنه عندما احتدم التنافس بين ألمانيا وفرنسا على ضم مراكش إلى مناطق نفوذ الأخيرة، أمكن التوصل إلى حل سلمي بين البلدين. وعلى رغم أن كل فريق من فريقي الصراع الأوروبي والدولي دخل الحرب مؤكداً أن النصر سيكون حليفه وخلال شهور قصيرة لا تتعدى نهاية عام 1914، ومن ثم فإنها ستكون - كما تقتضي مبادئ الحرب العادلة - محدودة الضرر - إلا أنه تبين أن هذه التأكيدات كانت من باب الترويج للحرب وأنها لم تكن تستند إلى قراءة دقيقة للمعطيات الأوروبية، بعد أن استمرت الحرب سنوات وليس أسابيع قليلة فقط. وكان من بين الصفات التي تسقط عن الحرب الكبرى صفة الحرب العادلة هو نوع السلاح المستخدم في القتال، إذ إنه «أنتج - خلافاً لما يقضي به مبدأ الحرب العادلة - شراً رهيباً»، فاستخدم فيها السلاح الكيماوي على نطاق واسع من قبل فريقي الحرب.
فضلاً عن انتفاء الشروط الثلاثة من شروط العدالة عن الحرب الكبرى، فإن تلك الحرب افتقرت أيضاً إلى الشرط الأهم، إذ إنه لم يثبت أن أياً من الدول الكبرى (فرنسا، ألمانيا، النمسا، روسيا، بريطانيا ومعها الإمبراطورية العثمانية) كانت في صدد إلحاق ضرر «مصيري» و «وجودي» بأي من الدول الأخرى بحيث يشكل ذلك سبباً ومسوغاً للجوء إلى الحرب بين الدول المتنازعة. صحيح أنه كانت هناك لكل دولة كبرى مشاريعها وأولياتها ومصالحها التي تتناقض في كثير من الأحيان مع مصالح الدول والقوى الأخرى، لكن هذا التنافس لم يكن يهدد سيادة تلك الدول الكبرى على أراضيها ولا هدد أمن شعوبها وحريتها. بالعكس، كان المجال مفتوحاً أمام تطور كبير في علاقات الإمبراطوريات الأوروبية مع بعضها بعضاً، خصوصاً بسبب تشابك المصالح الاقتصادية بين دولها الكبرى، وصلة القربى التي كانت تربط العائلات الحاكمة فيها كما هو الأمر بين العائلتين الحاكمتين في ألمانيا وبريطانيا. ولأن غالبية الدول كانت تتبع أنظمة سياسية متشابهة وعقائد سياسية متقاربة. ولم تكن بين هذه الدول صراعات عقائدية حادة كما حدث خلال الثلاثينات نتيجة صعود الأيديولوجيات الشمولية في أوروبا.
وللتقليل من بشاعة الحرب الكبرى أيضاً، ذهب البعض إلى وصفها بأنها «الحرب التي ستنهي الحروب كافة»، وكان الاعتقاد السائد هو أن تأسيس «عصبة الأمم» وأن تبني المبادئ الأربعة عشر التي أعلنها الرئيس الأميركي ويلسون لتنظيم العلاقات الدولية، وأن إقرار مبدأ الحق في تقرير المصير وفقاً للنظرية القومية ستكون خطى حاسمة على طريق السلام الدولي، ولكن هذه المساعي انهارت خلال زمن قصير نسبياً. وكان السبب الرئيس لانهيارها ولانفتاح الطريق أمام الحرب العالمية الثانية هو استمرار الصراع على المستعمرات وعلى مناطق النفوذ في العالم.
لقد دفع العرب ثمناً باهظاً بسبب هذا الصراع. خسارة العرب البشرية والمادية لا تقارن بما خسرته أوروبا في هذا المضمار. ولكن الحرب العالمية الأولى والنتائج التي أسفرت عنها سواء في قيام نظام سايكس - بيكو على أنقاض الإمبراطورية العثمانية أو في إعطاء وعد بلفور إلى الحركة الصهيونية أو في التخلف عن الإيفاء بالوعود التي أعطيت إلى العرب حوّلهم إلى ضحايا للحرب الكبرى. ولسوف يدفع العرب الثمن مجدداً كلما اشتدت الصراعات الدولية وقاربت الانفجار. وما يثير القلق اليوم هو أن الكثير من المشاهد التي تخللت الاندفاع نحو الحرب الكبرى تتجدد على المسرح الدولي.
فالصراع على المواد الخام وعلى الأسواق يتفاقم بين دول الوضع الراهن وبين الدول البازغة. والعلاقات بين القطبين الدوليين الرئيسيين أي الولايات المتحدة والصين تسير على طريق سباق التسلح الذي مشت عليه بريطانيا وألمانيا. وكما فعلت بريطانيا قبل الحرب الكبرى، فإن واشنطن تحاول «إقناع» بكين بالتخلي عن فكرة بناء أسطول كبير يهدد سيطرة الولايات المتحدة على المحيط الهادئ، ولكن هذه المحاولة تستنفر المشاعر القومية في الصين بحيث يتحول الأسطول إلى رمز لسيادة الصين وعنفوانها وليس فقط إلى أداة لخدمة مصالح الدولة. ولسوف يتفاقم هذا الصراع، خصوصاً إذا ما طبقت واشنطن سياسة «الاحتواء» فضربت حول الصين سوراً من التحالفات التي تضم اليابان والهند وكوريا الجنوبية، فضلاً عن دول «آسيان» كما مورست أيام الحرب الباردة على الاتحاد السوفياتي.
إن انتقال الصراع من المسرح الأوروبي إلى شرق آسيا قد يخفف من آثاره على المنطقة العربية. إلا أن هذه الآثار لا تحسب اليوم بالأميال، ولكن بالمصالح المتشابكة ومنها حاجة الأطراف الدولية أميركية كانت أم صينية إلى النفط العربي. هذا يعني أن المنطقة العربية ستكون عرضة مرة أخرى للصراعات الدولية.
حتى لا يخرج العرب من هذه الصراعات بالمزيد من الخسائر والنكبات، وحتى يساهم العرب مع غيرهم من الأمم والشعوب في منع الحروب العالمية وحماية المجتمع الدولي من أخطارها وشرورها، فإن خيار التكتل والتضامن بين دولهم يبقى طريقاً مفضلاً لهم من أجل للوصول إلى سلام عادل. هذا الخيار يتطلب التعجيل في إنهاء الصراعات التي تمزق الكيانات والدول العربية عبر اعتماد التعددية السياسية والمجتمعية.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.