بلدية ضرية تحتفي باليوم الوطني 95 بفعاليات وطنية منوعة    ضبط 419 مخالفا لممارستهم «الكدادة» دون ترخيص    يوم المعلم وجهود المملكة العربية السعودية في تطوير التعليم في ضوء رؤية 2030    أليجري لا يفكر في الانتقام من ناديه السابق يوفنتوس    آرسنال يهزم وست هام ويتصدر الدوري الإنجليزي الممتاز    القبض على مواطن في المدينة المنورة لترويجه «الإمفيتامين»    أرماح الرياضية تشارك في الشهر العالمي للزهايمر دعمًا للتوعية المجتمعية    600 قطعة سلاح صيد متنوعة بمعرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    حرفية سعودية تخطف الأنظار في روما.. "ضحى أخضر" تنسج بروح الوطن إبداعًا عالميًا    قدوس يقود توتنهام للمركز الثاني في الدوري الإنجليزي    تدشين مشروع بصيرة ب 150 عملية مياه بيضاء في صبيا    الموافقة على طلب شركة خالد الظافر وإخوانه في السوق الموازي    الدكتورة نوف الفوزان تشارك بكتاب "التلمذة" في معرض الرياض الدولي للكتاب    أمين منطقة الرياض يطلق برنامج "تحوّل الرياض البلدي"    900 شركة ناشئة من 70 دولة حول العالم في بيبان 2025    وكالة الفضاء السعودية تطلق بوابة «فضاء المعرفة»    أمطار غزيرة وجريان سيول على 4 مناطق اليوم    ضبط أكثر من 18 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود    كارينيو: الهلال يمكنه اللعب في أقوى دوريات العالم    استشهاد تسعة فلسطينيين في غزة    50 صقرًا منغوليًا في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    القرني: أهمية أرشفة "جوجل" عبر الصحف الإلكترونية    Arabian Heritage Motors تطلق تجربة قيادة حصرية لسيارة EXEED RX PHEV في الرياض    جامع فرائد الملاحة في جوامع فوائد الفلاحة ..كتاب العام التراثي بالوطن العربي    العمل رسالة وأمانة    ابدأ يومك بهذه الكلمات    من المؤثر الحقيقي    «فيها إيه يعني» ينطلق بعرض خاص    قواعد بسيطة تحمي قلبك    اللجنة المنظمة لدورة ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025 تطلق شعار "أمة واحدة"    اختتام دورة المدربين لكرة القدم المصغرة بالمنطقة الشرقية وسط حضور لافت    377 ألف مولود سعودي في عام    التحالف الدفاعي الإستراتيجي السعودي الباكستاني        ملتقى الصم الصحي": مشاركة واسعة وجهود تكاملية لخدمة فئة الصم    ترمب يطلب من إسرائيل التوقف «فورا» عن قصف غزة    معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 يقدّم "السفاري"    الرِّياض تقرأ والكتاب يَطرق أبواب العالم    سفاري جديد معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    مستحقو الضمان الاجتماعي ما بين الحاجة والبيروقراطية    أمير جازان ونائبه يطمئنان على صحة الشيخ العامري    طرح الدفعة الثانية من تذاكر مباراتي الأخضر في الملحق الآسيوي    تكريم طلاب الصف الرابع (ج) المشاركين في الإذاعة المدرسية بمدرسة ابتدائية مصعب بن عمير    الشؤون الإسلامية في جازان تنفّذ أكثر من 81 ألف جولة رقابية على المساجد والجوامع خلال الربع الأول من عام 1447ه    إمام المسجد الحرام: تزكية النفوس سبيل السعادة والعيش الطيب    إمام المسجد النبوي: التباهي والتفاخر مظهر كبر وجهل وزيف دنيا    97 ألف زائر يتعرفون على تقنيات طباعة المصحف في مجمع الملك فهد بالمدينة المنورة    المقاومة الزائفة    قنديل في مهب العاصفة    وكالة شؤون الأفواج الأمنية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025    الرخص الرياضية استثمار منظم يفتح أبواب الاقتصاد الجديد    الإعلاميان الكبيران : محمد عابس وعبدالعزيز خزام في مهرجان القصيدة الوطنية    مواقف المملكة العربية السعودية «الأفعال تصنع الفرق قبل الأقوال»    تصاعد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين.. اقتحام الأقصى وتصاعد حصيلة الشهداء في غزة    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضيوف من «كوكب آخر»
نشر في الحياة يوم 10 - 09 - 2009

قبل أشهر، تجمّع عشرات الناشطين في مجال حقوق الإنسان أمام «مسرح المدينة» في العاصمة بيروت. القضية كانت ملحّة وتستلزم تحركاً ما يضع حداً لسياسة «فلتان» تجتاح بعض بيوت اللبنانيين. الناشطون حملوا لافتات بالعربية والإنكليزية والفليبينية والأثيوبية والسريلانكية... تدلّ على عنوان القضية وجوانبها المعتمة التي يرفض كثيرون الاعتراف بوجودها أصلاً، ليس في لبنان فقط بل كذلك في عديد من الدول الاخرى العربية. «نادني بأسمي وليس بجنسيتي». «ما حكيت مع بنتي منذ أربعة أشهر». «جايي لاشتغل مش لموت». «وين حقي بالإجازة»...
«صاحبات القضية» شاركن في التحرك بأعداد قليلة، فأكثريتهن الساحقة لم تعلم أن هناك على وجه الأرض من يطالب بحقوقهن، أما البقية فقد علمن بالتحرك، لكنهن منعن بقرار من مستخدميهن من النزول الى الشارع لممارسة أبسط حقوقهن في التعبير... في بلد يتغنى أهله «بسحر الديموقراطية».
كانت مجرد صرخة لم تدم أكثر من ساعة، تفرّق بعدها منظمو التحرك و «ضحايا» التعذيب النفسي والجسدي في منازل لبنانيين، تاركين وراءهم حقائق موجعة بالأرقام والوقائع مثبّتة في سجلات «هيومن رايتس واتش» ومنظمة «كفى عنفاً واستغلالاً»: «أكثر من 200 ألف عاملة أجنبية في لبنان يمارسن كل أنواع الأعمال المنزلية، بما في ذلك «الأشغال الشاقة». أكثر من نصف عاملات المنازل الأجنبيات يعملن أكثر 12 ساعة في اليوم. أكثر من ثلث العاملات لا يحصلن على يوم إجازة. عشرون في المئة منهن يضربهن مخدوموهن. في مقابل عشر نساء لبنانيات عاملة منزل أجنبية...». والأسوأ أن دراسة لمنظمة «هيومن رايتس وتش» أضاءت على حقيقة سوداء: «واحدة من الخادمات الأجنبيات تموت كل أسبوع، وأكثر من نصف الحالات تصنّف انتحاراً».
في منزل مدام كارلا ومستر نبيل، لا مكان لإساءات من النوع الذي تشهده بعض البيوتات، حيث تحصل انتهاكات بالجملة لحقوق الوافدين من بلاد العوز والفقر. أهل المنزل الذين تربوا على عقيدة «اعط لكل ذي حق حقه»، يطبقون المثل على شابالي الخادمة القادمة من بنغلادش. خمس سنوات في منزل العائلة المؤلفة من أربعة أشخاص لم تدفع الفتاة النحيلة الى الهرب من «جحيم» مفترض تهابه كل «المغامِرات» اللاهثات وراء حفنة من الدولارات «تجيرها» عادة الى حساب العائلة في الخارج.
المدة كانت كافية لتتحكم شابالي بمفاصل اللعبة داخل البيت «البورجوازي»، ولتصبح مفتاح الحل لكل المشاكل، البسيطة والمعقدة. لكن البداية كانت صعبة باعتراف «المدام» و «المستر». شابالي البنغالية كانت «تفهم بالمقلوب»، وغريبة عن كل العادات اللبنانية، من فنجان القهوة الى طبخة الفاصولياء... وإعداد طاولة الطعام، مروراً بالتعرف الى دوش الاستحمام وأساليب الضيافة. واضطرت صاحبة المنزل الى تكريس نحو ثلاثة أشهر من وقتها لتعليم شابالي ما يصطلح على اعتباره «بديهيات الحياة».
التقدم كان لافتاً وتطلّب أحياناً إجراء مقارنة بين عادات «بلاد الرز» وعادات شعب يعيش في المقلب الآخر من العالم. فما كان غائباً عن قاموس شابالي في بلاد البنغال تعرّفت اليه في لبنان. ترويقة الجبنة واللبنة والزعتر... أصناف لم تعرف الخادمة «الذكية» طعمتها يوماً. صارت تحضرّها كل يوم للعائلة، ولا تتذوقها لأنها من «كوكب آخر» لا تعرفه. أدهشت أهل البيت بغرامها غير المألوف بالرز والسمك والباذنجان بكل أنواعه. «عدوى» مذاق طبخات شابالي انتقلت الى بعض أفراد العائلة، ممن اعتبروها اكتشافاً جديداً يوازي المطبخ اللبناني. وأكثر من ذلك، صارت مدام كارلا تطلب ال «ماس» عندما ترغب في أكل السمك، وال «ديم بازي»، عندما تطلب طبق العجة صباحاً، و «بيغون» و «ألّلو» عندما تشتهي العائلة أكل البطاطا والباذنجان المقلية.
وأما شابالي فتشكّل «النموذج الصالح» في استقدام العاملة الأجنبية واستقرارها في منزل مستخدميها. وأما النماذج «الكارثية» فتدخل أكثرية المنازل، وينتج منها، في أكثر الأحيان، هروب المستخدَمة الى مكان مجهول أو إلى صاحب مكتب الاستخدام، أو استغناء أصحاب المنزل عن خدماتها واستبدال أخرى بها. والأسباب أكثر من أن تحصى: تحوّل المنزل الى «برج بابل»، حيث تنعدم خطوط التواصل اللغوي، تنفيذ الخادمة المهمات المطلوبة منها، ولكنْ، كما تفهمها هي وليس كما تطلبها «المدام»، تمرّد الخادمة على واقع «عزلها»، أحياناً، عن المحيط الخارجي، فيكون الرد داخل المنزل بتحويله مقاطعة «لفشة الخلق»، استصعاب خادمات كثيرات اكتساب المفهوم الصحيح للنظافة والترتيب، والتكرار في هذه الحالة لا يجدي نفعاً!
لا تعرف نقابة مكاتب الاستقدام في لبنان «بروتوكولات» ترعى أسلوب التواصل بين طرفين من «عالمين» مختلفين. حكومات بعض الدول التي «تصدّر» أسطولها من العاملين، ترعى توقيع عقود نموذجية تحدّد ساعات العمل في اليوم، ولا تتطرق الى الجانب الثقافي من عادات هؤلاء العاملين وضرورة احترامها من قبل المستخدِمين.
فقط منظمات حقوق الإنسان في لبنان تسلّط الضوء، من حين الى آخر، على الواقع الإنساني للعاملين الأجانب.
قبل سنوات، بُث فيلم بعنوان «خادمة في لبنان»، برعاية مؤسسة «كاريتاس». الحقائق كانت موجعة. ومن شاهد الفيلم تأثّر وتضامن للحظات مع مأساة «الخادمة». انتهى عرض الفيلم، خرج الحضور من صالة العرض... وبقيت «قصص الواقع» تدور بكامل فصولها، المفرحة والمبكية، في بيوت اللبنانيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.